+ A
A -
أسامة أبو ارشيد كاتب وباحث فلسطيني مقيم في واشنطن
يعيش الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية حالة فزع حقيقية شبيهة بالتي مرَّ فيها الحزب الجمهوري عام 2016، عندما بدا أن الرئيس الأميركي الحالي، المتنافس حينها، دونالد ترامب، قد يكون مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية في أميركا.
حينها، بدأت المؤسسة التقليدية في الحزب، (Establishment)، والمتنافسون الآخرون المحسوبون عليها، بإطلاق صرخات التحذير من أن الحزب سينتهي إلى هزيمة ساحقة أمام الديمقراطيين، ليس فقط في الانتخابات الرئاسية، بل وفي الانتخابات التشريعية، لمجلسي النواب والشيوخ. كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرشّحاً غير عادي قادما من خارج الأطر الرسمية للجمهوريين، وكان خطابه متسماً بشعبوية سطحية وسفيهة، مجبولة بعنصرية بغيضة وبذاءة غير مسبوقة في التاريخ السياسي الأميركي الحديث. وعندما اتضح أن ترامب سيفوز بأعلى نسبة من المندوبين الانتخابيين، (Delegates)، بدأ أقطاب في المؤسسة التقليدية يتحدثون صراحة إنهم سيتحدّونه في المؤتمر الوطني للحزب، وسيطرحون مرشحاً بديلاً عنه. بقية القصة معروفة، فقد اختار الجمهوريون في أميركا الوحدة وراء الرجل، مع يقين لديهم أن لا فرص حقيقية لديه للفوز، ذلك أنه ذو شخصية منفّرة وتثير انقساماً حادّاً، وانتهى الحال به، كما نعلم، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
تتكرّر القصة اليوم، ديمقراطياً، مع تصدّر السناتور اليساري التقدمي، في أميركا، بيرني ساندرز، المنافسات على الظفر ببطاقة الترشح عن الحزب، منافساً لترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل، ومما يفيد ساندرز في هذا السياق تشتت معسكر تيار الوسط في الحزب بين مرشحين كثيرين، كنائب الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، وعمدة نيويورك السابق، مايكل بلومبيرغ، والسناتور عن ولاية مينيسوتا، إيمي كلوبوشا، وعمدة ساوث بند السابق، بِيت بوتيدجيج.
مشكلات المؤسسة التقليدية في الحزب الديمقراطي مع ساندرز كثيرة، منها أنه «عضو مَوْسِمِيٌّ» فيه، فساندرز عضو مستقل في مجلس الشيوخ، وإنْ كان يصوّت إلى جانب الديمقراطيين منذ عام 2007. وهو لم ينضم للحزب رسمياً إلا عام 2015، عندما نافس في انتخاباته التمهيدية ليكون مرشحه لانتخابات الرئاسة في أميركا في عام 2016، وشكّل حينها صداعاً حقيقياً لمرشحة الحزب المفضلة، هيلاري كلينتون، وانتهى الأمر بإقصائه بتواطؤ من مؤسسة الحزب، وهو ما ساهم في خسارة كلينتون لاحقاً بعد أن كشفت ويكيليكس (تقول المؤسسات الاستخباراتية الأميركية إن ذلك تمَّ بدعم روسي، وللمفارقة، تقول المؤسسات نفسها اليوم إن روسيا تعد العدة للتدخل لصالح ساندرز، إذ ترى فيه مرشحاً ديمقراطياً ضعيفاً لضمان ولاية ثانية لترامب) حقيقة ما جرى عبر قرصنة حواسيب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. بعد الانتخابات الرئاسية، حينها، انسحب ساندرز من الحزب، ولم يعد له إلا عام 2019 للتنافس مجدّداً على موقع مرشحه للرئاسة.
واليوم، يصر رموز من الديمقراطيين في أميركا أن ساندرز الذي لا يتردّد في وصف نفسه «ديمقراطياً اشتراكياً» سيكون كارثة محققة على الحزب في الانتخابات الرئاسية، كما سيتسبب بخسارته لمجلس النواب، وإجهاض طموحاته، لاستعادة السيطرة على مجلس الشيوخ. وَيُحَذِرُ بعض قادة المؤسسة الديمقراطية التقليدية في أميركا من أن ترامب سيلعب على وتر تشويه ساندرز وتقديمه للرأي العام الأميركي «شيوعيا». وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وزوال الخطر الشيوعي الذي كانت تروجه واشنطن، إلا أن المصطلح (الشيوعية) ما زال يثير اشمئزازاً واسعاً في الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى غرار ما جرى مع ترامب، جمهورياً، عام 2016، لا يُخفي بعض أقطاب الديمقراطيين أنهم سيسعون إلى إفشال إمكانية ترشّح ساندرز عن حزبهم للرئاسة في مؤتمر الحزب الوطني المقبل في مدينة ميلووكي.
(يتبع)
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
29/02/2020
288