+ A
A -
عمان– الوطن– رانيا الهندي
عندما يتم الحديث عن مثلث التعليم في العالم العربي فإن ضلعين يتشكلان من الجامعات والمنتج (مناهج التدريس) والضلع الثالث هو الطالب، لكن عندما يتعلق الأمر بالإنفاق على التعليم والاهتمام بالمهارات التعليمية العليا فإن نقص آليات التمويل الموجهة لهذه الغاية يبقي هذا المثلث مشوها. ويعد التمويل والإنفاق على التعليم من أهم عوامل دعم الدول وتنميتها ليس من أجل الحصول على مجرد عائد مالي فقط، وإنما لضمان تنمية الأفراد والمجتمع ككل، من خلال إعداد الشباب للحياة في المجتمع، واكتساب المهارات التي يتطلبها النشاط الاقتصادي، وتدريب الناس على تحمل المسؤولية، وفي الوقت نفسه إشباع حاجات الأفراد بتوفير أعلى مستوى ممكن من التعليم.
ورغم أهمية الإنفاق على التعليم بالنسبة للمجتمعات العربية، إلا أن زيادة الإنفاق وتعزيز مصادر التمويل يعتبر- بحسب مراقبين- حلقة في دائرة متكاملة بدايتها وجود منتج عالي الجودة وتوفير بنية أساسية جديدة للمدارس وليس نهايتها الارتقاء بالتعليم لمستويات الدول المتقدمة.
وتحتل الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الأولى عالميا في حجم الإنفاق على التعليم الذي يصل إلى 809.6 مليار دولار سنويا، تليها اليابان بإجمالي إنفاق يصل إلى 160.5 مليار دولار.
أما في الدول العربية فإن نسبة الإنفاق على التعليم تتفاوت من دولة لأخرى، حيث تتراوح هذه النسبة ما بين 2-7 % من الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول، فيما يصل معدل الإنفاق على التعليم بالدول الصناعية المتقدمة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عموما ما بين 5-6 %، ويبلغ نصيبها في الإجمالي حوالي 90 % من مجمل الإنفاق على التعليم بالعالم.. أما في الدول النامية، فإنها تقع في المتوسط تحت مستوى 4 % كنسبة من الناتج للإنفاق على التعليم.
ثلاثة عناصر
ويلفت الأكاديمي، فيصل التايه، إلى أن التعليم خدمة أو عملية إنتاج منتج غير ملموس يتمثل في اكتساب المعرفة، موضحا أنه ولكي تستكمل هذه العملية فلابد من توافر عناصر ثلاث هي، توافر أرض وأثاث وقوى بشرية وأوراق وكتب (العنصر الأول)، ويمكن التعبير عن الموارد المادية والبشرية اللازمة للتعليم بمصطلحات مالية، (العنصر الثاني) ثم ينطلق مفهوم الكلفة إذ إن وحدات المنتج هي المدارس، ومواردها المالية هي ما تخصصه الدولة والسلطات المحلية وأولياء الأمور والقطاع الخاص، ويتم الصرف على إنتاج الخدمة التي تتمثل في تقديم التعليم (العنصر الثالث).
ويشير التايه إلى وجود فجوة كبيرة بين الأنظمة التعليمية العربية، وما تحتاجه المنطقة في عملية التنمية الاقتصادية، لافتا إلى أن الدول العربية خصصت نحو 5 % فقط من إجمالي الناتج المحلي، و20 % من إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم خلال الأربعين سنة الماضية.
مهارات الإبداع
ويضيف التايه أن التعليم العالي في معظم الدول العربية لم يهتم ببناء مهارات التفكير والإبداع التي تسعى إلى تحفيز عقل المتلقي (الطلاب)، فبات نظاما تقليديا عقيما قلما ينتج عنه مبدعون ومخترعون عرب، مشيرا إلى أن مخصصات البحث العلمي في الدول المتقدمة تتضاعف كل ثلاث سنوات، إذ تتجاوز نسبة مخصصات البحث العلمي في بعض الدول المتقدمة 4 من إجمالي الناتج القومي.
التعليم والأمن
من جانبه، يرى الناشط في مجال النشر لمصادر التعليم الالكتروني، طلعت الليثي، أن قطاع التعليم على مستوى العالم يمر بمرحلة تتباين فيها الاهتمامات وتختلف في درجة أولوياتها من دولة إلى أخرى فمثلا منطقة الشرق الأوسط يأتي قطاع الأمن من أكثر القطاعات إنفاقا مما جعل التعليم يتأخر قليلا في الترتيب الثالث من حيث الإنفاق فيأتي الأمن أولا ثم الغذاء ثم التعليم فالصحة ويختلف هذه الترتيب في درجة الأولوية طبقا لتوجهات القيادة السياسية والحكومات في تلك الدول.
ويشير الليثي وهو معلم أول بوزارة التربية والتعليم المصرية، إلى أن الحكومات واجهت تحديات كثيرة في تلبية احتياجات العمل لديها من الأفراد المؤهلين علميا وتعليميا، كتغير توجهات وأهداف الحكومات المتعاقبة في تلك الدول مما أدى إلى تأرجح مستويات التخطيط الكمي والكيفي للنهوض بالتعليم
كما أضحت الزيادة السكانية- بحسب الليثي- تحديا كبيرا يجعل الحكومات تنفق أموالا طائلة في بناء المدارس إذا توفر التمويل لتحلق لاهثة بركب الزيادة المفرطة في عدد الطلاب ويكون هذا خصما بالسلب من الكيف أي الإنفاق على تطوير المناهج وتدريب المعلمين فأصبح التفوق النوعي في تخصصات تعليمية في تلك الدول مفقودا إن لم يكن نادرا.
ويلفت الليثي إلى أن بعض الدول العربية تنفق الأموال الطائلة في بناء المدارس والجامعات المحلية والدولية وهي تهدف من هذا إلى تجويد التعليم من خلال مدخلات متميزة كما وكيفا ولكن المفارقة الصارخة في النظام التعليمي لتلك الدول أن قطاع الأعمال فيها يستهلك عمالة أجنبية زائدة مما أدى إلى فقدان المصداقية في هذا القطاع.
أما التحدي الأخير، وفقا لليثي، فهو عدم وجود مراكز بحثية متخصصة تمنح الشباب فرصا لتطبيق أبحاثهم على أرض الواقع طبقا لاحتياجات السوق وتطلعات المستقبل فالمجتمع تشيع فيه ثقافة الاستهلاك لكل ما هو حديث وجديد.
ووفقا لهذه المعطيات يتساءل الليثي قائلا لمَ نبحث ونصنع ونتميز عن غيرنا ونحن نستطيع أن نشترى كل هذا بالمال؟! ويأتي إلينا المهندسون والمبدعون والخبراء من شتى أصقاع المعمورة لتقديم خدماتهم مقابل الحصول على المال ونحن نعطيهم هذا مقابل تلك الخدمات إذا ما الدافعية التي تدفع هذا الشباب للبحث عن فرص التعليم المتميز؟! الرغبة في الترقي الاجتماعي أم الرغبة في تغيير المجتمع إلى الأفضل؟ أعتقد أن الرغبة الأولى هي الشائعة الآن ولكن إلى متى يستمر التعليم ترفا وليس طرفا في معادلة القوة الناعمة لتلك الدول؟
الطابع النظري
ويشدد الخبير التربوي العراقي، محمد الخزاعي، على أهمية زيادة الإنفاق على التعليم في الدول العربية، مشيرا إلى تدني نوعية التعليم العربي الذي غلب عليه الطابع النظري التقليدي حيث لم يزل يهتم بالكم لا بالنوعية، مما ألحق- وفقا للخزاعي- ضعفا في كفاءة النظام التعليمي المبني على استراتيجية تذكر المعرفة لا إنتاجها.
وينوه الخزاعي– الذي أمضى أكثر من عشرين عاما في التدريس في العراق وخارجه- إلى أن أحد أسباب ضعف النمو الاقتصادي في الدول هو تراجع وضعف مستويات التعليم، مؤكدا وجود قصور عربي في البحث العلمي والإنفاق عليه، لافتا إلى وجود العديد من العوامل التي تؤثر في الإنفاق التعليمي منها العوامل الخارجية كمستوى الناتج المحلي الإجمالي، ومستوى المعيشة ومستوى التكنولوجيا العامة إلى جانب التوزيع العمري للسكان.
أما العوامل الداخلية، بحسب الخزاعي، فتشمل مستوى رواتب وأجور المعلمين والتربويين، التوزيع العمري لهيئات التدريس، ومستوى التكنولوجيا التعليمية.
في دراسة أعدها الباحث عبدالحليم فضل الله حول «كلفة التعليم العالي وفعاليته التنموية في لبنان: دراسة مقارنة من منظور اقتصاد المعرفة» أشار فيها إلى أن «بؤرة المشكلة في قطاع التعليم العالي، هي من ناحية، في النمو السريع للكلفة دون زيادة موازية في نواتج التعليم وعوائده، ومن ناحية ثانية في صعوبة توظيف هذه النواتج إن وجدت داخل الدورة الاقتصادية. فأهداف النمو والتنمية لا ترتبط بتراكم رأس المال البشري فحسب، بل تعتمد كذلك على استمرار تدفقه بمواصفات جيدة، وتمكن المجتمع وقطاعات الاقتصاد بالتالي من استخدامه والاستفادة منه كما ينبغي».
ويخلص التربويون الثلاث، إلى أن قوة الدول في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تركز على الجودة العالية التي يتمتع بها النظام التعليمي فيها، لافتين إلى أن معظم الدول العربية بحاجة إلى إصلاح أنظمتها التعليمية واتخاذ الإجراءات الفاعلة لتحسين مستويات المخرجات التعليمية إلى سوق العمل، بزيادة الإنفاق وتحسين التقنيات التعليمية.
copy short url   نسخ
21/09/2016
9932