+ A
A -
هراوات داخل المساجد، وأناشيد هندوسية، وضرب وتنكيل وحرق وقتل للمسلمين، ذلك جزء بسيط مما عاشه المسلمون في الهند بسبب قانون الجنسية العنصري والمثير للجدل، الذي يستهدف المسلمين بشكل خاص.
كان عبدالسمر يصلي في أحد مساجد شمال شرقي عاصمة الهند، في مساء يوم الثلاثاء الماضي عندما اقتحم متظاهرون المسجد بأسلحتهم وهدَّدوا المصلين وهاجموهم، وأشعلوا النيران في المسجد، وفق ما ذكره تقرير لشبكة CNN الأميركية.
يقول عبدالسمر لشبكة CNN الأميركية إن الغوغاء نزلوا على المسجد في حي أشوم ناغار في نيودلهي، يتغنون بأنشودة للإله الهندوسي «جاي شري رام» (المجد للإله رام)، قبل أن يضربوا الإمام ويقتلوا المؤذن.
كما قال عبدالسمر الذي أُصيبَت عيناه بجرحٍ بالغ في الهجوم: «جلبوا الهراوات والحجارة إلى المسجد، وكان الناس في الخارج يمسكون بنادق أيضاً. اضطررنا لقطع الصلاة والهرب».
اليمين المتطرف الهندوسي
رفع المتظاهرون علماً زعفرانياً مرتبطاً بجماعات اليمين المتطرف الهندوسية على مئذنة المسجد المسودة، ولم يُزل العلم قبل صباح الأربعاء، بعد أن سأل فريق شبكة CNN الشرطة عن سبب بقاء العلم مُعلَّقاً هناك.
كانت ليلة الثلاثاء هي الليلة الثالثة على التوالي من الصدامات المميتة في العاصمة بين الهندوس والأقلية المسلمة، بسبب قانون جنسية سبَّب قدراً كبيراً من الانقسام.
لقي أكثر من 30 شخصاً مصرعَهم منذ اندلاع أعمال الشغب يوم الأحد وفقاً لمتحدث باسم أحد المستشفيات، وهذا هو أسوأ عنف طائفي شهدته دلهي منذ عقود.
نشأت هذه الاضطرابات، التي تتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي للهند، بين متظاهرين يؤيِّدون وآخرين يعارضون قانوناً يسرِّع الحصول على الجنسية الهندية لكل الأقليات الدينية إلا الإسلام.
وقال شهود عيان لشبكة CNN إن الجموع الغاضبة استهدفت المناطق المسلمة طوال ليل الثلاثاء يحرقون وينهبون البيوت والمحلات التجارية. أطلقت السلطات غازاً مسيلاً للدموع لتفريق الحشد، بينما كان المتظاهرون يلقون الحجارة ويشعلون المباني المحيطة، وفقاً لما تقوله الشرطة. وقال المحامي سرور ماندر إن الشرطة استخدمت طلقات الرش.
وقال رئيس المسؤولين الطبيين في مستشفى غورو تيج بهادور في دلهي، يوم الأربعاء، إنه من المتوقع أن يزيد عدد الوفيات إذ لا تزال عملية العد مستمرة، وكان من بين الوفيات ضابط شرطة مات إثر إصابة بطلق ناري في الرأس.
وفقاً لمسؤولي المستشفى، فقد عالجت المستشفى، منذ اندلاع أحداث العنف، 200 شخص على الأقل، معظمهم أُصيبوا بطلقاتٍ نارية، وآخرون لحقت بهم إصابات عنف لم تخترق الجلد.
اتهام الشرطة بالتواطؤ
اتهم الشهود شرطة دلهي، التي تتبع أوامر الحكومة المركزية مباشرةً، بأنها غضت الطرف أو تواطأت في أعمال العنف، وتنكر الشرطة هذه الادِّعاءات. وكانت الأجواء متوترة في نيودلهي، صباح الأربعاء، إذ كانت تدور قوات شرطة مكافحة الشغب في الشوارع، في حين نادى أعلى مسؤول منتخب في المدينة، آرفيند كيجريوال، بفرض حظر تجوال. وقال كيجريوال عبر حسابه على منصة تويتر إن الشرطة «ليست قادرة على السيطرة على الموقف وغرس الثقة»، على الرغم من الجهود المستمرة طوال الليل، وطالب باستدعاء القوات العسكرية. وناشد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي اتُّهِمَت حكومته الهندوسية القومية بإشعال التوترات الدينية بقانون المواطنة الذي قدموه، الالتزام بالسلام يوم الأربعاء. وكسر مودي صمته وقال عبر حسابه على تويتر: «السلام والتناغم هي سمات أساسية لروح شعبنا. أناشد أخواتي وإخواني في دلهي بالحفاظ على السلام والأخوة في كل الأوقات». وأضاف: «لا بد من استعادة الهدوء والعودة إلى الحياة الطبيعية في أقرب وقت». وكان الأمل من زيارة ترامب للهند هو توضيح دور الهند البارز على المنصة العالمية، ولكنها ألقت الضوء على التوترات الدينية المشتعلة هناك منذ أشهر.
قانون عنصري مثير للجدل
ضربت المظاهرات الهند، منذ ديسمبر، عندما دعم مودي تمرير قانون المواطنة، فيما أشار الكثير من المسلمين إلى هذا القانون باعتباره مثالاً على تخلي الحكومة عنهم، ويقولون إنهم شعروا أنهم ضحايا. وفَرَضَ رئيس الوزراء، الذي أُعيد انتخاب حزبه بهاراتيا جانتا بفوز ساحق في العام الماضي، نفوذه على السياسة الهندية، منذ أن تسلَّم السلطة في عام 2014. وبينما نال الكثير من الثناء على جهوده في تحقيق الازدهار للمناطق الأفقر في الهند وفي اقتلاع الفساد من جذوره، أُثيرَت المخاوف من إصراره على تمكين الأغلبية الهندوسية في الهند. بالنسبة لمنتقدي مودي، أصبح مشروع تعديل قانون المواطنة المثال الأوضح للأجندة القومية الهندوسية الهادفة إلى تهميش المسلمين الهنود، وهو جزءٌ من محاولة تمزيق نسيج الهوية العلمانية للهند. وقال خورشيد علام، سائق عربة «التوك توك» الهندية الذي كان يعيش بالقرب من المسجد في أشوك ناغار، إن وعود حملة مودي بمستقبل باهر أثبتت أنها وعودٌ فارغة. أحرق الغوغاء منزله الذي كان يعيش فيه مع 10 من عائلته، وكذلك 3 منازل مسلمة أخرى، ومحال تجارية مجاورة. وقال رئيس قسم الحرائق في دلهي لشبكة CNN إنه تلقى 170 بلاغاً عن حرائق في شمال شرق دلهي في خلال اليومين السابقين فقط. وتساءل علام: «كنت أعمل هنا في السوق وأكسب 500 روبية (7 دولارات)، وهذا أيضاً انتهى الآن. ما الذي يمكنني أن أفعله أيضاً؟». ثم قال ساخراً: لا بد أن هذه هي «الأيام الجيدة» التي تعهَّد بها مودي في أثناء الانتخابات في عام 2014.
الكل خائف
كانت أسانا بيغم تختبئ مع العائلات الأخرى في منزل قريب، بينما كان الغوغاء يمرون بالمنطقة، وقالت إن رجال الشرطة أخيراً اصطحبوهم إلى الأمان، لكن عندما عادوا إلى المنزل لم يجدوا شيئاً. قالت بيغم: «أنا خائفة جداً من العيش هنا الآن. ما الذي يمكنني الاعتماد عليه لأعيش هنا؟ كانت بناتي سيتزوجن، وكنَّا جمعنا كلَّ شيء لهن، ولكنهم لم يتركوا شيئاً، كنَّا قد جمعنا لوازم الزواج كلها، لكنهم لم يتركوا شيئاً». قال متحدث رسمي باسم شرطة دلهي لوسائل الإعلام، يوم الأربعاء، إن 106 أشخاص اعتُقِلوا في أحداثٍ لها علاقة بما حدث في شمال شرقي دلهي، وقال متحدثٌ رسمي: «إننا نحدِّد المذنبين. لدينا لقطات من كاميرات المراقبة، وأدلة قوية». بينما قال نائب مفوض الشرطة في المقاطعة لقناة News التابعة لشبكة CNN إن الشرطة كانت تطوف في شمال شرقي دلهي، يوم الأربعاء، لطمأنة السكان المحليين بأن الوضع تحت السيطرة، وأضاف أنه لا توجد المزيد من البلاغات عن حرائق. وبعد زيارة المناطق التي ضربتها أعمال الشغب في شرقي دلهي، قلَّلَ مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال من أعمال العنف، قائلاً إنه لم تكن هناك «عداوةٌ» بين السكان، وإن المسؤول عن إثارة المتاعب هم «قلة مجرمة». وأضاف: «إن شاء الله سيحلُّ سلامٌ تام على المنطقة».
copy short url   نسخ
29/02/2020
731