+ A
A -
كتب- عبدالرحمن زروق
إلى جانب المشاغل الداخلية المتشابكة في ليبيا، فإن الوضع الإقليمي يشكل هاجساً آخر، خاصة مع وجود جماعات متطرفة في الجوار، وتدفق بشري يحاول أن يتخذ من ليبيا قاعدة انطلاق نحو أوروبا، وهذا ما يفسر التواصل الليبي مع الجوار، ومن ذلك زيارة مسؤول ليبي رفيع للسودان لتأمين الحدود أمام هجرات من دول إفريقية عبر السودان.. كما أن تقارب داعش وبوكو حرام زاد من التكهنات بالتدخل الدولي، وهو أمر قال عنه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن كوبلر الذي أشرف على اتفاقية الصخيرات التي أفرزت حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج: إن التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا رهن بموافقة الحكومة الجديدة..
غير أن وقائع الأحوال قد تستبق مطالبة ليبية بالتدخل، وهو أمر بدأت إرهاصاته بالفعل، فهناك ترتيبات إيطالية تجرى على قدم وساق، وهناك قوات خاصة أميركية وبريطانية وفرنسية وإن بأحجام قليلة على الأرض الليبية.
ويرسم الواقع الليبي صورة مضطربة لدولة تنتهشها المليشيات، حتى أن الحكومة الخارجة من رحم الصخيرات تحرسها المليشيات، كما أن الجماعات المسلحة تتعدد تحت مختلف المسميات، بينما تشتعل المعارك في أكثر من جبهة، خاصة في مصراته وسرت، ففي الأولى تحاول داعش التي يتنامى وجودها اكتساح مصراته التي تتمركز فيها مليشيات بعضها موال للسراج.
وفي مصراته توجد مليشيات متعددة الولاءات، ومع تباين تكويناتها إلا أنها تتفق على ضرورة مواجهة زحف داعش نحو المدينة، لكنها تختلف حول كيفية المواجهة، حيث يرى قادة أن داعش تحتاج إلى أكبر من المكونات العسكرية القائمة في المدينة للتعامل معها، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أهمية العون، لكن أي نوع من العون فهذا ما سيظهر في بحر الأيام القادمة.. ويبقى المهم أنه بينما يسعى الجميع لضرب داعش، فإن ذلك لا يمنع القول إنه حالماً تنتهي هذه المهمة، فإن مختلف الفرقاء سيوجهون بنادقهم إلى بعضهم البعض، والأكثر توقعاً تجدد المعارك بين حفتر ومليشيات مصراتة..
وهنا بالذات تنفتح الآفاق مجدداً حول التدخل العسكري الأجنبي، ولا يعرف حتى الآن ما إذا كانت حكومة السراج قد طلبت صراحة تدخل جهة ما، لكن المعروف وما تتداوله الوسائط الإعلامية الغربية أن قوات أميركية خاصة قد باشرت مهمة لها في الأراضي الليبية.. يبقى أن الوضع الليبي الشديد التعقيد ينذر حقيقة بعراق أخرى أو سوريا جديدة في ظل هذا المشهد البانورامي المسلح، وفي ظل حكومة المجلس الرئاسي التي لم تتمكن من الحصول على التصديق من البرلمان، كما أن الحكومة تحاول جاهدة ضم جيش موال جزئياً لحفتر، بل إنها نصبت السراج كقائد عام في إشارة واضحة لعدم الاعتراف بحفتر..
وكل ذلك يشكل إرهاصات لفوضى عارمة، ففي مصراته بدأ السكان يهربون جنوبا نحو الصحراء، وهناك حوالي 850 ألف مهاجر من مختلف أنحاء أفريقيا في ليبيا يستعدون للإفادة من هذه الفوضى للانتقال بحرا إلى أوروبا وهي التي تعاني مسبقا من اللاجئين، وقد زادت الهجمات الدموية في باريس وبروكسل مما يعرف بالرهاب من الأجانب، إلى جانب الجدل الحاد في ألمانيا بسبب سياسات المستشارة ميركل تجاه اللاجئين، وبروز تيارات شعبوية تناهض الأجانب وتحفز النزعة العنصرية وتدعو إلى الانغلاق.. التكهنات حول التدخل العسكري تستند على تلك المبررات، خاصة من لاجئي البحر ضمن الأولويات التي ينبغي التصدي لها، وهناك حديث لا ينقطع عن تهديدات داعش (الليبية) لأوروبا بعد تلقيها ضربات في سوريا والعراق، فهي تحاول أن تجد موطئ قدم لها في ليبيا في ظل فوضى تسمح بتدفق المحاربين من مختلف الدول، خاصة من جنوب الصحراء حيث تنشط جماعة بوكو حرام التي يتردد أنها تنسق مع داعش في ليبيا للقيام بعلميات مشتركة.
وتوقع وزير الخارجية البريطاني أن يزداد التنسيق بين التنظيمين إذا استطاعت داعش ترسيخ أقدامها في ليبيا ما يعني إخطاراً تتهدد الساحل الأوروبي المقابل.
وتبدو نيجيريا عازمة على ملاحقة بوكو حرام، وقد طلبت مؤخرا من واشنطن طائرات هجومية من أجل ذلك، ولا يستبعد أن تمتد المطاردات حتى ليبيا، ويومها يكون تكرار المشهد السوري في ليبيا أكثر وضوحا.. جيوش غربية وإقليمية ومليشيات في الساحة.. وقد لا يتوفر لحكومة السراج مجرد الوقت لطلب التدخل لأن التدخل يكون قد حدث بالفعل، مع ظهور تحالفات جديدة، بحيث نرى أعداء الأمس في خندق واحد ضد هذا الطرف أو ذاك، وأمامنا صحراء مفتوحة في الجنوب على كل ما هو معلوم ومجهول، مع ثغرات من شأنها تأجيج نيران الحرب أو الحروب في هذه الدولة التي يصعب التكهن بمستقبلها، لكن يسهل رؤية أنقاضها، فنحن في منطقة موبوءة بصور القتل والسحل والدمار، لهذا لا يصعب تبين ملامح مأساة كارثية نخشى أن نكون قد تعودنا على مشاهدها التي لا تنتهي.
copy short url   نسخ
23/05/2016
1170