+ A
A -
ســهام جاســـم
«إنّ نسبةً هائلةً من البشر هم أكثر ثقة بقدراتهم مما ينبغي. نعم. هناك كثيرون يبالغون في تقدير أنفسهم. إنّهم ببساطة جريئون للغاية. وحتى إذا كنت تشعر بأنّك تفتقرُ إلى الثقة بالنفس، فقد تُفاجأ بسماع أنّك غالباً لاتزال تثق ثقةً مطلقة ببعض مناحي حياتك على الأقل»..
كان ذلك الاقتباس الذي اتخذته مقدمةً لهذه المقالة من كتاب «مشروع الثقة» لعالم النفس د. روب يونج يتحدث في جزءٍ منه عن تلك الثقة التي يمنحها الإنسان لنفسه في مجالٍ ما قد لا يكون أهلاً له مطلقاً..
إنّ تطبيق النصيحة الكلاسيكية «ثق بنفسك فقط» والتي قد يهمس بها صديقٌ أو أيّ قريبٍ يريد تحفيز أو تشجيع أحدهم ليرمم صدعاً في نفس الآخر، أو قد يقوم الآخر بإجراء هذا الترميم لتلك الصدوع الذاتية المنشأ لديه بطلاءٍ وهمي من تلك الثقة التي تهبه سحنة الإجادة والقدرة الفذة على الإنجاز على أتم وجه، بينما هو يمارس الادعاء وخُذلان النفس بل وإقحامها فيما لا طاقة لها به..
أحياناً كثيرة نجدُ أنفسنا عبارةً عن مجموعةٍ من المتورطين بشدة مع ذلك الواثق بنفسه إلى درجة التيه والغرور في مجالٍ يُحسن كثيراً الادعاء والإيهام بأنّه أهلٌ له، ولا يتقن مثل هؤلاء حرفةً أسهل من إيهام الآخرين بامتلاكهم لتلك القدرة الفذة في ظل انعدام وجودها وانعدام أسبابها باختصار «إنْ لم تكن تفهم أو تعي... تصنع الفهم والاستيعاب» وارمِ بعبء مثل هذا التصرف الأخرق على أولئك المبتلين الذين جمعتهم الأقدارُ بك في ظرف زمني شاق وظرف مكاني وعر..!
إنّ مثل أولئك عبارة عن منجمٍ للحماس لا ينضب لقيادة موضوعٍ ما وإدارته وقلب كيانه في حال رغبتهم بذلك بينما تجد من هم على قدرٍ من الكفاءة والقدرة والفعالية لايتحلون بذرةٍ من ذرات الحماس الموجودة لديهم بل تجدهم مُتخلين تخلي الزاهدين حتى عن أداء أدوارهم الطبيعية بل ومُتبرعين أيضاً بأغلب مساحاتهم للواثقين بالوهم...
ولستُ أجد أحدهما على شيءٍ من الصواب، بل إنني أرى أنّ كليهما على قدرٍ من الاستفزاز..!
اكتناز النفس بالثقة التي يضعف فيها بل ويقصر النظر والرؤية عن إبصار الحقائق بينما هم على يقين بأنّه لا توجد في أدمغتهم خلية واحدة تملك ذلك الوعي والحس الإبداعي فيما يدعونه لدليل على رعونة تلك الرغبة الحمقاء للوصول إلى منازل لا يصلحون لارتقائها..
يقول د.روب يونج: «إلى أيّ مدى سيكون من الشنيع أن تثق ثقةً مطلقةً بأنّك ماهرٌ في شيء معين ومقدرٌ لك النجاح عندما يكون العكس هو الصحيح؟ إنّ مزج الثقة المفرطة بالنفس، بالكفاءة شبه المنعدمة هو ما يجعل مشاهدة تجارب الأداء ممتعة»...
إنّ تلك الدعوة اللطيفة للثقة بالنفس في مجالٍ ما يجب أنْ يرافقها عينٌ مبصرة لمقتضى الحال ولتلك الكفاءة التي نريد أن ندعمها بالقوة النفسية الموهوبة لها من تلك الثقة فالأمر لن ينجح لمجرد ترديد النصائح الكلاسيكية بضرورة أن تثق تلك الثقة العمياء بالنفس..
الثقة بالنفس بصفةٍ عامة ضرورية جداً لكن هذه الوصفة العلاجية النفسية المجانية يجب أن لاتوضع من قبل أحدهم لمن لايملك القدرة على ماهو مقبلٌ عليه، ويجب أنْ لايتخذها رداءً من يعلم علم اليقين باضمحلال كفاءته وقدرته في أمرٍ ما
لأنّ تلك الثقة المجردة لوحدها من المستحيل أن تعمل على تغطية الإخفاقات والنقص الذي قد يشوب أداء ما لمهمة ما...
واثقُ الخطوةِ يمشي ملكاً...
قالها شاعر مدرسة أبولو إبراهيم ناجي وأحد روادها، ولكن هل بوسع المدعي للثقة أن يمشي ملكاً..؟
حتماً لا لأنّ ثقة المُدعي أتت لتُوهم بالعمل ليس إلا...!
ترى كم عدد أولئك المُكتنزين نفسياً بالثقة وتعبئة الذات وضغطها لحد الانفجار الذين لم نرَ منهم سوى الهُراء وما زالوا يفتخرون، ولا يزال الواثقون واثقين جداً..!
كلمــــة أخيــــــرة:
أتركها لجيمس كوردن، يقول:
هنالك فرقٌ بين الرغبة في أن تظهر واثقاً، وبين الشعور الفعلي بالثقة. أعتقد أنني لمراتٍ عديدة كنت أعوض بهذا التظاهر شعوري بالتوتر أو عدم الانتماء.
copy short url   نسخ
24/02/2020
1049