+ A
A -
أثيرت مؤخراً داخل الأوساط السياسية المغربية ظاهرة «اللجان الإلكترونية» وتبادلت الأحزاب السياسية بمختلف أيدلوجياتها الاتهامات بتجييش اللجان الإلكترونية لتشويه السياسيين والقيادات الحزبية عبر شبكات التواصل الاجتماعي «فيسبوك وتويتر وانستغرام»، وهي الشبكات التي تحظى بتواجد جماهيري كبير داخل المغرب، حيث أكدت إحصائيات صادرة مؤخرا عن وزارة الاتصال المغربية «الإعلام» أن عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب بلغ عشرة ملايين مواطن يوميا – ربع سكان المغرب تقريبا-، وهو ما جعل شبكات التواصل الاجتماعي فضاء مهما جدا للتلاقي مع الجماهير وبث الدعاية «سلبية أو إيجابية» بشكل فعال بين الجماهير، وجعل الأحزاب السياسية تحسب لها ألف حساب وتقرر استغلالها للوصول إلى الجماهير.

يرى مراقبون أن استغلال شبكات التواصل الاجتماعي من جانب الأحزاب والسياسيين والمرشحين للانتخابات البرلمانية المقرر عقدها يوم السابع من أكتوبر المقبل بطريقة عشوائية كالتي بدت خلال العامين الماضي والجاري، تضر بالعملية الديمقراطية وأدت إلى انتكاسات كبيرة في الحياة السياسية، وباتت تهدد العملية الديمقراطية في المغرب، نتيجة صعود أشخاص غير مؤهلين إلى مناصب حساسة تتطلب خبرة وعلماً، كانت كل مؤهلاتهم أنهم أجادوا استخدام التكنولوجيا واستغلوا اللجان الإلكترونية للوصول إلى الجماهير، ومن ثم الوصول إلى المنصب، خلال الانتخابات النقابية والانتخابات الجماعية والجهوية – المحليات- في سبتمبر 2015، وانتخابات مجلس المستشارين في أكتوبر من نفس العام، ومازالت اللجان الإلكترونية تمارس عملها تحت أمر من يدفع المقابل من المرشحين للانتخابات البرلمانية المقبلة.
تجمعات جماهيرية كبيرة
يقول المهدي بن أيوب، أستاذ الاتصال والتواصل لـ الوطن: ظهرت اللجان الإلكترونية نهاية عام 2014 وسريعا ما أصبحت ظاهرة نتيجة الإقبال الجماهيري الكبير على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة «الفيسبوك» الذي يرتاده يوميا حوالي ثمانية ملايين مستخدم مغربي، بنسبة 80 في المائة من إجمالي عدد المستخدمين لخدمة الإنترنت في المغرب يوميا، منهم نسبة 60 في المائة من سكان مدينة الدار البيضاء و20 في المائة من العاصمة الرباط، وهذا يعني أن شبكة الفيسبوك تجمع جماهيري مهم جدا، مما دفع المؤسسات الباحثة عن الجماهير لاستهدافها بالدعاية والإعلان إلى ابتكار سبل للتواصل مع هذه الجماهير وكانت أول وأهم السبل هي تكوين لجان مدربة للتواصل بشكل فعال مع الجماهير وتوصيل الرسالة الدعائية إليهم، وسريعاً ما كون أشخاص مستقلون لجانا إلكترونية خاصة بهم، خاصة أن هذه اللجان يعمل أغلب أعضائها من المنازل ومن دول مختلفة دون التقيد بإنشاء مقر وزيادة النفقات، وتزايدت اللجان الإلكترونية وأصبح لكل لجنة عشرات الصفحات والمجموعات على شبكة الفيسبوك يرتادها عشرات ومئات الآلاف يومياً، وتوسعت الظاهرة وتطورت خاصة مع بداية المنافسات بين الأحزاب والمرشحين خلال الانتخابات المحلية في سبتمبر 2015.
ويضيف: أصبحت اللجان المحترفة تتفنن في استقطاب الجماهير عن طريق إنشاء صفحات ومجموعات متخصصة في شؤون «المرأة والطبخ والتجميل والصحة والكوميديا والسياسة والرياضة»، وغيرها من التخصصات والأقسام لاستقطاب الجماهير وإعدادهم لتلقي الرسائل الدعائية بمختلف أنواعها بين الحين والآخر، حتى أن كانت سياسية ولا تتماشى مع اهتمامات رواد الصفحة أو المجموعة، وأصبحت هذه اللجان تجني أموالا طائلة كل بحسب درجة تأثيره، واتجهت شركات الدعاية والإعلان لاستغلال هذه اللجان المتخصصة لنشر دعايتها بعد أن فشلت أغلبها في تأسيس لجان خاصة بها، كذلك الأحزاب السياسية والمرشحون في الانتخابات المختلفة، ومع تزايد عدد اللجان واشتداد المنافسة بينهم أصبحت هذه اللجان لا تراجع مضمون الرسائل الدعائية التي تبثها ولا تلتزم بأي أخلاقيات أو أدبيات، وأصبحت المادة هي الأهم، وبالتالي اشتعلت حروب التشويه والنيل من الشخصيات السياسية والفنية والأدبية وأي أحد أراد منافسه تشويهه أمام الرأي العام مادام يملك المال الكافي لتجييش اللجان الإلكترونية لخدمة أغراضه.
جذب الجماهير
يشير يوسف الإدريسي، مدير لجنة إلكترونية خاصة، إلى أن تكوين لجنة إلكترونية أمر في غاية السهولة، حيث يتم اختيار أشخاص نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك، لكونها الشبكة الأكثر فاعلية في المغرب، ويتم الاتفاق معهم على إدارة الصفحة والمجموعة كمتعاونين، ثم يتم تقسيمهم إلى مجموعات تعمل خلال الأربع وعشرين ساعة، والاتفاق معهم بصفة على السياسات العامة للنشر ويترك لكل عضو في اللجنة حرية توصيل المعنى بطريقته على حسب ثقافته وبحسب جنسيته، وتشمل مهمة مدير الصفحة أو المجموعة عملية جذب الجماهير وتنشيطهم عن طريق نشر محتوى يتماشى مع اهتمامات الرواد، أما المادة الدعائية التي ننشرها فتكون مهمة الأدمن الرئيسي «المدير العام للصفحة أو المجموعة»، ويتم صياغتها وتكييفها حسب سياسة الصفحة ليتفاعل الجمهور معها.
القانون عاجز
يشير بدر العلوي، عضو الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة «المعارض»، أن أحزابا كثيرة وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية «حزب الحكومة» أسسوا لجانا إلكترونية داخل مقرات الأحزاب لاستقطاب الجماهير ومهاجمة الأحزاب الأخرى، حتى القيادات بالأحزاب أسسوا لأنفسهم لجانا خاصة لنفس السبب، وامتد الأمر لرجال الأعمال والشخصيات العامة والفنانين، وأصبحت شبكة الفيسبوك ساحة حرب بين أغلب المتنافسين في شتى المجالات ومن يجيد اللعبة ينجح، وكلما زاد عدد المتابعين لصفحات ومجموعات الحزب زادت جماهيريته وامتدت شعبيته، لذلك أصبح الفيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي عموما مصدر قلق للجميع والكل يحسب لها حسابا، لكون أغلب الرسائل الدعائية التي تبث خلاله مجهولة المصدر ولا يمكن تحديد الجهة الباثة لها، كما أن اللجان الإلكترونية غير خاضعة لقوانين أو معايير.
ويؤكد ليث بن عبدالله الفقيه المحامي، أن القانون في المغرب مازال عاجزا أمام ظاهرة اللجان الإلكترونية بسبب تسارع التطور التكنولوجي وتلاحق ظهور التقنيات المختلفة، وانتشارها بشكل سريع، كما أن القائمين على اللجان الإلكترونية استطاعوا التلاعب بالقانون والتخفي عن الملاحقة بكل سهولة، الأمر الذي أدى إلى انتشار اللجان الإلكترونية ولجوء المتنافسين والمتصارعين في مختلف المجالات إليها خاصة لو كانت الرسالة الدعائية تحمل سبا وقذفا ونيلا من السمعة والخوض في الحياة الشخصية للمسؤولين، ولدينا في المحاكم المغربية مئات القضايا يوميا بهذا الخصوص وجميعها تقريبا ينتهي إلى لا شيء، أما لعدم التوصل إلى مدير الصفحة أو المجموعة أو بسبب حذف المادة محل الدعوى، أو بسبب انتشار الخبر أو الموضوع بشكل كبير بما يصعب معه تحديد المصدر، وغيرها من الأمور التي وقف أمامها المشرع عاجزا وحيرت القضاة.
copy short url   نسخ
29/08/2016
5183