+ A
A -
نور الدين العلوي كاتب تونسي
صورة واحدة تمر.. خبر واحد يتكرر.. علاج واحد يُنصح به: «عُد إلى كهفك أيها الإنسان، ففي كهفك منجاتك مما صنعت يداك».
بعض رجال الاقتصاد والسياسية يبررون التضحية ببعض الآلاف من أجل عودة الاقتصاد والكسب.. وحدهم الأطباء في كل العالم يقودون الحرب ضد عدو لا يرونه، فينصحون بالكهف الإنساني الأول.
وقد خزّن الإنسان أكله ويطل الآن من الكوة مرعوبا من حيوان الغابة الجديد، والامتياز الوحيد الذي لديه الآن هو الثلاجة، فلن يتعفن اللحم بين يديه فيضطره للخروج إلى الصيد من جديد. لا شك أن جان جاك روسو سعيد في قبره الآن، فقد رأى الإنسان يدمر نفسه بالأنوار الكاذبة.
في «الكهف» نعود إلى أسئلة «روسو» الأولى:
هل كانت أنوار العقل خير كلها؟ الفيروسات، المصنعة بيد الإنسان منها خاصة، تقول لنا لقد أخطأ الإنسان الطريق وعليه أن يعيد هذا الفصل الدراسي ومقرراته. في درس الأنوار الطويل صنع الإنسان من أدوات القتل أكثر مما صنع من أدوات الحياة، وسنجد روسو على حق، لقد أفسدت المعرفة أخلاق الإنسان. سنميز هنا مضطرين بين إنسان وآخر، ولكنه تمييز سيؤكد صورة الإنسان القاتل لا الإنسان صانع الحياة.
لقد تمتعنا طيلة القرن العشرين بصور الإنسان يركب الفضاء ويغوص في البحار ويسجل الاكتشافات والاختراعات، ويزدهي فيندفع إلى تصنيع الفيروسات في المخابر معلنا سيطرة مطلقة على الطبيعة العدو الظاهر الخفي. ما بين أيدينا الآن من وسائل الحياة يصيب أكثر المتواضعين بالغرور، فالإنسان يحكم حتى خرجت عليه الفيروسات من بين يديه، فإذا هو هارب إلى كهفه الأول مكسورا مهزوما عاجزا يترقب، وليس بإمكان الأعلم من بين علمائه من يقدم له موعدا لنهاية الكهف الجديد.
مراجعات أخلاقية تفرض نفسها: هل كان في حاجة إلى أن يذهب في هذا الاتجاه فيصنع له عدوا وقد ظن نفسه لا يغلب؟ لقد هزم الإنسان نفسه وهو يتوهم الانتصار.
«كورونا» مدعاة للنقد الذاتي:
نعم ذهب البحث العلمي في مسارب مفيدة للإنسان، فلقد كانت هناك أمراض قديمة ليس أقلها خطرا الحمى الإسبانية التي أفنت الملايين في غياب لقاحات، وقد قهرها الإنسان كما قهر السل والتيفوئيد والكوليرا والملاريا. وكان بإمكان البحث العلمي أن يصل إلى الإنسان الذي لا يمرض أبدا. لقد رفع معدل أمل الحياة إلى حوالي القرن ولكنه ارتكس فجأة إلى الكهف. كثير مما فعل ويفعل لم يكن هدفه الحياة بل قتل الآخرين ليربح من موتهم، وكان يفعل ذلك وراء ستار عزة كاذبة بقدرته على المعرفة والخلق.
ليس هذا وعظا دينيا، بل محاولة قراءة في مسار تحويل المعارف إلى أدوات حياة. هل كان الإنسان يصنع أدوات حياته الجديدة بعد جهل القرون؟ كان هذا هو الظن الغالب عليه، وكان هذا هو وهم من يتابع أخبار العلماء مزهوا بقدرتهم. لقد خلق في الأثناء وسائل هشاشته وهو يظن أنه يقوي مناعته وأسباب بقائه الأزلي. هل يستعيد الإنسان عقله فيوجه معارفه كلها إلى صنع السعادة بتطوير الصحة العام والخاصة؟
{ عن (عربي 21)
copy short url   نسخ
26/03/2020
121