+ A
A -
د.عثمان البدري أستاذ السياسات العامة بجامعة الخرطوم
في السودان مشروع الجزيرة من ضمن المشروعات والهيئات والمؤسسات القومية التي صدر قرار من مجلس الوزراء الموقر بحل مجالس المديرين فيها أو إقالة مديريها وهي فرصة لإعادة النظر في المنهج الإداري والمؤسسي حتى تعمل تلك المؤسسات بالكفاءة المرجوة والممكنة والمتاحة والمطلوبة منها بحسب الموارد المتاحة لها. فقد تم إنشاء مشروع الجزيرة ابتداء في إطار السياسات الاستعمارية للشمال الصناعي المتقدم اهتداء بالنظرية الاقتصادية الكلاسيكية للاقتصاد الرأسمالي التي عبر عنها رائد تلك المدرسة ادم سميث في كتابه ذائع الصيت والمعروف اختصارا بـ «ثروة الأمم» والذي أكد على أنها مهمة الدولة هي فتح الأسواق لجلب الخامات وخلق الأسواق للصادرات المصنعة لتلك الأسواق البكر في دول ومجتمعات الجنوب الضعيفة.
وقد أدت تلك السياسات الرأسمالية في الداخل لنشوء الطبقات البرجوازية المحتكرة في بلاد الشمال وإلى الدفع الاستعماري الامبريالي جنوبا والتي عبر عنها كارل ماركس بمقولته الشهيرة ان «الامبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية وان الشيوعية أعلى مراحل الاشتراكية». ولقد تم إنشاء مشروع الجزيرة ليخدم أغراض المستعمر ابتداء.. وهذا لا ينفي أنه قد جاء ببعض التغيرات الإيجابية للسكان.. تم إنشاء المشروع ليمد مصانع الغزل والنسيج البريطانية بلانكشير بالقطن المحلوج بعد ان وجدوا مكانا أقرب لهم وان البلاد كانت بها زراعة القطن سابقا. بل وقد ذكر القاضي بيكوك والذي جيء به في أعوام 1906-1910 للقيام بمسح وتسجيل أراضي الجزيرة لقيام المشروع ذكر في كتابه المنشور في انجلترا 1913.. والذي توجد منه نسخة مهترئة بجامعة الخرطوم.. ذكر ان الجزيرة كانت في القرن الثامن عشر تمون أسواق شرق وشمال افريقيا بالمنسوجات القطنية... وليس القطن الخام ونحن بعد حوالي مائة عام من قيام مشروع الجزيرة نجتهد ونشيد بمن يصدره خاما من أفراد وبيوتات تجارية وشركات بل وحكومة.. وقد أنشأت السلطنة السنارية والحكومة الحبشية مركزا مشتركا لتحصيل رسوم صادر المنتجات القطنية. وقد قام ود السني عامل خليفة المهدي عبدالله ود تورشين بمد المهاجرين في بقعة المهدي بأربعين ألف ثوب دمور وعشرة آلاف إردب كبير من الذرة من الجزيرة. وذكر السير هارولد ماكمايكل المعروف بـ «مكميك» والذي قام عبدالله ود جادالله ناظر قبيلة الكواهلة بكسر قلمه حين لم يرض عن حكمه كسرا لصلف المستعمر وهيبته وأصبح لقبه كسار قلم مكميك.. ذكر السير هارولد ماكمايكل ان موازنة حكومة السودان تضاعفت خمسمائة مرة بعد قيام المشروع.. وتم تقديم دراسة في عام 1937 لتعلية خزان سنار ولإنشاء سد أدنى نهر عطبرة وإنشاء خزان بحيرة تاما.. وليس في مكان سد النهضة الحالي وان كانت عائدات المشروع تقسم أربعين بالمائة لكل من المزارعين والحكومة وعشرين بالمائة للشركة المتضامنة The Syndcate نتيجة لإدارتها وبعد التأميم تم تعديل النسب كثيرا لمصلحة المزارع وتم إنشاء مجلس إدارة مشروع الجزيرة.
Sudan Gezira Boatd.. بعد تأميم المشروع في عام 1950 وتم تحديد تكلفة الإدارة الا تزيد على عشرة في المائة من صافي أرباح القطن مقابل القيام بكل مهام إدارة المشاريع الستة المعروفة من التخطيط والتمويل والتحضير والتنفيذ وحتى التسويق والتطوير. ولم يكن من صلاحيات المحافظ ان يسلف وزير المالية جنيها استرلينيا واحدا بدون موافقة مجلس الإدارة حتمعا وليس بالتمرير. وكان آخر محافظ انجليزي هو السير هيو جيتسكل وكان أول محافظ وطني هو السيد مكي عباس وأعقبه وكيل وزارة الداخلية وعميد الخدمة المدنية السيد مكاوي سليمان اكرت ثم وكيل وزارة الداخلية السيد ميرغني الأمين الحاج وهم من أفذاذ الإداريين في السودان ثم انتقل بعد المشروع مديرا للبنك الزراعي السوداني وقد عملت تحت رئاسته مقررا للجنة التعيينات والترقيات تحضيرا للمؤتمر الثاني للإصلاح الإداري أعوام 1973 - 1974 وضمت اللجنة من الأفذاذ مكاوي سليمان اكرت والاستاذ هاشم ضيف الله وكانت تجتمع بمباني معهد الإدارة العامة الساعة الرابعة والنصف مساء ولم تكن هنالك أية حوافز أو وجبات طعام حينها.
copy short url   نسخ
26/02/2020
650