+ A
A -
محمد سي بشير أستاذ جامعي وباحث جزائري
عند تحليل تصريحي الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ووزير الصحة الجزائري عبدالرحمن بوزيد، نصل إلى نتيجة أولية، وهي عدم التنسيق في إخراج صورة اتصالية موحدة للغة الخطاب الحكومي، مما ينتج، حتما، هذا التخبط بين حق ومصلحة، يجب الالتفات بواقعية لتحقيقهما، وتفويت لحقّ ومصلحة، يدفع ثمنه مرضى لا ناقة لهم ولا جمل في هذا التخبّط الاتصالي. وتشير النتيجة الثانية إلى خطّين موازيين، يغالي أولهما في استراتيجية الجزائر الخارجية الموجّهة نحو التنمية لمنطقة حيوية للأمن القومي الجزائري. ولكن، على الخط الآخر، لا يؤدّي الاهتمام بذلك إلى خدمة للمواطن الجزائري في أغلى ما يملك، وهو صحته، حيث تُبرز هذه التصريحات على أنّه في آخر قوائم اهتمامات الدولة، خصوصا أن هذا المواطن هو خطّ الدفاع الأول عن تلك الاستراتيجية.
نصل إلى نقطة مهمة جدا هي التي تفيد بأن تكرار مقاربة التسيير نفسها للسياسة العامة، دفاعية/ أمنية أو صحية، على الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية، هو نتيجة حتمية لبقاء النخبة نفسها التي قامت بالتسيير في السابق على رأس تلك المؤسسات، ليس بأشخاصها، ولكن بتكوينها وتركيبتها ومقاربتها كل الشؤون بدون وضع أدنى اهتمام في الأذهان، عند اتخاذ القرارات، للحاجة للتناسق بين ملفات السياسة العامة، كونها مترابطة، وتداعياتها مركّبة ومعقدّة، إذ إنّ صورة البلاد الخارجية، وهي تساعد دول الساحل في إدارة عجلة التنمية، إبعادٌ لشبح الفشل، هي ذاتها صورة البلد، وهي توفّر لمواطنيها العلاج والدّواء.
ليس المراد هنا إلقاء اللّوم على الجزائر إذا اهتمّت بعمقها الاستراتيجي، وهو اهتمام يبرز عودة إلى الملّفات الاستراتيجية والمبادرة فيها، ولكن الملامة هي لعدم التنسيق بين إبراز هذه الصورة وتلك، واعتبار أن ملفّاتٍ أوْلى بالاهتمام من أخرى، في حين أن ثمّة وشائج تعاضدية بين تلك الملفات، حيث ترفع السياسة الصحية، من حيث الميزانية المرصودة لها، والمؤسسات التي تقوم على ترجمة الاهتمام بالإنسان على المستوى الصّحي، من قيمة مؤشّرات التنمية البشرية التي أصبحت من مؤشّرات تصنيف الدّول في تقارير كثيرة لمؤسسات دولية، من حيث التقدم أو التأخر، النجاح أو الفشل وأيضا، القدرة على الارتقاء بالموارد البشريـة والاستثمار فيها، وهي الجالبة للأموال والمشاريع والتقدّم الاقتصادي.
وقد تفطّنت الوزارة الأولى الجزائرية (رئاسة الحكومة) للأمر، ونشرت بيانا بيّنت فيه أن تصريحات وزير الصحة أُخرجت عن سياقها، كما أبرزت حجم الاستثمار الصحي في علاج مرضى السرطان، ليكون الأمر، ولو متأخرا، تصحيحا لوضع خاطئ على المستوى الاتصالي التنسيقي بين مختلف مصالح النظام، وإبرازا للتكامل بين الملفات، إضافة إلى النظرة الشاملة، وليس الانشطارية للسياسة العامة الأمني/ الدفاعي تماماً في درجة الاهتمام نفسه مع الصحي، التربوي، الجامعي أو الثقافي.
لدينا، بالنتيجة، مقاربة متكرّرة تعتمد على اجترار سياسة عامة بدون تناسق، ثم، بفعل وجود الإعلام البديل، يحدث الانفعال، وهي استراتيجية لن تخدم الصورة والخطاب الجديدين للجزائر الجديدة، حيث إن الاتصال هو فنّ الفعل، ولا يأتي الانفعال إلا عند حدوث الأزمات. ونحن في قضية التصريحيْن المذكوريْن لسنا مع أزمة، بل مقاربة تمّت هيكلتها لتصبح السّلوك الاتصالي الطّبيعي للنّخبة الحاكمة، ما يؤدّي، في الأخير، إلى وجوب إحداث القطيعة مع تلك المقاربة خدمة لسياسة حكومية ذات جدوى وبالأبعاد الإنسانية، أي تجعل من المواطن محور السياسة العامة، منه المنطلق وإليه المنتهى، سواء تعلّق الأمر بالشأن الدفاعي/ الأمني والسياسة الخارجية، أو كلّ ما يمتّ بصلة للمواطن في حياته اليومية، بتوفير سُبُل العيش الكريم في كنف الكرامة التامة.
هناك أخطاء وسلبيات من الطبيعي أن تقع ويتمّ التحدّث عنها، والإيجابي هو قبول الانتقاد، والعمل على عدم تكرار الخطأ بالمسارعة إلى القطيعة مع المسبب له، بمقاربة التعلّم التي وضع الأميركيون أسسها في علم إدارة الشأن الاتصالي، حيث تنطلق الدائرة من الخطأ، شجاعة الحديث عنه، تشخيص مسبّباته، شجاعة قبول الانتقاد، التصحيح ثمّ التعلّم من تلك الدائرة للحؤول دون تكرار الخطأ باعتبار أن تلك المقاربة هي ربح للمال والوقت، ورفع لشأن دافع الضرائب، أي المواطن، في نهاية الأمر.
{ عن «العربي الجديد»
copy short url   نسخ
21/02/2020
372