+ A
A -
بدو أن الصراع بين اليابان والصين لم يعد مقتصراً على جزر في بحر الصين الشرقي، أو الزعامة على قارة آسيا، أو حتى تجاوز مرارات الماضي، فقد تمدَّدت المواجهة بين الطرفين للقارة الإفريقية، فقد اتهمت الصين اليابان بأنها تريد أن توقع بينها وإفريقيا، بعد مؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية الإفريقية في العاصمة الكينية نيروبي.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ، إن اليابان أرادت أن توقع بينها والدول الإفريقية. وأضافت يينغ في تصريحات صحفية، أن السلطات اليابانية سعت لاستغلال تنظميها مؤتمرا للتنمية في إفريقيا لخدمة أجندتها السياسية والحصول على الدعم الإفريقي لها فيما يتعلق بإصلاح مجلس الأمن الدولي وقضايا الأمن البحري.
دعائم قوية
تمكنت بكين خلال العقود الأربعة الماضية، من إرساء دعائم قوية لوجودها في القارة السوداء، وقد وصل الأمر إلى أن الصين باتت الشريك التجاري الأول لإفريقيا. وفي المجال السياسي تمكنت الصين من الحصول على دعم إفريقيا في الأمم المتحدة.
ومع وصول شينزو آبى المحافظ إلى سدة الحكم في اليابان، بدأت طوكيو في اتخاذ سلسلة من الخطوات التي تزعج بكين، وآخرها التزام اليابان باستثمار نحو ثلاثين مليار دولار في إفريقيا خلال السنوات الثلاث المقبلة، بينها عشرة مليارات في البنى التحتية، وذلك خلال مؤتمر طوكيو الدولي لتنمية إفريقيا «تيكاد».
وتغطي الاتفاقات الموقعة بين شركات إفريقية وأخرى يابانية قطاعات عدة مثل الطاقة والغذاء والبنى التحتية والصحة، وأيضا بعض الأمور المالية والأمنية، وقد وقعت في إطار مؤتمر طوكيو الدولي لتنمية إفريقيا (تيكاد) الذي يُعقد للمرة الأولى على أرض إفريقية وليس في اليابان، كما جرت العادة منذ تأسيسه عام 1993م.
تقول الباحثة في مبادرة تنمية إفريقيا بمعهد بروكينز الأميركي ترى يون سون، إن للصين رؤية سلبية للاهتمام الياباني بإفريقيا، وهو ما ظهر في اتهامات الخارجية الصينية. وتُرجع سون هذه الاتهامات إلى قلق بكين من محاولة طوكيو توسيع نفوذها السياسي والعسكري في إفريقيا نتيجة لتنامي مصالحها الاقتصادية والدبلوماسية خاصة بعد سعيها صراحة للحصول على دعم إفريقيا لإصلاح مجلس الأمن الدولي بشكل يتضمن مقعدا دائما لليابان، فضلاً عن دعمها في نزاعها مع بكين في بحر الصين. وتلفت سون إلى أن «دبلوماسية الموارد» التي تتبعها اليابان تركز بشكل أساسي على الدول التي تمتلك موارد طبيعية، بجانب البلدان التي من الممكن أن تشكل أسواقا محتملة للاستثمارات اليابانية، وتضيف: «تتطلع اليابان للحصول على الطاقة والموارد الطبيعية من إفريقيا، خاصة مع اتجاهها لإغلاق المفاعلات النووية بعد كارثة مفاعل فوكوشيما في العام 2011».
بينما تقول الصحفية الأميركية المختصة في الشأن الصيني شانون تيززي، إنه ليس هناك تنافس بين بكين وطوكيو، فالبلدان يؤديان أدوارا مختلفة رغم أنهما يسعيان للاستفادة من الموارد الطبيعية والاستثمار في واحدة من أسرع الأسواق نموّاً في العالم.
وتشير تيززي إلى أن علاقات اليابان تبدو أنها كشراكة اقتصادية مدفوعة من الشركات اليابانية، بينما تبدو العلاقات بين الصين وإفريقيا أكبر من مجرد شراكة اقتصادية حيث تتضمن دعما سياسيا ودبلوماسيا، وهو ما يبدو أن اليابان لن تجرؤ على تقديمه.
فيما يقول الصحفي التنزاني الياس مهاقيرا، إن اليابان تسعى لمنافسة الصين في إفريقيا، ويشير مهاقيرا إلى أن إفريقيا ترحب بكل من يقوم بمساعدتها لا سيما في مجال التصنيع والتحول من تصدير المواد الأولية إلى زيادة صادرات المواد ذات القيمة المضافة. ويلفت مهاقيرا إلى أن غالبية الصادرات الإفريقية الحالية هي مواد أولية، الأمر الذي يجعل اقتصاد القارة ضعيفا وهشا أمام تقلبات أسعار السوق لا سيما أن النفط يشكل 50 % من هذه الصادرات.
وتعتبر إفريقيا أكبر مصدر للموارد الطبيعية والمعادن التي لم يتم استغلالها بعد، ومن المرجح أن تنتج المناطق الكبيرة غير المكتشفة الفحم والنفط والغاز، ولديها الاحتياطي الأكبر من الأرض الزراعية غير المطورة، كما أنها تحظى بالنمو الذي لا تقدم اليابان إلا قليلاً من إمداده، فقد ظلت الشركات اليابانية بعد عقدين من الركود الاقتصادي مترددة في الاندفاع إلى الأسواق الخارجية.
جدل الجودة
تسعى اليابان التي ظلت بعيدة لفترة طويلة عن الأسواق الإفريقية دخول القارة الإفريقية من خلال بوابة الاقتصاد مع تمييز نفسها عن جارتها الصين التي سبقتها عبر هذه البوابة. وتشدد اليابان على «نوعية» الخدمات التي تقدمها في إشارة ضمنية إلى الصين التي تقترح مشاريع ضخمة في حين تؤكد طوكيو أنها تقدم نوعية أفضل، ووصلت المبادلات التجارية بين اليابان وإفريقيا إلى 24 مليار دولار عام 2015 أي أقل بكثير من المبادلات مع الصين التي تصل إلى 179 مليار دولار.
يقول الخبير في العلاقات الصينية الإفريقية، وانغ زيفي، إن اليابان لا تستطيع أن تنافس الصين في الدعم الذي تقدمه في إفريقيا سواء على مستوى الكم أو الجودة. ويسخر زيفي من تشكيك طوكيو في جودة الخدمات والمنتجات لمقدمة، ويلفت إلى أن إفريقيا بحاجة لمشاريع بنية تحتية أكثر من المنتجات، ويقول: «لم نسمع من قبل بأن اليابان قامت بإنشاء خط سكة حديد رغم أنها متقدمة في هذا المجال»، ويزيد: «اليابان المتقدمة في صناعات السيارات تُغرق إفريقيا بالسيارات المستعملة التي تصلح لوصفها بالنفايات».ويشير زيفي إلى أن اليابان إنْ كانت جادة في دعم إفريقيا لتحقيق تنمية مستدامة فعليها العمل في مشاريع البنية التحتية والطاقة، مشيرا إلى أن الصين في المقابل قامت ببناء أكثر من 5600 كلم من السكك الحديدية، و5 آلاف كلم من الطرق السريعة، و17 من مرافق الطيران و68 محطات الكهرباء وأكثر من 200 مدرسة، مع المزيد من المساعدات والتمويل لاتزال على الطريق، هذا فضلا عن مشاريع الاتصالات وتقنية المعلومات التي ساهمت في ولوج 500 مليون إفريقي لعصر المعلومات.
ويشدد زيلفي في معرض دفاعه عن المشاريع الصينية في إفريقيا، إلى أنها تم تنفيذها بشكل يراعي أعلى أشكال الجودة، ويدلل على حديثه بالإشارة إلى خط سكة حديد مومباسا نيروبي بكينيا الذي سيتم تدشينه نهاية العام ويقول: «تم تصميم هذا الخط بشكل يسمح للزرافات بالمرور دون أن تكون مضطرة للانحناء».تقول سون إن على الصين أن تفكر في كيفية تطوير مساعداتها لإفريقيا بدلا عن توجيه الاتهامات للآخرين.
فرص وتحديات
لقد أصبحت اليابان- وهي تمارس أكثر أنواع القوة الناعمة نعومةً - أحد أكبر المانحين لإفريقيا، بيد أنها الأقل وضوحاً بين المانحين.يقول شيهوكو جوتو الذي يعمل خبيراً في شؤون طوكيو الدولية بمركز ويلسون: «لقد كان العون الياباني لإفريقيا حتى وقتٍ قريب يمثل جهداً خيرياً أكثر من كونه شيئاً استراتيجياً، ولكن بالنظر إلى التحدي الذي تشكله الصين في مواجهة اليابان فإني أعتقد أن اليابان باتت تشعر بالحاجة لا لتقديم المساعدات على الأرض فحسب، بل لأن تصبح تلك المساعدات أكثر وضوحاً للعيان».
copy short url   نسخ
30/09/2016
1984