+ A
A -
تصاعدت من جديد مطالب الجبهات المطالبة بالانفصال عن إسبانيا في إقليمي الباسك وكتالونيا، خاصة بعد إصدار الملك فيليب السادس قراراً في شهر أبريل الماضي بحل البرلمان بعد قرابة الستة أشهر من الصراع بين الأحزاب من أجل تشكيل الحكومة، وفشل الوصول إلى تشكيل حكومة توافق تنقذ البلاد من حالة عدم الاستقرار السياسي، حيث تلاحقت المؤتمرات الشعبية لقادة الجبهات المطالبة بالانفصال خلال شهر مايو الجاري، والتي شهدت إقبالاً جماهيرياً أربك إلى حد كبير المؤسسة الملكية الإسبانية وقادة الأحزاب التي ركزت كل اهتماماتها في الاستعداد للانتخابات البرلمانية الجديدة المقرر إجراؤها في شهر يونيو المقبل، وهو الأمر الذي ربما يستدعي الإسراع في إعادة تشكيل المؤسسة التشريعية والحكومة أيضاً قبل استغلال الجبهات المطالبة بالانفصال حالة الفراغ السياسي وإسقاط إسبانيا في دوامة سياسية يستحيل معها السيطرة على البلاد في ما بعد.
من جانبه قال فرانسيسكو دي اندريس المحلل السياسي بصحيفة «الباييس»، لـ الوطن، إن ارنالدو اتيغي زعيم جماعة ايتا الباسكية المطالبة بانفصال إقليم الباسك والمفرج عنه مؤخرا بعد قضاء فترة عقوبة حبسية قدرها ست سنوات ونصف بعد إدانته بالمشاركة في تأسيس جماعة انفصالية مسلحة «منظمة ايتا» بالمخالفة للقانون الإسباني، وعقد اتيغي مؤتمرا جماهيريا يوم السبت الماضي، بساحة بيتوريا وسط عاصمة الإقليم، حضره حوالي 10 آلاف مواطن، طالب خلاله بضرورة استجابة إسبانيا لرغبة سكان الإقليم، الرامية إلى إنشاء دولة مستقلة كاملة السيادة على نفسها بعيدا عن أي هيمنة إسبانية وتدخل في شؤون الإقليم بأي حال وشكل.
كما استغل اتيغي حالة الفشل السياسي– على حد وصفه- التي تعاني منها إسبانيا مؤخرا، وتصارع الأحزاب في ما بينها من اجل السلطة، وإهمال شؤون البلاد بشكل انعكس بالسلب على مختلف أوجه الحياة في إسبانيا، واصفا المؤسسة الملكية بالمنشغلة في متابعة لهو قادة الأحزاب والتستر على فضائحهم الأخلاقية في إشارة إلى فضائح قيادات الحزب العمال الشعبي التي أثيرت مؤخرا واستقال على إثرها وزير الاقتصاد ورئيس ولاية غرناطة.
وتطرق اتيغي، إلى القضية المتورط فيها شقيقة الملك وزوجها، والمتهمة فيها بالفساد المالي، ومازالت منظورة أمام القضاء الاسباني، مشيرا إلى أن الفساد في إسبانيا وصل إلى جميع المؤسسات تقريبا، وحالة الوهن السياسي أثرت على كل شيء، وأثرت سلبا على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في إسبانيا، وهذا الأمر– بحد وصفه- بات يعاني منه أغلب الشعب الإسباني ويدفع ثمنه المواطن الذي لا مصلحة له في هذه الصراعات، وهو ما تفاعل معه الحضور وتعالت الأصوات والهتافات بالانفصال.
وجدد اتيغي، مطالبه لشعب إقليم الباسك الذين وصفهم الباسكيين بالاتحاد معاً والاصطفاف خلف المطالب الموحدة التي اسفر عنها اجتماع قيادات الإقليم، والمتمثلة في البنود الستة المعلنة عقب الاجتماع، وأهمها البند الأول المطالب بانفصال الإقليم عن إسبانيا والاحتفاظ بكافة الحقوق السيادية وما يستلزم ذلك من إجراءات وقوانين.
انفصال كتالونيا
ويشير بابلو سيمون المحلل السياسي بصحيفة «ايه بي سي» الإسبانية، إلى أن بول روميفا، (كتلة التحالف الاستقلالي لانفصال كتالونيا)، قد جدد مطالبه بانفصال الإقليم يوم الاثنين الماضي من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بمقر التحالف بكتالونيا، حيث أشار إلى أن الصراعات السياسية في إسبانيا وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة، بين أطراف طالما كانت متبادلة المصالح ومازالت، متهماً رؤساء الأحزاب بالسعي إلى مصالحهم الشخصية ومكاسبهم المادية دون أي مراعاة لمصالح الشعب، بالإضافة إلى تعمدهم إقصاء الأصوات المطالبة بالإصلاح داخل الأحزاب، وتصعيد القيادات الذين تتفق مصالحهم من مصالح رؤساء الأحزاب وليس مصالح البلاد أو الحزب.
وتطرق بابلو، إلى دور المؤسسة الملكية مؤكدا أن الملك فيليب السادس تعمد إقصاء ممثلين إقليم كتالونيا عن جميع المناصب القيادية في البلاد، والتعامل معهم وكأنهم جواسيس أو أشخاص غير مرغوب فيها، وهو الأمر الذي نقلته عنه الحكومة وباتت تنفذه بنفس الطريقة وكأنه منهج سياسي تسير عليه الدولة، وهذا الأمر– حسب وصف بابلو- مرفوض، ويعتبر انتقاصا من حق المواطن الكتالوني في ثروات بلاده وأراضيها، ومادام الأمر كذلك فالمواطن في كتالونيا له الحق كاملا في إدارة شؤون إقليمية والمحافظة على موارده من العبث وطمع الفاسدين.
مطالب متصاعدة
ويشير سرخيو اجناسيو المحلل السياسي بصحيفة «الباييس»، إلى أن هذه المطالب الانفصالية المتصاعدة مؤخرا، باتت تشكل خطرا كبيرا على إسبانيا، خاصة أنها يوما بعد يوم تحظى بتأييد جماهيري أوسع، نتيجة ذكاء قيادات الجبهات المطالبة بالانفصال في إثارة حماس الجماهير مستندين لوقائع حقيقية وصورة عامة واضحة للفساد السياسي والصراع القبيح الذي انتقل فيه قادة الأحزاب السياسية وحتى المؤسسة الملكية وما ينتج عنه من زيادة مؤشرات البطالة وتراجع معدلات الاستثمار، في حين يقدم قادة الجبهات المطالبة بالانفصال وعودا بتحسين الأحوال المعيشية والسياسية والاجتماعية لسكان هذه الأقاليم بعد الانفصال عن إسبانيا والاستئثار بموارد الإقليم الاقتصادية المهمة، حيث تعد كتالونيا أهم مدينة صناعية وتجارية في اسبانيا، وكذلك إقليم الباسك يعد اهم مصدر للمعادن والأخشاب في المملكة.
وأضاف، ان نسبة جد مهمة من المواطنين في كتالونيا والباسك اصبحوا يميلون للانفصال عن إسبانيا التي أصبحت– من وجهة نظرهم- عبئا عليهم وأصبح ساستها وقياداتها طامعين في ثرواتها كما يفعل أي احتلال في دولة محتلة، وهذه المفردات وإن لم تقل بشكل علني تبقى في ذهن أغلب سكان هذه الأقاليم، حيث نشر معهد التوجه الإعلامي بمدريد، اول شهر مايو الجاري تقريرا مفصلا عن دور الصحف المحلية في إقليمي «الباسك وكتالونيا» في ترسيخ مثل هذه المفاهيم في عقل المواطنين وترويج الصورة الحماسية التي رسمها قادة الجبهات المطالبة بالانفصال، حيث استطاعت هذه الصحف والإذاعات الممول اغلبها من قيادات الجبهات من استقطاب مئات الآلاف من الأنصار، فأشارت استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الشهور الثلاثة الماضية إلى زيادة نسبة المؤيدين للانفصال إلى اكثر من 63 في المائة للمرة الأولى في تاريخ إسبانيا، مقارنة بالاستطلاعات التي أجريت في شهر ديسمبر الماضي والتي بلغت نسبة المؤيدين لها في أقصى حد 41 في المائة، وهذه النتيجة تؤكدها أيضا تحركات المواطنين وانطباعاتهم في الشارع، حيث انتشرت بنسبة كبيرة رسومات الجداريات في الشوارع للمطالبة بانفصال إقليم الباسك والأمر نفسه في إقليم كتالونيا، بالإضافة إلى الرايات «الإعلام» المحلية التي أطلقتها الجبهات المطالبة بالانفصال في هذه الأقاليم، انتشرت بشكل ملحوظ في شرفات المنازل والمحال التجارية التي يملكها مواطنين مؤيدين للانفصال، وكل هذه المؤشرات– بحسب التقرير- تؤكد أن درجة تأثير قيادات الجبهات المطالبة بالانفصال في إقليمي الباسك وكتالونيا بلغ أقصى مدى بسبب نجاحهم في إيصال رؤيتهم للجماهير عن طريق وسائل الإعلام المحلية، واستغلال وقائع فساد الأحزاب وانتهازية قيادتها لاستمالة المواطنين نحو وجهة نظرهم ومطالبهم، وأيضا ضعف المؤسسة الملكية بشكل غير مسبوق وتشتتها بين أحزاب هشة وأزمات داخلية تهدد إسبانيا بشكل غير مسبوق باتت معه إسبانيا رابع قوة اقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي على وشك التهاوي، مما أصبح يفرض على المواطنين في الأقاليم الغنية «الباسك- كتالونيا» التفكير بجدية- بحسب وجهة نظر الجبهات المطالبة بالانفصال- في أمر إنقاذ المواطنين من مصير دولة اليونان، من أجل مجموعة من السياسيين الانتهازيين، والمواطنين في الولايات الإسبانية الأخرى الذين وصفوهم أيضا بالمفرطين في حقوقهم والشركاء في حالة عدم الاستقرار السياسي في إسبانيا حاليا لكون مواطني إسبانيا هم من اختاروا هؤلاء الفاسدين وعليهم– طبقا للجبهة- تحمل النتيجة وحدهم دون جر إقليمي الباسك وكتالونيا الذين تعمدت المؤسسة الملكية والحكومة إقصاء قياداتهم من القيادة السياسية، ومن ثم فإن الإقليمين ليسا شريكين في ورطة إسبانيا السياسية الحالية.
copy short url   نسخ
23/05/2016
1159