+ A
A -
ربما تعيش حاليا الأكاديميات الغربية ومراكز الأبحاث والدراسات السياسية وصانع القرار الأميركي، على وجه التحديد، حالة قلق ليس خوفا من فيروس كورونا «كوفيد - 19»، بقدر الشكوك في مرحلة ما بعد هذه الأزمة، والسيناريوهات المستقبلية للنظام العالمي المرتقب، فيما إذا كان يستمر على حاله، وهيمنة قوى عظمى منفردة، وربما العودة للثنائية والتعددية، أما يدخل عصر جديد «اللاقطبية»، خاصة مع زيادة أدوار لدول إقليمية، وبروز لاعبين عالميين من غير الأنظمة الرسمية.
وقد عرفت الأدبيات السياسية الحديثة ثلاث مراحل من النظم العالمية، بدأت بالتعددية في أعقاب الحروب النابليونية، الفترة من «1815 - 1945»، وانتهت بحربين عالميتين، بعدها تقاسمت أميركا والاتحاد السوفياتي القوة والنفوذ، وفقا للثنائية القطبية من «1945 - 1991»، حتى إذا أعلن الرئيس ميخائيل غورباتشوف عن «البيريسترويكا»، انهار جدار برلين، قدمت الولايات المتحدة الأميركية نفسها للعالم كقطب أحادي، منذ عام 1991، وما زال مستمرا.. والآن، نعيش مرحلة صراع الأقوياء، وحرب تكسير العظام بين مختلف القوى في مواجهة ومقاومة وباء كورونا، وسوف يكتب المنتصرون الدستور العالمي الجديد. الوطن حاولت أن تستشرف الآفاق المستقبلية مع عدد من الدبلوماسيين، والأكاديميين، لمعرفة إلى أين يتجه العالم بعد أزمة كورونا: استمرارية الأحادية القطبية، وربما العودة لتجارب الماضي الثنائية، والتعددية، أم يبدأ مرحلة جديدة، نحو «اللاقطبية»، الذي تفلت فيه الدول من جاذبية القوى العظمى، تستطيع أن يكون لها أدوار كلاعبين إقليميين، وكذلك يكون هناك مكان للكيانات الأخرى على الساحة الدولية؟!، وفيما يلي ما قالوا :
من جانبه، أكد سعادة السفير منير غنام، سفير دولة فلسطين لدى الدوحة، أن أزمة كورونا المستجد، أو ما يعرف بـ«كوفيد - 19»، تشكل علامة فارقة في تاريخ العالم الحديث، وأنه عاجلا أم آجلا، سوف يستطيع العالم اكتشاف الدواء، والعلاج، لتنتصر البشرية على هذا الوباء، إلا أن أهم ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار، أن العالم لن يعود لما كان عليه قبل الأزمة.
مواقع القيادة
‏وقال سعادته: يمكن للمراقب لسير الأحداث وللمشاهدات استنتاج ما يمكن أن تؤول إليه الأمور، من متغيرات في موازين القوى، ظلت سائدة الفترة الماضية، موضحا أن معيار القوة في النظام العالمي اختلف الآن، أصبح يقاس بمدى القدرة على مواجهة كورونا، والانتصار عليه.
وأوضح أنه في سياق المشهد الدولي الراهن هناك مؤشرات حول ظهور الصين، ودول جنوب شرق آسيا، التي أثبتت قدرة عالية على التماسك والانضباط، وحققت نجاح خلال معركتها ضد كورونا، ثم قامت بمد يد العون لمساعدة الآخرين، ممن تعثروا في طريق المواجهة مع الوباء، الذي أصاب مفاصل الحياة فيها بالشلل تقريبا، كما تكشفت معه بعض نقاط ضعف المجتمعات الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، وهي القوة العظمى، ولكنها لم تسلم نفسها، من حالة التخبط، وعدم القدرة على مواجهة هذه الأزمة الحادة، التي أصابت بعض ولاياتها، ووقفت مستسلمة، وغير قادرة على توفير العلاج، والأمان الصحي للمواطنين، فضلا عن ذلك كشفت الأزمة، حالة الخلل، والضعف، والقصور في المؤسسات الدولية، مما جعلها تقف عاجزة، عن القيام بدورها، ولا حتى تنسيق الجهود الأممية، في مواجهة وباء كورونا.
وأشار إلى أن أزمة كورونا كشفت للجميع أن العالم كان يعيش في العقود الأخيرة، على وقع قعقعة السلاح، وأصوات المدافع، والصواريخ، والطائرات في كثير من الصراعات، التي تحصد أرواحا بشرية كثيرة، وتشرد الملايين، في دول مختلفة، موضحا أن الوباء كشف العورة الأخلاقية للدول الكبرى التي تقود وتتزعم العالم، واكتشف العالم أن أمنهم وأمانهم مع أصحاب البلاطي البيضاء، من الأطباء والعاملين في المجال الصحي والعلماء والباحثين، الذين يعكفون داخل المعامل والمختبرات الطبية، من أجل التوصل إلى العقاقير والأدوية، أكثر من حاجتهم للجيوش، والطائرات الحربية المقاتلة، والصواريخ النووية.
وأضاف أن العالم في هذه اللحظة يحتاج لمن يزرع وينتج، ويوفر له الغذاء، ويصنع له الدواء، أكثر من بحثه عن الجيوش الجرارة، وصناعات القنابل الذكية وطائرات الاغتيالات المسيرة عن بعد عبر الأقمار الصناعية.
ولفت سعادته إلى أن كورونا كسر جبروت وعنجهية بعض القوى المتغطرسة، كما انهارت هيبة الكبار أمام هذا الامتحان، وتلطخت مصداقيتهم، مما جعل العالم يفكر في أهمية إعلاء روح التعاون الإنساني، والشراكة في المصير الكوني، طالما البشرية جميعها في مركب واحد.
ونوه سعادته بأنه في ظل بحر الظلمات، حالك السواد هناك نقطة ضوء تبعث الأمل، عبر الصورة التي ظهرت عليها دولة قطر، خلال أزمة كورونا العالمية، وعلى الرغم من جغرافيتها، وديموغرافيتها، المحدودة، لكنها كانت كبيرة جدا في أخلاقياتها، وعظمة إنسانيتها، ونبل مبادئها وفعلها، وكالعادة، لم تنس الحكومة القطرية، وهي في خضم صراعها أمام هذا الوباء العنيد، وبذلها كل الجهود الممكنة، لتوفير الأمان والحماية لشعبها، ومن يعيشون فوق أرضها الطيبة، عن القيام بواجبها الأخلاقي والإنساني، ومد يد العون والمساعدة للدول الشقيقة والصديقة، التي كانت في أمس الحاجة لذلك، وفي مقدمتها دولة فلسطين، وكان أول المبادرين، حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى – حفظه الله-، بتقدم الدعم السخي للشعب الفلسسطيني الصامد، لمعاضدة جهودهم في وجه الظلم والعدوان، أو التصدي ومكافحة وباء كورونا، وهو موقف لعمري يستحق كل الشكر والثناء، فهنيئاً لقطر الخير قيادتها الحكيمة.
سلاح ترهيب
من جانبه، أكد سعادة السفير عبدالحكيم دليلي، سفير جمهورية أفغانستان الإسلامية، أنه حينما بدأ فيروس كورونا بالظهور في مدينة ووهان الصينية نهاية نوفمبر من العام الماضي، وانتشاره بسرعة في العالم، حتى لم تسلم منه أمة على سطح الكوكب الأرضي، موضحا أن هناك بعض التكهنات حول أسباب وطبيعة ظهور هذا الوباء الخطير، حتى وصل الأمر إلى القول إنه فيروس بيولوجي، جرثومي، تقف قوى عظمى وراء تخليقه، وتصنيعه في المعامل والمختبرات، لتستخدمه سلاح جديد بيدها، كأداة ترهيب، وهيمنة على العالم، والتحكم في صناعة القرار الدولي.
وقال: سواء كان انتشار كورونا بيولوجيا جروثوميا مخلقا بفعل فاعل، أو أنه عقاب إلهي للعالم والبشرية، بسبب غطرسة بعض القوى، وبعد أن ساد الظلم، وظهر الفساد في البر والبحر، وضاعت الحقوق، وغابت شمس العدالة عن الكون، ففي نهاية المطاف سوف يجد العلم علاج لهذا الوباء، ولكن الأهم الرواسب التي سوف تتركها هذه الأزمة، في كافة مناحي الحياة البشرية، وتتأثر بها الدول، والأفراد، على المدى القريب، البعيد.
منظومة الأقوياء
وأوضح أن كورونا أعاد رؤية العالم بشكل مختلف عن الماضي، وبدأت عملية إعادة ترتيب كثيرا من الأوراق ليس فقط على مستوى الأنظمة، والنظم السياسية المختلفة، بل حتى على صعيد الطبيعة نفسها، حيث بدأت تتعافى بيئة الكوكب الأرضي، بعد توقف الأنشطة الصناعية، وتعطل حركة الحياة اليومية إلى حد ما، وعزل ما يقارب من ثلاثة مليارات نسمة، داخل منازلهم، مما ساهم بتخفيض مستوى إنبعاث الغازات، وللتحسن البيئي، وانكماش ثقب الأوزون، تباطؤ الانحباس الحراري، وهذا سوف ينقذ عشرات الأنواع من الحياة البرية والبحرية، كانت مهددة بالانقراض، فضلا عن أن الاحتباس الحراري بدأ بالتباطؤ.
وأشار سعادته، إلى إن كورونا، كشفت القوة الحقيقية للدول، والأنظمة المختلفة، ووضعت نظما كثيرة في مأزق أمام شعوبها، بسبب ضعف البنية التحتية في قطاع الصحة، وهشاشة الإمكانيات الصحية، وغياب فن إدارة الأزمات، وعدم وجود قيادات واعية وحكيمة تستطيع إدارة المعارك الطارئة، وقلة وعي بعض الشعوب فيها، كما زادت من الانفلات الأمني، في المجتمعات، التي تشهد صراعات ونزاعات مسلحة، وبالتالي أكثر عرضة لكارثة إنسانية، ما لم يتم اتخاذ إجراءات احترازية وقرارات عاجلة، وسريعة لتتجنب المخاطر.
لافتا إلى أنه تاريخيا، تسببت الأوبئة والطواعين في تغيرات شاملة بالحياة البشرية ومهدت الطريق لإصلاحات جذرية، فكريا، واجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا، بل وفي المعتقدات نفسها، على الساحة العالمية، واعادة صياغة العلاقات الدولية وإعادة تشكيل مؤسساتها علي اسس جديدة.
وشدد على أن الخريطة السياسية العالمية سوف تشهد تحولات من نظام أحادية القطب إلى متعدد الأقطاب، لا يعطي لقوى عظمى واحدة حق الهيمنة أو التحكم في مصير الأمم بقرار انفرادي، خاصة بعد نجاح بعض القوى الصاعدة في أن تعلن عن ذاتها، وتقدم نفسها للعالم بجدارتها وقدرتها، وقوتها على إدارة الأزمات، ونجاحها خلال وقت قصيرة بالسيطرة علي الوضع، وأنه من خلال قوة نظامها السياسي، بجانب قوتها الاقتصادية، يجعل منها طرفا آخر أمام الولايات المتحدة الأميركية، ضمن منظومة التعددية الدولية، التي يحجز مكانه فيها الأقوياء.
ولفت إلى الصورة التي تعاملت بها بعض الدول مع شعوبها خلال الأزمة، واتسمت بطابع القيم، العدالة والمساواة والشفافية، ومشاركة شعوبها في اتخاذ القرار، ومثال على ذلك دولة قطر، المتفردة حتى الآن بدبلوماسية الوساطة، وآخرها إسدال الستار على أكثر الملفات الملتهبة في العصري الحديث، والذي انتهى باتفاق مصالحة تاريخية بين أميركا، وحركة طالبان، يجعلها مرشحة، بجانب بعض الدول الآسيوية في الخروج أكثر قوة، ومتانة من هذه الأزمة، وحجز أماكنها على الخريطة السياسية والاقتصادية العالمية، بفضل قيادتها الرشيدة والصادقة والتي وضعت الخطط والسياسات الطموحة والحكيمة، لتجتاز بها هذه المرحلة الصعبة، كما اجتازت مرحلة الحصار من قبل، ونجحت في تحويل العراقيل والتحديات إلى فرص ونجاحات.
ونوه سعادته إلى أن كورونا قد يعجل بتسريع عملية المصالحة الأفغانية – الأفغانية، ووقف أطول حرب في المنطقة، بجهود قطرية دولية، كما سوف يجبر الوباء الدول التي تتدخل في شأن الأفغاني، الانكفاء على همومها ومشاكلها الداخلية، وكذلك سوف يضع كافة أطراف الصراع أمام واقع صعب للغاية، وتجد نفسها أمام خيارين، أما وقف الحرب، أو مواجهة غضب شعبي عارم يهدد وجودها، لان الشعب لن يستطيع تحمل المزيد من الويلات والماسي، ولا يظل جالسا متفرجا.
إعادة الحسابات
من جانبه، أكد سعادة السفير فكرت أوزر، سفير الجمهورية التركية لدى الدوحة السابق، على أهمية إعادة النظر في شكل العلاقات الدولية، التي من المفترض أن تسود وتحكم العالم، وفقا لقاعدة التعاون المشترك، وبعيدا عن نظام الأحادية القطبية، الذي ظل يهيمن، وبشكل منفرد على القرار الدولي، بنظرة أنانية، خلفت الكثير من التداعيات السلبية، التي كانت ضحيتها بالدرجة الأولى، هي الدول والمجتمعات النامية.
وقال سعادته إن التغني بأعداد الجيوش، والجنود، وتوجيه الميزانيات الضخمة نحو التسليح العسكري، ومحاولات الهيمنة بالقوة، لم تعد تطرب الآذان اليوم، أمام جائحة كورونا، أو ما يسمى «كوفيد – 19»، حيث كشفت الأزمة، ضرورة إعادة الأنظمة السياسية لحساباتها، خلال المرحلة القادمة، وأنه ليس بالرصاص وحدة، يمكن تحقيق الأمن القومي للشعوب.
وأوضح سعادته أنه من بين ما كشفته الأزمة الراهنة مع جائحة كورونا مدى هشاشة النظم السائدة في العالم الآن، ولاسيما في نموذج الاتحاد الأوروبي، وأسس بنيانه، التي قام وتأسس ونشأ عليها، حيث ظهر بصورة مفككة، يعطي بعضه ظهره للآخر، دون أن يحاول أن ينتشله مما هو فيه، وقامت كل دولة بالتقوقع على ذاتها، ولم تجد إيطاليا من ينقذها، أو يغيثها، وهي ترى شركاء الأمس جميعا، وقد اكتفوا بالجلوس على مقاعد المتفرجين، يتابعون ويشاهدون ما يحدث في صمت، إلى أن جاءت الصين، ومدت للإيطاليين يد الدعم والمعونة، والمساعدات الطبية اللازمة.
وأشار سعادته إلى أن الإيطاليين بعد الأزمة، وتركهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم، سوف يضطرون إلى إعادة حساباتهم، بعد أن وجدوا الصينيين، هم الأقرب إليهم من شركاء الوحدة الأوروبية، مما جعل إيطاليا، تلوح بأنها لن تكون نادمة حال اتخاذها قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن العالم بات من الواضح أنه بدأ مرحلة التحول والانتقال من أحادية القطب التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية إلى نظام عالمي متعدد المراكز والأقطاب، يكون أفضل وأكثر عدلا، ينهي حالة الهيمنة، والاستقواء بالسلاح، والقوة العسكرية، ويطوي صفحة الحروب العدوانية، واستنزاف موارد الدول، واستغلال الشعوب.
لافتا إلى أنه من أهم المكاسب التي سوف تتحقق مع أفول القوى أحادية القطب، التي ظلت مهيمنة، منذ انتهاء الحرب الباردة تحديدا، وبزوغ فجر التعددية، والشراكة المتعددة في صناعة القرار الدولي، من شأنه أن يقلص من نفوذ المشروع الإستراتيجي الصهيوني في المنطقة، وتبدأ الآمال تزيد في إنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، وحل قضيته، بإستعادة حقوقه المشروعة، وأرضه المغتصبة، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس.
القوى الصاعدة
من جانبه، أكد سعادة السفير نزار الحراكي، سفير سوريا لدى الدوحة، أن جائحة كورونا «كوفيد - 19»، منذ ظهورها في نهاية عام 2019، وحتى يومنا هذا، فقد أغرقت العالم في بحر من الهموم، والإشكاليات التي لم يكن يتوقعها، ومعها ظهر مدى هشاشة القطاعات الصحية، حتى في أكثر الدول تقدما، سواء الأوروبية، بل وفي الولايات المتحدة الأميركية نفسها.
وقال إنه من وجهة نظره يرى أن عالم ما بعد وباء كورونا سوف يختلف عما قبله، ويشبه نفس الحالة التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، موضحا أن هذه الأزمة سوف تكون لها تأثيراتها على جميع المستويات، على الصعيد السياسي والاقتصادي، سواء الدولي أو الإقليمي، مشيرا إلى أن أخطرها ما يتعلق بالمستوى الاجتماعي، حيث بدا واضحا تفشي حالة من الانانية المفرطة، ليست على المستوى الفردي فحسب، بل حتى بين الدول ذاتها، إذ انشغلت بعضها بنفسها عن البعض الآخر، دون أن يعنيها بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يعانيه الآخرون.
وأوضح سعادته أن العالم كله، بما فيه الدول الكبيرة والعظمى، سوف تواجه تحديات كبيرة جدا، بالرغم مما لديها من امكانيات مادية، وعسكرية، وحتى إقتصادية، فالجميع بلا استثناء سيعاني من كورونا، مشيرا إلى أنه من الأمور التي لايمكن اغفالها هو الجانب الاقتصادي، لافتا إلى أنه بعدما كانت الولايات المتحدة الأميركية، عمليا هي القطب الأوحد في العالم، مع وجود تنافسية متباينة على المركز الثاني بين كثير من الدول في الملفات السياسية، الذي بدأ واضحا خلال فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي كان يمثل القطب الثاني في مواجهة أميركا.
وأشار إلى أن الصين قدمت نفسها اليوم كواحدة من القوى صاعدة، بعد نجاحها وقدرتها في التغلب على معركة كورونا، ومواجهته والقضاء عليه، في وقت مازال الوباء يجتاح دول أوروبية مهمة جدا، مثل اسبانيا، وايطاليا، واليوم نسمع ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية.
ولفت إلى أنه سوف تكون هناك محاور وأقطاب جديدة في العالم، فبجانب الصين القوة الجديدة، التي أثبتت قدرتها على أن تفعل شيئا، تظل أيضا هناك روسيا، التي على الرغم مما تعرضت له من الحظر الاقتصادي، من جانب الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأميركية، إلا أنها سارعت وقدمت المساعدات لإيطاليا، وأسبانيا، وكانت رسائل بالغة الاهمية، مما يبرهن، على أن عالم ما بعد كورونا لن يكون كما كان قبله، خاصة بعد تأثرت أسعار البترول الذي وصل إلى أدنى سعر له خلال الفترة الأخيرة.
وأكد سعادة السفير علي الجاروش، مدير عام الشؤون العربية بالجامعة العربية سابقًا، أن عملية استشراف الآفاق المستقبلية، في أي قضية من القضايا، لابد من الغوص في أعماق التاريخ، وإعادة قراءته، والإستفادة من دروس وتجارب الماضي، لنعيد صياغته بلغة العصر، وبما يتناسب والمستجدات الراهنة، ولا سيما بالنسبة لعالم ما بعد أزمة وباء كورونا، أو ما يعرف «كوفيد -19»، من حيث إذا كان يعني إستمرارية للأحادية القطبية، وهيمنة قوى عظمى واحدة على الكون، أم أن المجتمع الدولي، يعيد ترتيب أوراقه من جديد، وينتج نظاما بديلا، قد يكون ثنائيا، وربما اتسعت الدائرة، بشكل أكبر، وتحول إلى التعددية.
صفحات الماضي
وقال: ونحن نعيش أزمة كورونا في العصر الحاضر، إذا أردنا أن نسترجع شريط الذكريات التاريخية، ونقلب في دفاتر، وأوراق الماضي، سوف نجد صفحاته مليئة بظواهر مشابهة حدثت آنذاك، ومنها التي تتعلق، بالأمراض، والأوبئة، وما أكثرها في القرون الغابرة، وقد يستوقفنا ما شهده القرن الخامس عشر، وكذلك التاسع عشر، وربما يكون أخر ما نذكره منها، ما حدث في القرن العشرين، أي إلى زمن ليس ببعيد، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وعلى وجه التحديد عام 1918، والتي جاءت بعد حرب مؤلمة، وفادحة، تكبد فيها العالم كثيرا من الخسائر، البشرية، والمادية، وكأنها تكمل بعضها البعض، مما جعل ظلام الدمار يخيم على المجتمع الدولي، ويصبح المشهد أكثر من مأساوي.
وأوضح أن تداعيات الأحداث التي شهدها القرن الثامن عشر قد استمرت ردحا من الزمن، حتى أن بعض المؤرخين، ذكر أن طول هذه الفترة الزمنية، ظل حتى عام 1922، أي استغرقت نحو أربع سنوات تقريبا، ولكن علينا أن نأخذ بعين الإعتبار الفجوة العلمية، والبحثية، والتكنولوجية بين الماضي والحاضر، حيث إننا نعيش عصر التقدم العلمي، والمبتكرات والإختراعات الحديثة، ولكن هذا لا يمنع من الإهتمام بفلسفة إدارة فن الأزمات، ووضع كافة السيناريوهات، وعدم إغفال حتى أسوأها، من حيث إن وباء مثل كورونا، أو ما يعرف «كوفيد – 19» قد يستمر بعض الوقت، خاصة بعد تصريحات رواد الحداثة وقاطرة الصناعات المتطورة، إنه إذا كان هناك من عقار أو مصل، أو لقاح للعلاج، فإنه سوف يكون في نهاية عام 2020، وربما مع العام القادم 2021.
وأشار سعادته إلى أنه يخطئ من يحاول التقليل من فداحة هذه الأزمة، وأهوال المرحلة، التي يشهدها المجتمع الدولي، وأنين السواد الأعظم من سكان الكوكب، وحجم الخسائر ما بين البشرية والمادية، حتى أن كثيرا من الاقتصاديات، أصيبت بانتكاسة، وربما في طريقها إلى الدمار، موضحا من وجهة نظره، وفي ظل عدم وضوح الرؤية للعمر الزمني الإفتراضي، المتبقي لحياة فيروس كورونا «كوفيد – 19»، على سطح الأرض، فإنه يمكن وضع ثلاثة سيناريوهات: أولها، أنه من الممكن، غدا، أو الشهر القادم، وربما في أيام رمضان، يخرج علينا من يبشرنا بوجود العلاج السريع لهذا الوباء، الذي أثبت فاعليته عن طريق طريق التجربة على حالات كثيرة خضعت له، وهذا سوف يعيد الدموية للحياة من جديد، وتخرج الناس لتعود إلى سيرتها الأولى، صخبا وضجيجا، وإلى نمط الحياة التي كانت تعيشه، مما يعني أن الدول القوية، ستزداد شراسة، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وهذا قد يقود إلى صدامات ومواجهات عنيفة، سواء كانت مع الصين، أو أي قوى أخرى، تكون أقرب إلى الصراعات المسلحة.
وأضاف سعادته أن السيناريو الثاني المحتمل لأزمة جائحة كورونا «كوفيد - 19»، أن يأخذ الفيروس دورته الكامل، ويعيث في الناس على كوكب الأرض، يطاردهم، ويحاصرهم، ويفتك بمن يفتك منهم، إلى أن يتمكن العلماء، ويستطيعوا التوصل إلى عقار دوائي للعلاج، وهذا يتوقف على المعدل الزمني، الذي ينجز فيها العلماء داخل المعامل، ومراكز الأبحاث والختبرات، موضحا أن السيناريو الثالث والأخير، يكمن في الروح الإيمانية، التي تتعلق بمعجزة إلهية، يقدر فيها الله ما يشاء، وهذا الأمر، يتخطى حدود الأفق البشري، ولا يملك أحد فيه شيء، سوى التعلق برحمة الله.
ولفت إلى أن العالم عرضة أن يجد نفسه أمام العديد من المتغيرات الدراماتيكية، في أعقاب انتهاء أزمة وباء كورونا، سوف تتسبب في قلب موازين كثيرة، ربما تكون غير واضحة في الأفق حاليا، ولكن من المتوقع، أن تتغير بعض الجوانب المعيشية، والإجتماعية، والثقافية، مع عدم إستبعاد إنهيارات، وبداية مجتمعات، ودول، وشعوب، في الإتجاه نحو الإضمحلال، ووجودها مهدد بخطر التراجع والهبوط، في المقابل تبدأ مجتمعات ودول وشعوب أخرى في عملية الصعود، والإنطلاق إلى الأمام، لشغل الفراغ التي تركته القوى الأخرى، مشيرا إلى أهمية التوقف أمام مشهد أوروبا، القارة العجوز، التي تنتظرها متغيرات إقتصادية ومالية، وتضرب الإنهيارات إقتصاديات دول كبيرة، ومنها الغنية، وبالمقابل، تبزخ شمس إقتصاديات جديدة، وصراع للعملات، بحيث تطرد عملة الأخرى، لتتربع هي على سوق النقد، والمعاملات الدولية.
وشدد على أنه أحد أهم المتغيرات في عالم الاقتصاد والمال، بروز ما يسمى بالعملات الرقمية، وتكون أحد البدائل في التعامل المستقبلي، وسحب الصلاحيات من الدولار، الذي ظل منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، المهيمن، وسيد العالم في المعاملات، وقاعدة للأوزان النقدية، وتقييم المبادلات السلعية والتجارية، إلأ أن قرار الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، عام 1971، بفك العلاقة بين الدولار والذهب، التي أطلقت يد الولايات المتحدة الأميركية، في طباعة عملتها الخضراء، بلا غطاء ذهبي في المقايضة، أي مجرد بنكنوت ورقي، على خلاف ما كانت تسير عليه الأمور، منذ اتفاقية بريتون وودز، في شهر يوليو عام 1944، التي تحددت فيها الأوزان النسبية للعملات، وفقا لقاعدة وحدات الذهب، وظل العمل بها قرابة الثلاثين عاما، وعليه فإنه عندما يتم رفع الغطاء عن الواقع، تظهر حقيقة عدم أهمية قيمة العملة.
ونوه إلى أنه ما بين الانكسارات والانتصارات الاقتصادية والهبوط والصعود في ماراثون مواجهة العملات، ظهور ما يسمى «الذكاء الإصطناعي»، بجانب متغيرات سياسية، في النظم العالمية الحالية، التي سيكون معايير قوتها، مدى القدرة على مواجهة وومحاربة وباء كورونا «كوفيد – 19»، وحتى الآن، تظل الصين هي الدولة الوحيدة التي تتربع على عرش الإنتصار، والمقاومة، بفضل منظومتها الداخلية الخاصة، سواء كان على الصعيد الإداري، أو الأمني، بل والسياسي كذلك، من خلال عملية الضبط الشديدة والصارمة للشارع، وبطريقة أثارت انتباه الجميع، ومن ثم فقد تكون التجربة الصينية، درس عالمي مفيد للأسرة الدولية، ولكافة الدول.
ولفت الانتباه إلى أن أزمة كورونا أو «كوفيد – 19»، بجانب إشكاليتها كوباء، إلا أنها على الجانب الآخر، كانت معركة إستعراض عضلات القوة، بين الأنظمة، ومدى قدرتها على السيطرة، والتحكم، في دفة الأمور الداخلية، لمقاومة والسيطرة على الفيروس، بالعديد من الإجراءات والتدابير الإحترازية، وأهمية التجاوب الجماعي، والإلتزام الشعبي، بما يضمن الحفاظ على سفينة المجتمع حتى الوصول إلى شاطئ النجاة، وقد حققت الصين، بنظامها الإشتراكي، تفوقا ملحوظا، بينما نظم ديمقراطية، سقط بعضها، في حين أخرى تتلاطمه أمواج المخاطر، ومازالت تعيش مجتمعاتها حالة من الفزع والهلع والرعب اليومي من الوباء، ومن ثم ضرورة إعادة النظر في مسألة إنفاذ القوانين بشكل صارم، وفي نفس الوقت بروز نظام سياسي عالمي جديد يتناسب مع المرحلة، والنتائج التي سوف تتمخض عن عملية الصراع.
ودعا إلى مراعاة الأخذ بعين الاعتبار المتغير الأمني، موضحا أنه يرتبط بكثير من المتغيرات الأخرى، والذي سوف تكون فيه العديد من الصدامات والحروب، والصراعات الجديدة، وما يفرضه ذلك من إمكانية استخدام أسلحة جديدة، غير تقليدية، ومنها البيولوجية، الجرثومية، الفيروسية، هي منتج الإنفلات العلمي في العديد من المعامل، والمختبرات المعادية للحياة البشرية، التي انحرفت عن مسارها البحثي الأخلاقي، وأصبحت تهدده في وجوده، لافتا إلى أن ذلك جعل البعض، تحدثه نفسه، فيما قد تكون عليه حقيقة فيروس كورونا.
ومن وجهة نظر سعادته أوضح أن الحديث عن ملامح النظام العالمي الجديد ما بعد أزمة كورونا، ما بين استمرارية الأحادية القطبية أو الاتجاه نحو الثانية، وربما التعددية، إنه ونتيجة للعديد من المتغيرات سوف تبرز مجموعة من القوى الجديدة، سواء عن طريق إعادة ترميم لما هو قائم، أو زوال وإنتهاء ما هو موجود من نظم، وبروز قوى بديلة، وبالطبع، فإن الصين، مرشحة وبقوة، في أن تكون واحدة من القوى الصاعدة، وكذلك من غير المستبعد حضور الهند في مشهد الأقوياء، مع قوى أخرى بأمريكا اللاتينية والقارة الأفريقية، تشارك في رسم السياسات العالمية، والتعاون والصناعة، والإقتصاد، ضمن صيغة تعاونية تقوم على تبادل المصالح، بعيدا عن السيطرة الإنتهازية من طرف واحد، في حين القارة الأوروبية، هي في موقف صعب جدا، كما أنه ما ستسفر عنه الأمور والأحداث في أميركا، سوف يكون لها أهميتها.
وربط المشهد الذي يعيشه العالم في ظل جائحة كورونا أو «كوفيد - 19»، بما كان عليه الحال خلال أزمة 11 سبتمبر عام 2001، من حيث لفت أنظار كثيرا من الناس على مستوى العالم إلى التعرف على الإسلام، والإقبال على اقتناء الكتب الإسلامية، للتعرف على فئة معينة وكينونتها، وفكر عقيدتها، ثم اهتدوا إلى الحقائق بأنفسهم، بعد أن عاشوا أسرى لروايات محاولة لصق الإرهاب بالإسلام، وأنه ما بين الأمس واليوم، زاد الجانب الروحي بداخل الكثيرين، ووجدوا في ممارسات المسلمين، من المضمضة والإستنشاق، وغسل اليدين المستمر، دلائل، لمسوها واقتنعوا ذاتيا في قيمتها لحياة الفرد، مما قد يبشر بإعتناق واسع للدين الإسلامي في العديد من الدول الغربية.
فترة استثنائية
من جانبه، أكد الدكتور احمد أويصال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) بأنقرة أننا نمر بفترة استثنائية، موضحا أن تاريخيا كانت هناك أوبئة أصابت مناطق في العالم، وقد استغرق الأمر سنوات أو عقودًا للوصول إلى منطقة أخرى وكان تأثيرها محليًا ومحددا في الغالب، لكن في زماننا هذا، انتشر فيروس كورونا الجديد (COVID -19) بجميع أنحاء العالم في غضون شهرين، حتى أنه لم تخل منطقة على سطح الكوكب الأرضي من آثاره.
وقال إن ما زاد الطين بلة هو ظهور وباء كورونا في فترة حرجة للغاية بالنسبة للسياسة العالمية، حيث انتهى النظام العالمي السابق (الحرب الباردة) قبل حوالي ثلاثين عامًا، ومنذ هذا الحين، وحتى وقتنا الراهن، لا يمكن القول إن هناك نظاما عالميا جديد قد تشكل بعد، مما يجعل عالم اليوم فريد بالفعل مع التغييرات الجذرية التي حدثت في التكنولوجيا والاتصالات والنقل إلى جانب التغييرات التي تلت ذلك في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
وأوضح أنه قبل ظهور الفيروس كان العالم الغربي يشهد انخفاضًا نسبيًا اقتصاديًا واجتماعيًا، وأنه على الرغم من هيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي والمؤسسات الدولية، فقد وجد مواجهة لهيمنته من جانب الشرق، وتحديدا من الصين وروسيا والهند، ذلك لأن خطوط الإنتاج للاقتصاد العالمي بدأت تنتقل إلى الشرق والجنوب وبدأت في تكديس رأس المال، والخبرات التكنولوجية وبدأت في تقديم نفسها خجولة كبديل، ولم تمنع سيطرة الغرب على الجزء الأكبر من الأصول العالمية، الشرق (وخاصة الصين) في تطوير تقنيته خارج الإشراف الغربي.
وأشار سعادته إلى أن أكثر شيء وضوحا في جائحة كورونا العالمي هو عدم مبالاة الرئيس الأميركي ترامب، في بداية الأزمة تجاه معاناة الآخرين مثل الصين وإيران وإلى حد ما في إيطاليا، وبالمثل، عدم التعاطف من جانب البلدان المتقدمة حتى فيما بينها، أضف إلى ذلك عيب رئيسي آخر في مكافحة الوباء هو عدم كفاءة المؤسسات الدولية (بما في ذلك منظمة الصحة العالمية) لمواجهة مثل هذه المشكلة الصحية الكبرى، حيث أثبتت حالة إيطاليا عدم قدرة الاتحاد الأوروبي كمظلة حيث تركوا إيطاليا وحدها في هذه المأساة الإنسانية، مما أدى إلى اليأس من مستقبل الاتحاد على الإطلاق.
وأضاف أن لديه قناعة بأن وباء كورونا سيكون نقطة تحول في التاريخ حيث سيعاني العالم من اضطراب كبير بسبب عواقبه الاقتصادية السلبية، والاضطراب السياسي اللاحق والتغيير الاجتماعي، وأنه من المحتمل أن يؤدي الكساد الاقتصادي العالمي إلى المزيد من الحمائية والعزلة بين الدول الغنية، والأرجح أنها قد تعني نهاية الاتحاد الأوروبي لأنها تفضل الدول الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا من خلال تجاهل البلدان الواقعة في المحيط. أعتقد أن الصين ستتضرر بشدة من الوباء معنويا واقتصاديا كقوة بديلة بسبب تباطؤ الاقتصادات واحتمالية الحمائية، بما يعيد إلى الأذهان مشد الكساد الكبير الذي أنتج الفاشية والنازية خلال ثلاثينيات القرن العشرين و1940.
ولفت إلى أن الوضع سوف يصبح أكثر صعوبة تجاه الأقليات وخاصة المسلمين في الغرب، كما قد يؤدي الاكتئاب إلى حرب عالمية كبرى، ربما يقُتل فيها عدد أكبر من الأشخاص مما يمكن أن يقتلهم الفيروس، موضحا أنه كانت من نتيجة الحرب العالمية الثانية الوصول إلى نظام الحرب الباردة واستمرت 45 عامًا، مشددا على أن الاضطرابات المتسارعة للنظام العالمي اليوم قد تقود إلى عالم متعدد الأطراف وربما تظهر العديد من المفاجآت لأن طبيعة التطورات والصراعات ستشكل العالم، وإن كان يستبعد أن تكون الصين بديلاً حقيقيًا للهيمنة الغربية.
تحولات كبر
من جانبه، أكد الدكتور أحمد قايم حسين، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مدير تحرير دورية «سياسات عربية»، أن النظام الدولي شهد تحولات كثيرة منها ماهو عسكري، ارتبط بحروب عالمية، ومنها ماهو اقتصادي جاء نتيجة أزمات اقتصادية عالمية كأزمة الكساد الكبير 1929، وأن تلك التحولات قادت إلى التغيير في بنية وطبيعة النظام الدولي، وفي النظم الاجتماعية في معظم دول العالم، مشيرا إلى أن اللافت ان النظام الدولي لم يعرف تأثرا نتيجة جائحة أو وباء كما هو الحال عليه اليوم بعد انتشار فايروس كورونا.
وقال إنه من خلال مراقبة تداعيات انتشار الفيروس على الاقتصاد والسياسة في معظم الدول يمكن القول إن العالم قبل فايروس كوفيد 19 مختلف عن عالم مابعدن، ولا غرو عند وصف هذه الجائحة بأنها الفاعل الدولي الجديد الذي من شأنه ان يدخل في تنظيرات باحثي العلاقات الدولية إلى جانب الدولة والشركات عابرة الجنسيات والأفراد في البحث في العوامل التي تدفع الدول إلى وضع محددات جديدة في سياساتها الخارجية.
وأوضح أنه من الممكن أن تسهم جائحة «كوفيد - 19» في التأثير المباشر في النظام الدولي وفي محددات السياسة الخارجية للقوى الدولية الفاعلة في النظام الدولي كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الاوروبي والصين وروسيا، مشيرا إلى أن انتشار الفيروس وما نجم عنه من وفيات وإصابات كشف عن عجز النظام الصحي في اكثر الدول تقدمًا وسيطرح سؤال مجتمعيًا حول دور الدولة في تقديم الخدمات الرعاية الصحية خاصة في دول اوروبا التي كانت حتى وقت قريب مثالا يحتذى به في مستوى الرعاية الصحية للأفراد.
وأشار إلى أن أزمة انتشار الفايروس أثرت على فكرة التضامن والتكامل الأوروبي، وظهر انقسام حاد بين دول الاتحاد حول كيفية التصدي الفايروس وتداعياته الاقتصادية في منطقة اليورو، وقد وصل التعارض بين دول الاتحاد المطالبة بمساعدة اقتصادية كإيطاليا وأسبانيا إلى التشكيك في فكرة التضامن الاوروبي وتحدثوا عن خذلان مؤسسات الاتحاد الأوروبي لتلك الدول. مما يعني ان تداعيات «كوفيد 19» طالت واحد من اهم الفاعلين الدوليين في العالم وهو الاتحاد الاوروبي. الأمر ذاته ينسحب على الولايات المتحدة الأميركية التي ألغى رئيسها قانون الضمان الصحي المعروف ب Obama Care وهو سيضع الحكومة الفيدرالية أمام تحد كبير في حال استمر ارتفاع الإصابات في الولايات المتحدة، وقد نلحظ تأثير كوفيد 19 على سلوك الناخب الاميركي وحتى على العلاقة بين الولايات والحكومة الفيدرالية حيث تراجع الرئيس ترامب عن فرض الحجر الصحي على ولاية نيويورك تحت ضغط العامل الاقتصادي والسياسي. أما الصين التي استطاعت مع جاراتها الآسيويات كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة من الحد من انتشار الفيروس نتيجة الخبرة والتجربة السابقة في التأسس لجهاز إنذار مبكر لانتشار الفيروسات فقد أثبتت قدرة جيدة في التعاطي مع الأزمة، إلا انها تكبدت خسائر اقتصادية كبيرة.
وأضاف أن فكرة ومبادرة الحزام والطريق اليوم باتت أمام تحد كبير في حال استمرار حالة الحظر الاقتصادي وإغلاق عديد الدول مطاراتها أمام حركة الأفراد وحتى السلع التي ستتأثر ايضا حركتها على المدى الطويل، موضحا أنه عربيًا، هناك مستويان في التعامل العربي مع أزمة «كوفيد 19» المستوى الأول الدول الغنية كدول الخليج العربية التي تمتلك قدرة اقتصادية على الحد من اثار كوفيد 19 الاقتصادية ولديها نظم صحية جيدة مقارنة مع الدول العربية الأخرى التي تعاني أزمات سياسية واقتصادية وبعضها دول هشة تمزقها الحروب والنزاعات كسورية وليبيا واليمن مما يعني ان تفشي الوباء سيكون بمثابة كارثة إقليمية تستدعي جهود مضنية للحد منها.كتب- محمد حربي
copy short url   نسخ
08/04/2020
2377