+ A
A -
كتب – محمد الجعبري
سعياً من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع للاهتمام باللغة العربية ونشرها بين الجيل الجديد من الأطفال والشباب وحثهم على القراءة والتي تعتبر باب المعرفة، شرع فريق معهد قطر لبحوث الحوسبة في تطوير عدد من التطبيقات التي تلبي كل الرغبات لدى الشباب لزيادة نسبة القراءة باللغة العربية، حيث تهدف مؤسسة قطر من تلك التطبيقات والجهود المبذولة، والتي تقوم عليها جميع المراكز البحثية بمؤسسة قطر، زيادة نسبة القراءة والاهتمام باللغة العربية وتغذيتها بين الأطفال لتكون اللغة الأم لدى هذا الجيل، كذلك العمل على دمج عملية القراءة واللغة العربية بالتطبيقات الحديثة والإلكترونيات التي تستحوز على اهتمامات الجيل الحالي.
وفي هذا السياق يقول الدكتور كريم درويش العالم في معهد قطر لبحوث الحوسبة، إنه وبعد أن تعلمتْ ابنته القراءة، أراد أن يغرس في نفسها الاهتمام بالمؤلفات العربية من خلال قراءة الكتب والقصص باللغة العربية، إلا أن ندرة المصادر العربية المعاصرة ذات الجودة في المكتبات الورقية والرقمية وقفتْ عقبةً في طريقه.
ويضيف عن ابنته: «لطالما شجعتُها على القراءة باللغة العربية، لكنها دائمًا ما كانت تقول إنها لا تجد شيئا شيقًا لتقرأه، ذلك أن الكتب أو القصص العربية الجيدة الموجهة للأطفال واليافعين قليلة جدًا مقارنةً بالكتب الكثيرة المنشورة باللغة الإنجليزية في عصرنا الحالي».
ويواصل قائلًا: «أرسلتُ أحد معارفي خصيصًا إلى خارج البلاد ليبحث عن كتب كنتُ قد قرأتُها في صغري، وهي كتب مغامرات نُشرتْ منذ أكثر من 40 سنة، على غرار «الشياطين الثلاثة عشر» و«المغامرون الخمسة» وغيرها. ابنتي الآن شغوفة جدًا بقراءة هذه الكتب!»، لطالما شجعت ابنتي على القراءة باللغة العربية، لكنها دائمًا ما كانت تقول إنها لا تجد شيئا شيقًا لتقرأه.
يعمل الدكتور درويش ضمن فريق في معهد قطر لبحوث الحوسبة التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر. يسعى الفريق إلى تطوير أدواتٍ لإحياء اللغة العربية وتشجيع استخدامها في العالم الرقمي. الفريق يُدعى «فريق تقنيات اللغة العربية»، ويتألّف من باحثين وعلماء ومهندسين ومطوري برامج، ويحتل الصدارة في التصدي للتحديات التي تواجه اللغة العربية في عصر رقمنة المعلومات والتجارب.
يهدف الفريق إلى تعزيز انتشار اللغة العربية وثقافتها وتحسين تجارب مستخدميها عبر الإنترنت، وذلك من خلال سد النقص في المحتوى الرقمي العربي، وتعويض غياب الوسائل التقنية التي تراعي الفروق الدقيقة في كلمات اللغة العربية وتعبيراتها.
حيث يبذل الفريق جهده لتعويض غياب الوسائل التي تعزز القراءة باللغة العربية. وفي هذا الإطار، يقول مجد عبار، أحد أعضاء فريق تقنيات اللغة العربية ومدير تطوير الأعمال والتسويق التجاري بمعهد قطر لبحوث الحوسبة: «اكتشفنا عدم وجود قارئ إلكتروني يدعم اللغة العربية، بما في ذلك عدم قدرة المستخدم على تغيير محاذاة النص من اليمين إلى اليسار والعكس، لتوائم الحاجة للتنقل بين محاذاة النص العربي من اليمين إلى اليسار ومحاذاة الأرقام العربية من اليسار إلى اليمين».
ومن تلك التطبيقات القارئ الإلكتروني «جليس»، والذي يعمل على تطويره فريق من معهد قطر لبحوث الحوسبة كمشروع بحثي، حيث صُمّم هذا التطبيق الإلكتروني ليزوّد الطلاب بأنشطة تحفيزية وتفاعلية من خلال الألعاب ومقاطع الفيديو والمحاكاة الإلكترونية الموجودة بين نصوص الكتب باللغة العربية، الأمر الذي كان له أكبر الأثر في تحسين تجربة الطلاب، حيث يسعى فريق البحث إلى التواصل والتعاون مع وزارة التعليم والتعليم العالي من خلال تطبيق البرنامج على الأطفال ورصد رد فعلهم على البرنامج.
وقال فريق البحث في هذا السياق: «نما إلى عِلمنا أن وزارة التعليم والتعليم العالي في قطر أطلقتْ مشروع الحقيبة الإلكترونية التي تشمل باقة من الأدوات والتطبيقات الإلكترونية للطلاب والمعلمين، فالتمسنا فرصةً للتعاون مع الوزارة لأجل تحسين تجربة القراءة للطلاب في دولة قطر، لا سيّما باللغة العربية».
ويضيفون: «زرنا الفصول الدراسية ورأينا مدى تفاعل الطلاب مع التطبيق الإلكتروني، وقد كانت سعادتهم وحماستهم أكبر دافع لنا لنستمر في العطاء».
يستمر الفريق في عمله لتعزيز المحتوى العربي عبر الإنترنت وتحسين جودته، مطلقًا مشروعه «إثراء»، وهو أداة إلكترونية صُممت خصيصًا لترجمة المحتوى الإلكتروني إلى اللغة العربية باحترافية.
يقول عبار: «يلاحظ العديد من مستخدمي الإنترنت باللغة العربية نقص المحتوى العربي الجيد مقارنةً باللغات الأخرى. ويحتل مستخدمو اللغة العربية المركز الرابع كأكبر مجموعة لغوية من مستخدمي الإنترنت، إلا أن ذلك لا يُترجَم إلى محتوى عربي إلكتروني ذي جودة».
وأضاف قائلًا: «من هنا جاءت فكرة «إثراء»، حيث تعاونا مع «ويكي ميديا» لترجمة مقالات موسوعتها إلى اللغة العربية، وقد نجحنا في ترجمة أكثر من 10 آلاف مقالة باحترافية».
وفي أثناء عمل الفريق على ترجمة مقالات ويكيبيديا، اعترضت طريقهم مشكلة أشد إلحاحًا، يشرحها عبّار قائلًا: «وجدنا أن المعلومات الطبية الموثوقة على شبكة الإنترنت تكاد تكون منعدمة باللغة العربية، ولذا سعينا للحصول على رخصة لترجمة محتوى «مايو كلينك» الإلكتروني إلى اللغة العربية [ «مايو كلينك» مركز أكاديمي وطبي غير ربحي يعد من أفضل المستشفيات في الولايات المتحدة]. كما تعاقدنا مع أطباء عرب للمشاركة في ترجمة النصوص ومراجعتها».
حيث يؤكد السيد مجد عبار، مدير تطوير الأعمال والتسويق التجاري بمعهد قطر لبحوث الحوسبة، أنه لم تتوقف جهود الباحثين عند إثراء المحتوى العربي التقني، بل أرادوا أيضًا ابتكار أدوات تكنولوجية تراعي الفروق في الكتابة العربية وبناء الكلمات، لتضمينها فيما بعد في البرامج والتطبيقات ومحركات البحث.
تختلف أساليب تركيب الكلمات ودرجة تعقيدها باختلاف اللغات، فكلمة واحدة باللغة العربية ربما تترجم إلى جملة كاملة في لغات أخرى. فعلى سبيل المثال: كلمة «أنلزمكموها» تترجم إلى جملة من سبع كلمات باللغة الإنجليزية: “Shall we compel you to accept it?”.
وفي أمثلة أخرى باللغة العربية، قد ينشأ من مصدر واحد مئات التركيبات التي تغير المعنى أو تضيف إليه، الأمر الذي تعجز عن مراعاته الوسائل التكنولوجية المطورة حديثًا، فتعجز مثلًا عن تفكيك تلك الكلمات واستقاء معاني أجزائها المختلفة، وتبعًا لذلك، يحصل مستخدمو محركات البحث باللغة العربية على نتائج أقل، ودقة متدنية، مقارنةً بما يحصل عليه الباحثون بلغات أخرى.
الدكتور حمدي مبارك مهندس برمجيات يعمل ضمن الفريق، ويقول في هذا الإطار: «تضطلع شركات عديدة في الشرق الأوسط، مثل «مايكروسوفت مصر» أو «صخر للبرمجيات»، بتطوير أدوات لمعالجة النصوص العربية، إلا أن هذه الأدوات تبقى داخل جدران تلك الشركات. أما هنا في معهد قطر لبحوث الحوسبة، فنحن نطور أدوات متاحة لاستخدام الجميع، مثل أداة «فراسة»، حيث يمكن للجميع تحميل هذا البرنامج ودراسة شفراته البرمجية، ورؤية كيفية عمله من الداخل، بل وتحسين خوارزميته».
أداة «فراسة» لمعالجة النصوص العربية متاحةٌ على شبكة الإنترنت، ويمكن تضمينها في الخدمات والبرامج المختلفة، مثل برامج تحويل النصوص إلى كلام مسموع، ومحركات البحث والترجمة الآلية، وأدوات تحليل نصوص وسائل التواصل الاجتماعي، ما يمهد الطريق لمطوري البرامج ويلفت انتباههم لمراعاة الفروق الشاسعة بين اللغات، خاصةً تلك التي تتبع نظم تركيب وقواعد مختلفة لبناء الكلمات.
من جانبه قال الدكتور حمدي مبارك مهندس برمجيات في معهد قطر لبحوث الحوسبة: «ما يخبّئه لنا المستقبل في سعينا لتوطيد اتصالنا بالعالم وتفاعلنا مع قضاياه، وضمان المساواة في الوصول إلى المعلومات في العالم الرقمي، علينا استغلال التقنيات الحديثة والحلول المبتكرة لنتصدى للتحديات التي تواجه لغتنا وثقافتنا المحلية.
من جانبه يقول الدكتور درويش إن تحدياتنا تعود في الأساس إلى مشكلة واحدة ربما تكون هي أيضًا بداية الحل وإشراقة الأمل، ألا وهي أن «اللغة العربية تنفصل تدريجيًا عن احتياجاتنا اليومية والعملية؛ فربما تعيش في دولة عربية لسنوات دون أن تشعر بالحاجة إلى تعلم اللغة»، ويواصل قائلًا: «إن خلق تلك الحاجة هو ما سيدفع الناس إلى تبني اللغة في حياتهم اليومية والمطالبة بمراعاتها في المنتجات التي تطرح في السوق الضخمة التي يحتضنها العالم العربي».
قد يتفق الجميع على أن اللغة العربية لن تتلاشى هكذا ببساطة، لأن لها تراثا غنيا متأصلا في العالم العربي، لكن السؤال يظل باقيًا: هل ستتمكن اللغة العربية من مواكبة تطورات عصر رقمي دائم التغير؟
تطبيق «فراسة» هو عبارة عن مجموعة أدوات لمعالجة النصوص العربية بسرعة ودقة، كما أن تطبيق «جليس» هو قارئ إلكتروني يدعم قراءة الكتب باللغة العربية، ويتضمن ألعابًا تفاعلية، ومقاطع فيديو، ومحاكاة إلكترونية.
كما أن نظام النسخ المتقدم من معهد قطر للبحوث والحوسبة، عبار عن أداة لتحويل الملفات الصوتية العربية إلى نصوص وتقديم الترجمة الفورية للكلام من اللغة العربية إلى الإنجليزية والعكس.
تطبيق «برايل إيزي» وهو تطبيق إلكتروني يوفر لوحة مفاتيح باللمس مخصصة للأفراد المكفوفين، تجمع بين سهولة الكتابة بيد واحدة وسرعة الكتابة باليدين.
copy short url   نسخ
19/02/2020
1335