+ A
A -
بقلم : د. عدنان علي ستيتية خبير اقتصادي [email protected]
الفساد
يعرف الفساد بأنه إساءة استخدام النفوذ والسلطة العامة أوالمنصب العام، سواء عن طريق الابتزاز أو الرشوة، وذلك للمنفعة الخاصة على حساب المصلحة العامة، أو اعتماد المحسوبية والواسطة لتخصيص البنى التحتية والمنافع العامة أوعلى أسس مزاجية.
وغالباً ما يكون الموظف العام هو العنصر الأساسي والإيجابي في ترويج الفساد؛ وذلك باستغلال تعقيدات النظم والإجراءات، أو عدم وضوحها والتمتع بصلاحية اجتهادية واسعة، كما إن الفساد يتفشى في القطاع الخاص أيضاً. وتتسم مساهمة بعض العاملين في القطاع الخاص في الفساد، الذي يتعارض مع المصلحة العامة، بالطبيعة السلبية أحياناً والاضطرار بالرضوخ للأمر الواقع والابتزاز، أو بدافع الطمع والحصول على منافع على حساب الغير مع أسس غير عادلة، في ظل غياب الشفافية والمساواة في الفرص.
والفساد قد يكون مصدره أطراف داخلية أو بمشاركة أطراف خارجية، والأخير أصعب مراقبة ويتطلب مهارات خاصة للوقاية منه أو مكافحته.
المسؤولية المجتمعية
بينما تعرف المسؤولية المجتمعية، بمفهومها الشامل على أنها: «المساهمة بالتنمية الشاملة والمستدامة، كلٍ من موقعه، لضمان الالتزام بالجودة الشاملة، والاستخدام الأمثل للموارد وعوامل الإنتاج، لتأمين احتياجات المجتمع من السلع والخدمات الآمنة، وتطوير موارده البشرية، وتحسين البيئة، وحماية مصالح المجتمع وممتلكاته وقيمه، والحفاظ على النظام العام بعناصره الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة».
والمفهوم الشامل وفقاً لما جاء أعلاه، يقدم الإجابة المناسبة على السؤال، ما هي احتياجات المجتمع؟ وعلى من تقع مسؤولية تأمين تلك الاحتياجات؟
فوفقاً للتعريف السابق، فإن احتياجات المجتمع بشكل عام هي التالية:
أ‌) تأمين طائفة واسعة من السلع والخدمات.
ب‌) تطوير الموارد البشرية.
ت‌) تحسين البيئة.
ث‌) تأمين النظام العام بمكوناته، الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة.
ج‌) حماية مصالح المجتمع وممتلكاته وقيمه.
وما يهمنا في هذا المقام تأمين احتياجات المجتمع من الزمرة الأخيرة، وهي حماية مصالح المجتمع وممتلكاته وقيمه.
انطلاقاً من المفهوم الشامل آنف الذكر للمسؤولية المجتمعية، نستعرض فيما يلي وجهاً من أوجه المسؤولية المجتمعية، وهومكافحة الفساد. حيث تؤدي مكافحة الفساد إلى تأمين أهم احتياجات المجتمع، وهي حماية مصالح المجتمع وممتلكاته وقيمه وسيادة القانون والنزاهة العامة والعدالة والإنصاف في توزيع الموارد.
وبالعودة إلى الإطار القانوني النافذ في دولة قطر، فإن قانون عقوبات قطر رقم 11 لعام 2004، حظر وجرم أي وجه من أوجه الفساد، أو ممارسة يكون من شأنها الإضرار بالمال العام أو الإخلال بالنزاهة العامة، ونص على وجه الخصوص على الجرائم التالية:
ا- الرشوة.
ب – الاختلاس والإضرار بالمال العام.
ج – استغلال الوظيفة وإساءة استعمال السلطة.
مجالات الفساد
عندما يتراجع مستوى النزاهة في الوظيفة العامة، وتتحكم بها المحسوبية، فإن الفساد ينتشر ليعم جميع أنشطة الإدارة العامة، سواء في تنفيذ المشاريع الكبرى (الفساد الكبير)، أو في تقديم الخدمة للجمهور (الفساد الصغير)، إلا إن مخاطر نشوء الفساد وانتشاره بسرعة سرطانية، تنشأ حين يتم تنفيذ خطة تنمية وانطلاقة نهضة عمرانية شاملة طموحة وسريعة، وهذا الخطر من المحتمل أن تتعرض له دولة قطر، في ظل النهضة العمرانية، الشاملة التي تشهدها دولة قطر، من تشييد منشآت وتوسع للبنى التحتية بشكل غير مسبوق، هذا مما يستوجب اعتماد وتنفيذ إستراتجية وقائية لوأد الفساد في مهده.
الرشوة
تعتبر الرشوة الشكل الأكثر شيوعاً للفساد، وهي من الجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة، تعرف المادة 140 من قانون العقوبات الرشوة، بأنها قيام موظف عام بطلب أو قبول مال أو منفعة أو مجرد وعد مقابل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة العامة.
بناءً عليه فقد أسس المشرع لاعتبار الوظيفة العامة والموظف العام إما محور الفساد أو صمام الأمان.
أعمال المقاولات والتوريد والأشغال العامة
إن المجال الواسع لانتشار الفساد هو المقاولات، لتنفيذ أشغال عامة أو توريد مواد أو تقديم خدمات للقطاع العام. وقد ينشأ الفساد في المقاولات العامة في مرحلتين:
المرحلة الأولى: عند ترسية المشاريع على المقاولين، حيث يتم التواطؤ بين الموظف العام ومقاول ما، لاستكمال شكلية المناقصة والإخلال بمبادئ الشفافية والمساوة في الفرص، أو باستغلال الموظف العام لصلاحيته الاجتهادية، في حالة التعاقد عند الضرورة، أو التعاقد المباشر، باستدراج عروض الأسعار، أو عدم إلزامية السعر الأدنى، لاعتبارات فنية يمكن للموظف العام أن يكيفها كما يشاء.
أما المرحلة الثانية: فهي مرحلة الغش في التنفيذ، بالتواطؤ مع الموظف العام، حيث تتم ترسية المشروع بمهنية وشفافية، إلا إنه يتم التواطؤ حين التنفيذ سواء في المواصفات أو الكميات، ويتم الاستلام خلافاً للمواصفات أو جدول الكميات المعتمدة.
كما يعزز من انتشارالفساد، غياب الشفافية وعدم الإنصاف والمعاملة التمييزية، وتفضيل فئة على أخرى دون أساس موضوعي (منح الرخص، الفيز، الأراضي الصناعية، التعاقد المباشر، تفضيل المقاول الأجنبي على الوطني....الخ).
آثار الفساد
للفساد نتائج مكلفة على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويمكن إجمال أهم هذه النتائج على النحو التالي:
1 - أثر الفساد على النواحي الاجتماعية: يؤدي الفساد إلى زعزعة القيم الأخلاقية، وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وانتشار الجريمة، كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص.
2 - تأثير الفساد على التنمية الاقتصادية: يؤدي الفساد إلى العديد من النتائج السلبية على التنمية الاقتصادية منها:
- الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلية، وإلى ضعف عام في توفير فرص العمل ويوسع ظاهرة البطالة والفقر.
- هدر الموارد العامة والإضرار بالمال العام دون أي مراعاة للمصالح العامة.
3 - تأثير الفساد على النظام السياسي: يترك الفساد آثارا سلبية على النظام السياسي برمته سواء من حيث شرعيته أو استقراره أو سمعته، منها:
- يؤثر على هيبة الدولة، ويؤدي إلى تشكل مراكز قوى غير دستورية، مما يهدد سلامة الدولة، ومؤسساتها الدستورية والنظام العام.
- يقود إلى الصراعات الكبيرة، إذا ما تعارضت المصالح بين مجموعات مختلفة.
- يسيئ إلى سمعة النظام السياسي وعلاقاته الخارجية.
4 - يضعف مؤسسات المجتمع المدني، والمشاركة السياسية نتيجة لغياب الثقة بالمؤسسات العامة وأجهزة الرقابة والمساءلة.
استراتيجية الوقاية من الفساد
تتمثل استراتيجية الوقاية من الفساد في الآتي:
- تعزيز النزاهة في الوظيفة العامة، التي تشكل صمام الأمان لحماية المال العام؛ فسوء الإدارة وإساءة استعمال السلطة، والتوسع في الصلاحية الاجتهادية، هي التربة الخصبة التي تغذي الفساد؛ لذا يجب تضمين قانون الخدمة المدنية، قواعد للسلوك، أكثر من مجرد سرد للواجبات وللمحظورات وإجراءات التأديب، بل قواعد مشددة وآمرة تتضمن تجريماً لإستغلال الوظيفة العامة، وإساءة إستعمال السلطة والإبتزاز والإضرار بالمال العام، واعتماد تلك القواعد كميثاق شرف وشرط لازم للقبول والاستمرار في الوظيفة العامة.
- الحظر التام على الموظف العام لمزاولة أنشطة تجارية أو أعمال مقاولات خلال فترة خدمته، وتمديد الحظر عدة سنوات بعد انتهاء الخدمة بالنسبة للأنشطة ذات الصلة بوظيفته السابقة.
- اعتماد نظام التصريح بالثروة والممتلكات للموظف العام، ذي الصلة بترسية المقاولات، أو استلام الأعمال والأشغال العامة على كافة المستويات، بما يشمل ذلك الأقارب من الدرجتين الأولى والثانية، وتفعيل آلية مراقبة ومكافحة الإثراء غير المشروع، وتجريم إخفاء المعلومات.
- تطوير خدمات الحكومة الإلكترونية، وتضمينها تفعيل أنظمة إلكترونية لترسية المشاريع على المقاولين، وضمان عدم الاتصال المباشر مع المقاول خلال فترة الدراسة والتقييم.
- اعتماد نظام للتوصيف والتسعير الدقيق قبل طرح المناقصات، أي إعداد واعتماد معايير للمواصفات والأسعار بمساعدة الاستشاريين المعتمدين كمراقبين خارجيين.
- عدم تحميل المقاول أخطاء الاستشاريين أو القصور في الموازنة، وعدم تكليفه بأعمال إضافية خارج نطاق العقد.
اعتماد نظام توصيف عام، ونظام تأهيل موضوعي، حيث يقوم بعض الاستشاريين بالتوصيف وفقاً لمصالحهم أو لمصالح فئة محددة.
- اعتماد العدالة والإنصاف والمساواة في الفرص كأساس لترسية المقالات أو لتخصيص البنى التحتية والمنافع العامة.
- تعزيز وتفعيل الرقابة الداخلية المالية والإدارية في المؤسسات والهيئات العامة، واعتماد نظامي للرقابة المالية والإدارية سابقة للتعاقد ولاحقة بعد التنفيذ، واعتماد إجراءات رقابة غير نمطية، مثل الإشراف غير المبرمج على استلام الأشغال العامة والتوريدات الحكومية للتأكد من حسن التنفيذ.
- تبسيط إجراءات وإعادة تقييم وتحديث نظم المناقصات القائمة، وتقليص الصلاحية الاجتهادية، وتفتيت السلطة وتوزيع المسوؤليات والصلاحيات وكسر احتكار السلطة.
- الاستفادة من تجارب الماضي، وعدم تقليد تجارب الآخرين، وتحليل حالات الفساد المضبوطة، لاستخلاص العبر وللحيلولة دون تكرارها، ولاستنباط إجراءات وقائية.
- تنمية دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد من خلال برامج التوعية بهذه الآفة ومخاطرها وآثارها الهدامة على الاقتصاد والمجتمع.
- التشدد في الترخيص بإعادة المناقصات، حيث تؤدي إعادة المناقصات إلى الإخلال بالشفافية والعدل والإنصاف والمساواة في الفرص وفقدان المصداقية، وتفتح الباب واسعاً للفساد.
- تغيير الموقف العام تجاه القطاع الخاص أفراداً ومؤسسات، واعتباره شريكا حقيقياً في التنمية الشاملة، حيث تساهم المواقف السلبية في تبرير السلوك غير القويم، وإن من شأن تبني موقف إيجابي، قائم على الشراكة الحقيقية، أن يحصن القطاع الخاص بعدم قبول الابتزاز والرضوخ للأمر الواقع للحصول على المقاولات أو الخدمات.
ختاماً: إن من شأن مكافحة الفساد، باعتماد الاستراتيجية للوقاية من الفساد ووأده في مهده، أن يقدم أهم مساهمة للمسؤولية المجتمعية لحماية مصالح المجتمع وممتلكاته وقيمه.
copy short url   نسخ
23/01/2020
386