+ A
A -
[email protected]د. فاطمة سعد النعيميبسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن تدبر القرآن الكريم، هو طريق الفلاح، وسبيل السعادة في الدارين، فالله تعالى ما أنزل هذا القرآن لنشقى: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى)، بل ليخرج الناس به من الشقاء، ويأمرهم بالصبر على الابتلاء.
فالصبر حبس النّفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش،
وترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله إلا إلى الله؛ لأن الله تعالى أثنى على أيوب- عليه السلام- بالصبر بقوله: (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) مع دعائه في دفع الضر عنه بقوله: (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فعلم أن العبد إذا دعا الله تعالى في كشف الضر عنه لا يقدح في صبره.
يقول الإمام الغزالي- رحمه الله-: من أسماء الله الصبور، وهو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، بل ينزّل الأمور بقدر معلوم ويجريها على سنن محدود، لا يؤخّرها عن آجالها المقدّرة لها، ولا يقدّمها على أوقاتها، بل يودع كلّ شيء في أوانه على الوجه الّذي يجب أن يكون كما ينبغي (المقصد الأسنى).
وورد الصّبر في القرآن الكريم في سياقات عديدة منها الثّناء على أهله كقوله: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ)، والإخبار أنّ أهل الصّبر مع أهل العزائم (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ).
ويقول الإمام ابن القيّم- رحمه الله-: سأل رجل الشّافعيّ رحمه الله- فقال: يا أبا عبد الله، أيّهما أفضل للرّجل أن يمكّن (فيشكر الله عزّ وجلّ) أو يبتلى (بالشّرّ فيصبر)؟ فقال الشّافعيّ: لا يمكّن حتّى يبتلى، فإنّ الله ابتلى نوحا وإبراهيم ومحمّدا- صلوات الله عليهم أجمعين- فلمّا صبروا مكّنهم، فلا يظنّ أحد أن يخلص من الألم البتّة (الفوائد).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» (مسلم).
فالصبر سمة النبيين والصالحين، ودليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، فمعيّة الله للصّابرين وصلاة الله ورحمته وبركاته على الصّابرين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك، وتحول عافيتك وجميع سخطك.
*أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
26/02/2020
673