+ A
A -
أعرب المشاركون في أعمال مؤتمر «العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة»، الذي اختتم أعماله أمس، ونظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مدى يومين في الدوحة، عن دهشتهم من الموقف الصيني غير الحاسم إزاء أزمات منطقة الشرق الأوسط، وبات الصينيون، حائرين بين الحفاظ على مصالحهم في منطقة الشرق الأوسط، وبين ألا يغضبوا الولايات المتحدة الأميركية، فيما رأى بعض الباحثين، أن توجهات بكين إزاء إسرائيل تبدلت منذ تسعينيات القرن الماضي، بسبب الانفتاح العربي على تل أبيب، وبما يجعل هذه العلاقات العربية الصينية في الميزان، من أجل إعادة النظر إليها وتقييمها في ضوء الواقع. وقد تناولت الأوراق البحثية المقدمة في جلسات اليوم الثاني والأخير المواقف الصينية من الثورات العربية، وكذلك الصراع العربي- الإسرائيلي؛ حيث أبرز الباحث محمود محارب الموقف المساند لحقوق الشعب الفلسطيني الذي التزمته الصين منذ اغتصاب الأرض الفلسطينية وإنشاء الكيان الصهيوني الذي ناصبته الصين العداء، لأن القيادة الصينية الشيوعية حينها رأت فيه تجسيداً «للإمبريالية» في المنطقة.
وظلت الصين تقاطع الكيان الصهيوني لعقود قبل أن تبدأ في التعامل الدبلوماسي معه في عام 1992، وتطورت بعدها العلاقة بين الطرفين بشكل مطرد في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية، وتزايدت المبادلات التجارية بينهما لتصل في عام 2015 إلى 10 مليارات دولار. وقد سعت إسرائيل إلى تغيير مواقف الصين منها ومن حقوق الشعب الفلسطيني عبر تسويق مفاهيم في مقدمتها- ولا سيما منذ بدء الثورات العربية- أنّ إسرائيل دولة مستقرة لا تتعرض لثورات تُهدد استقرارها، وأنّ لديها القوة الكامنة للمساهمة في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وأنها دولة متطورة اقتصادياً وصناعياً، وخصوصاً في التكنولوجيا المتطورة، سواء المرتبطة منها بالصناعات السلمية أو بالصناعات الأمنية- العسكرية، وأنها تحظى بعلاقات متينة ومتميزة مع الولايات المتحدة الأميركية.
ورأى الصحفي عزت شحرور أن موقف الرأي العام الصيني من القضية الفلسطينية ومن الصراع العربي- الإسرائيلي قد شهد تحولاً في السنوات القريبة الماضية.
وقدّم شهادةً عن تجربته الشخصية وهو المقيم في الصين منذ ثلاثة عقود، في معايشته ومراقبته لتحولات الرأي العامّ الصيني تجاه العرب والصراع العربي– الإسرائيلي.
واهتمّ شحرور بانعكاس التطور في العلاقات الصينية- الإسرائيلية على موقف النخب الأكاديمية والثقافية الصينية وشريحة واسعة من الشباب. ويظهر ذلك التحول، على نحوٍ واضح، في وسائل الإعلام الرسمية الصينية ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ففي وقت تنشط فيه حملات المقاطعة لإسرائيل، اقتصادياً وأكاديمياً وثقافياً وعسكرياً، في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، نجد النقيض في الصين، من جهة قوة العلاقات والتأييد والإعجاب بالنموذج الإسرائيلي، وارتباط ذلك بموجة من العداء للمسلمين والعرب وأسلوب خارج عن اللياقة والأخلاق، بل إنّ الأمر يصل إلى استخدام عبارات عنصرية ضدّ الفلسطينيين حتى في اعتداءات إسرائيل عليهم.
في المقابل قدم الباحث وكيل كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الدولية في بكين، منصور هويوشانغ، ورقةً بحثيةً من منظور صيني بعنوان «دور الصين في عملية السلام في الشرق الأوسط في ظل مبادرة الحزام والطريق».
وقدّم هويوشانغ عرضاً تاريخياً لعلاقة الصين بالصراع العربي- الإسرائيلي. وبيّن الباحث أنّ الحكومة الصينية تُعوّل في التعاون العربي الصيني على قضايا اقتصادية وتجارية تتركّز في تطوير فكرة مبادرة الحزام والطريق.
وبحسب رأيه، بما أنّ الصين طرفٌ مهمّ في المجتمع الدولي، فإنّ مشاركتها في إدارة الشؤون العالمية ومن ضمنها الصراع العرب – الإسرائيلي أصبحت معياراً لتصف دول العالم الصينَ بأنها «قوة مسؤولة».
ورأى أن الصين مرشحة لأداء دور الوسيط في الصراع العربي الإسرائيلي، لأنها طرف محايد، وليست لها نزاعات مع أيّ طرف من الأطراف.
وقد ضمت الجلسة التي خصصت لمناقشة موقف الصين من الثورات العربية باحثين صينيين حصراً، فقد قدّم الباحث جن ليانغ شيانغ المداخلة الأولى بعنوان: «السياسة الصينية تجاه العالم العربي في سياق إقليمي متغير»، أوضح فيها أن دول المنطقة تؤاخذ الصين على أنها تسعى لتحقيق الربح التجاري فحسب في علاقاتها معها، كما تشعر هذه الدول بالإحباط، لأنّ الصين غير قادرة على موازنة الهيمنة الأميركية في المنطقة.
في المقابل، يؤكد الباحث أنّ الصين اضطلعت بدور مسؤول وبنَّاء في المنطقة خلال العقد الأخير؛ فقد كانت مساهماً اقتصادياً ووسيطاً يتفادى لفْت الأنظار.
وفي المستقبل ستتّسم سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط بالثبات والتنمية في آنٍ واحد، ومن المؤكد أنّ الصين ستعزز علاقاتها بدول المنطقة ولن تقتصر في ذلك على الطاقة، وأنّها ستعزز أيضاً علاقاتها بدول المنطقة بطريقة أكثر شموليةً، خلافاً للقوى العظمى الأخرى.
أمّا الباحثة أي وي جنيفير شانغ، فجاءت مداخلتها بعنوان «السياسة الصينية إزاء الصراع في سوريا»، وقالت إنّ الصراع في سوريا يعدّ أحد التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجه الصين اليوم في وقتٍ توسّع فيه نشاطها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط والمسرح الدولي، وهي تتبوأ موقعاً فريداً يخوّلها الإعلان عن سياساتها وأهدافها في ما يتعلق بالصراع السوري، كما ناقشت الباحثة تطور السلوكيات السياسية الصينية بشأن الصراع في سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية، وسلّطت الضوء على حسابات بكين الكامنة وراء تصويتها على قرارات مجلس الأمن بشأن سوريا وإدارتها علاقاتها بالقوى الأساسية الأخرى، والمبادرات الدبلوماسية التي قد تحقق تسويةً سياسيةً.
كما استعرض المشاركون في الجلسة الرابعة، بعض نماذج العلاقات العربية- الصينية، وقدّرت الباحثة ابتسام عبد ياس أن السياسة الصينية تجاه العراق بعد الاحتلال الأميركي له، عام 2003، أخذت طابعاً متّصفاً بمعايشة الوضع العراقي، والدعوة إلى الجنوح للسّلم وتغليب الحلّ السياسي واتخاذ إجراءات سياسية تلائم هذه المرحلةَ المملوءة بالتقلّبات.
وخلصت الباحثة إلى أن تحليل السلوك الصيني، يبين أنها غير مستعدّة للتخلّي عن علاقاتها بالولايا ت المتحدة الأميركية والدول الغربية، ولكنها تحاول القيام بدورٍ محدود ومعارض للهيمنة الأميركية.
من جانبه، يؤكد الباحث محمود زكريا إبراهيم في تحليله العلاقات المصرية–الصينية منذ انتهاء الحرب البادرة أنّ العلاقات بين البلدين حظيت بقدر كبير من الاستمرارية والثبات، منذ نشأتها في منتصف العقد الخامس من القرن العشرين. وعلى الرغم من تغيّر الأوضاع الدولية والإقليمية منذ انتهاء الحرب الباردة، فإنّ العلاقات المصرية– الصينية اتسمت بالتطور الإيجابي والازدهار في جميع المستويات.
وقدمت الباحثة أسماء بن مشيرح ورقة بعنوان «استراتيجيات التغلغل الصيني في الجزائر: دراسة في الآليات والرهانات المستقبلية». أوضحت فيها أن الصين بدأت في منافسة الولايات المتحدة الأميركية والدول الكبرى في الأقاليم ذات الأهمية الاستراتيجية، كإفريقيا عموماً، والجزائر بصفة خاصة، مستخدمة قوتها الناعمة.
وحللت الباحثة توسع الوجود الصيني في الجزائر عبر قوتها الناعمة بالحضور في مشاريع اقتصادية كبرى في البنية التحتية.
copy short url   نسخ
23/05/2016
2947