+ A
A -
تحقيق - أكرم الفرجابي
حذّر خبراء ومختصون من ظاهرة «تصوير الحوادث» التي أصبحت ذات أولوية عند البعض حتى على حساب الجوانب الإنسانية والأخلاقية والدينية، مؤكدين لـ الوطن أن مثل هذا السلوك ينتهك حرية وخصوصية الآخرين في «ظروف صعبة»، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تصوير الحوادث ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي في مشهد غير حضاري لا يتفق مع قيمنا ومبادئ ديننا الحنيف الذي يحث على مساعدة الغير، خاصة في أوقات الحوادث والمصائب.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت مؤخراً عن إلقاء القبض على شخص اعتدى على سائق سيارة بالضرب والإهانة اللفظية، بعد أن تداول نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق الحادثة، وعلى الفور قامت «الداخلية» بنشر تغريدة على حسابها الرسمي أكدت فيها أنه قد تم القبض على الشخص الذي اعتدى على سائق السيارة، كما تم القبض على من قام بتصوير مقطع الفيديو.
زاوية قانونية
بدايةً، يقول المحامي خالد المهندي، الباحث القانوني في مكافحة الجريمة السيبرانية والإرهاب الإلكتروني، إن دراسة أسباب تفشي الظاهرة والوقوف على العوامل المسببة لها أمر ضروري، مبيناً أن ظهور منصات التواصل الاجتماعي، وانتشار الهواتف الذكية فتح طرقا جديدة أمام المرتكبين لهذه الظاهرة المجرمة خلقا وشرعا وقانونا، منوهاً بأن هناك من يقوم بالتصوير في مواقع التواصل الاجتماعي بهدف زيادة عدد المتابعين وجذب الانتباه، وهو لا يدرك أنه بتصرفه هذا قد بات تحت طائلة العقاب بنص القانون، إذ نص قانون العقوبات القطري بتعديلات المادة «333» الفقرة الثانية على الآتي: يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين، وبالغرامة التي لا تزيد على (10.000) عشرة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، بغير رضاهم في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وذلك بارتكاب أحد الأفعال الآتية: أولاً: التقط أو نقل صوراً أو مقاطع فيديو لفرد أو أفراد في مكان عام، عن طريق جهاز أياً كان نوعه، بقصد استخدامها في الإساءة أو التشهير، ثانياً التقط أو نقل صوراً أو مقاطع فيديو للمصابين أو المتوفين في الحوادث، عن طريق جهاز أياً كان نوعه، في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
وأضاف المهندي أن المجتمعات باتت ضحية لأمراض العصر الرقمي، فلقد دأب البعض على تصوير الجرائم والأحداث مدفوعا من شهوة التصوير والسبق بنشرها، فالجرائم لم تشهد ارتفاعاً في المجتمع، بقدر ما باتت أكثر توثيقاً وترويجاً، ويمكن تتبع هذه الصيحة الإجرامية من خلال مراجعة الحوادث التي شهدها المجتمع مؤخرا، منوهاً بأن الإجرام أصبح جزءا من عالم المعلومات والترفيه، فبدلاً من قيام المصور للجريمة بإبلاغ السلطات، أو محاولة منعها يقوم بتصويرها وبذلك يعد شريكا فيها، لأنه بالتصوير الذي يعاقب عليه القانون يقدم ويوثق دليل إدانته، وتبقى هذه الظاهرة محط بحث ودراسة في علم الاجرام وعلم النفس، ليبحثاها من كافة الجوانب وفق مقاربة نفسية قانونية للحد منها والقضاء عليها، فتصوير الحدث العرضي يختلف عن تصوير حدث أو جريمة معد لها مسبقا.
زاوية دينية
من جانبه، يؤكد الداعية الإسلامي ثابت القحطاني أن ولع البعض بالتصوير فيه تتبع لعورات الناس وفضحهم، مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)، لافتاً إلى أن تفعيل القانون واتخاذ الإجراءات القانونية ضد من يقوم بالتصوير والتداول لتلك الصور ومقاطع الفيديو التي تشكل إساءة للغير سيحقق الردع المطلوب، وأرجع ظاهرة التصوير غير القانوني إلى انتشار الهواتف الذكية المزودة بكاميرات ذات جودة عالية، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والفراغ، وغياب الوعي بالآثار والعواقب الناتجة عن تصوير الغير بأوضاع غير مقبولة، مبيناً أن الحل يكمن في التوعية بمخاطر هذا النوع من التصوير، وفرض عقوبات صارمة على كل من ينتهك خصوصية الغير، خاصة مصابي الحوادث.
وقال القحطاني إن التصوير في حد ذاته ليس فيه حرج ويساعد الفرد على توثيق اللحظات السعيدة في حياته، ولكن الإنسان لا بد أن يفرق بين ما يجب تصويره وما لا يجب تصويره، فمثلاً لا يجب بأي حال من الأحوال التسابق في تصوير مصابي الحوادث لنشر الصور عبر مواقع التواصل بهدف السبق، لأن هذا فيه أذى للمصاب وأهله، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، فالإنسان إذا ابتعد عمَّا لا يعنيه، ولم يدخل في مشاكل الناس، ولا في سؤال فلانٍ وفلانٍ عمَّا لا يعنيه، فهذا هو من كمال إيمانه؛ لأنه قد يدخل في شيءٍ يضره، أو يُشوش على غيره، أو يُسبب فتنة.
زاوية نفسية
من جهته، تناول الدكتور محمد العنزي، أستاذ جامعي في علم النفس، ظاهرة «تصوير الحوادث» على حساب الجوانب الإنسانية والأخلاقية والدينية من ناحية نفسية، قائلاً: إذا تحدثنا عن سيكولوجيا المصور سنجد أن هنالك دوافع معينة تقف وراء قيامه بهذا السلوك، تتعلق بسعيه وراء الكسب المادي أو تحقيق الشهرة بصرف النظر عن المعايير المهنية والأخلاقية، أو انتقامه من الشخص المراد تصويره بإظهاره للناس وهو في «ظروف صعبة»، وأيضاً من الدوافع قد يكون هنالك دافع مرضي، يرضي من خلاله شخصيته الاستعراضية وشعوره بنقص معين يجعله يقدم على التصوير حتى على حساب الجوانب الإنسانية والأخلاقية والدينية، موضحاً بأنه ليس فقط الضحية من يتأثر بالتصوير، وإنما يمتد التأثير السلبي ليشمل المصور كذلك كونه سيشعر بالندم على هذا الفعل بسبب الرفض الاجتماعي لهذا السلوك بعد تحميله لمقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه سيلقى رفضاً كبيراً لدى أفراد المجتمع الذين سيقومون بكتابة تعليقات فيها نوع من النقد اللاذع أو حتى التطاول بالألفاظ باعتبار أن هذا الأمر يتنافي مع تقاليدنا الأصيلة وتعاليم ديننا السمحة.
ويشير علماء النفس إلى أن الإنسان في وقت الشدة أو عند مواجهة موقف مفاجئ طارئ مثل وقت وقوع حوادث أو كوارث إنسانية تأتي تصرفاته بحسب شخصيته التي جُبل عليها، فالإنسان المقدام والجسور ذو الشخصية المنطلقة أو كما يطلق عليه الشهم يلقي بنفسه داخل أتون الحادث لتقديم يد العون أو المساعدة وأحياناً قد يكون تدخله من دون تقدير لعواقب الأمور وما قد يحدث له من أضرار، أما الإنسان الهادئ أو الخجول فقد يفكر عدة مرات قبل الإقدام على أي عمل وقد يكون تعلم أن تقديم المساعدة لا يكون إلا من المتخصصين حتى لا تحدث مضاعفات للوضع الحالي للإصابة وقد يتعلل أيضاً بأنه لا يريد أن تحدث له مشاكل ومساءلة قد تستدعي مثوله للتحقيق للإدلاء بشهادته وهناك نوع آخر من البشر قد يستغل الفرصة للحصول على لقطات للحادث قد تكون فريدة من نوعها ويستغل هذا الوضع الطارئ ويقدم هذه اللقطات ويعرضها في وسائل النشر المختلفة بغرض تحقيق كسب مادي وهو ما نسميه الشخص الانتهازي الأناني وهناك أيضاً من يمد يده لالتقاط أو سرقه أغراض المصابين وهو ما نسميه الشخص السيكوباتي، وهناك من تسوقه الأقدار ويكون أثناء تصوير بعض المناظر والمشاهد ويقع الحادث أمامه فيستمر في التصوير بدون تقديم أي مساعدة وهو ما نسميه الشخص اللامبالي الأناني.
زاوية تربوية
بدوره، أوضح الخبير التربوي ناصر المالكي أن من يهوى تصوير الآخرين لديه مرض حب الظهور، ويوهم الآخرين بأنه ملم بكل شيء وبأنه واصل وله مصادره الخاصة، وأنه أول من نشر المعلومة أو الفيديو، مؤكداً أن الأسرة لها دور فاعل في رسم الإطار الذي يوجه استخدام الأبناء للأجهزة الذكية في أيديهم وتبيان الإجراءات الاجتماعية الواجبة عليهم في حال المشاهدة والحضور بمواقع الحدث، أيضا المدرسة عليها أن تتكفل ببناء قاعدة سلوكية قوية في فنون التعامل الاجتماعي من خلال عدة مناهج وبرامج والأنشطة الصفية واللاصفية وتعزيز التفكير الناقد الذي يضع مثل هذه الظواهر على طاولة النقاش ويطرحها للحوار الناجح مع المتعلمين وتشجيع نشر ثقافة المجتمع الصحي سلوكيا ونظاميا، كذلك تعاون الأسرة والمدرسة مع الإعلام في تكوين شراكة فاعلة بضرورة التوعية العامة التي تضمن فهم الأفراد للطرق الصحيحة الواجب اتباعها مع مستجدات التقنية أيا كانت ومهما كانت سهولتها وإتاحتها للجميع، بالإضافة إلى تفعيل القوانين التي تجرم مثل هذه التصرفات اللا مسؤولة لتكون رادعا لمن لم يظهر عليه الأثر التربوي واختار أن يخرج عن دائرة الاحترام لإنسانية الآخرين وتقدير خصوصية الموقف.
copy short url   نسخ
15/02/2020
4670