+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قد سبق الكلام أن الصلاة من أعظم مفاتيح السعادة وصلاة الله على رسوله رحمته له وحسن ثنائه عليه،
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فالصّلاة من العبد دعاء ومن الملائكة دعاء واستغفار، ومن الله رحمة، وبه سمّيت الصّلاة لما فيها من الدّعاء والاستغفار.
وفي الحديث: «التّحيّات لله والصّلوات..» قال أبو بكر: الصّلوات معناها التّرحّم. وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) أي يترحّمون.
وتكون الصّلاة بمعنى الدّعاء: وفي الحديث قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصلّ». قوله: فليصلّ: يعني فليدع لأرباب الطّعام بالبركة والخير. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ صلاة صلّت عليه الملائكة عشرا». وكلّ داع فهو مصلّ؛ وأمّا قولنا: اللهمّ صلّ على محمّد، فمعناه عظّمه في الدّنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمّته، وتضعيف أجره ومثوبته؛ وقيل: المعنى لمّا أمرنا الله سبحانه بالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم ولمّا نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله، اللهمّ صلّ أنت على محمّد، لأنّك أعلم بما يليق به.
وهذا الدّعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو لا؟ والصّحيح أنّه خالص له، ولا يقال لغيره.
وقال الخطّابيّ: الصّلاة الّتي بمعنى التّعظيم والتّكريم لا تقال لغيره، والّتي بمعنى الدّعاء والتّبريك تقال لغيره. ومنه: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» أي ترحّم وبارك.
أما صلاة الله والملائكة والإنس والجن: قال ابن الأعرابيّ: الصّلاة من الله رحمة، ومن المخلوقين (الملائكة والإنس والجنّ): القيام والرّكوع والسّجود والدّعاء والتّسبيح. والصّلاة من الطّير والهوامّ التّسبيح.
وقيل: أصلها في اللّغة التّعظيم، وسمّيت الصّلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرّبّ تعالى وتقديسه. وقوله في التّشهّد: «الصّلوات لله» أي الأدعية الّتي يراد بها تعظيم الله هو مستحقّها لا تليق بأحد سواه.
وقد ورد لفظ الصّلاة في القرآن على أوجه منها: بمعنى الدّعاء: (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وبمعنى الاستغفار: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ)، وبمعنى الرّحمة: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ)، وبمعنى صلاة الخوف (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ)، وبمعنى صلاة الجنازة: (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً)، وبمعنى صلاة السّفر: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ)، وبمعنى صلاة الأمم الماضية: (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)،وبمعنى كنائس اليهود: (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ) ،وبمعنى الصّلوات الخمس: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)، وبمعنى الإسلام: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) أي لا أسلم.
فالدّنيا سجن المؤمن يشعر فيها بالضّيق، إذا دخل في الصّلاة وجدها قرّة عينيه ونعيم روحه وجنّة قلبه ومستراحه في الدّنيا. والصّلاة الجامعة: كالجمعة والجماعات وغيرهما تجمع المصلّين ليقفوا على أحوال بعضهم بعضا وليتعلّموا ويتعاونوا ويتآخوا في دين الله، ومن أجل هذا شرع بناء المساجد في الإسلام، وعدّ بناؤها من أكبر القربات عند الله. والصّلاة صلة بين العبد وربّه، وتذكّر العبد بدوام مراقبته لله عزّ وجلّ فيحسن باطنه كما يحسن ظاهره.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
27/04/2020
474