+ A
A -
كتب - محمد حربي
رغم فداحة الجرائم المتعاقبة، التي يرتكبها الكيان الصهيوني، في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة.. والعربدة الإسرائيلية الضاربة عرض الحائط بالقوانين الدولية، في تحدٍ سافر للمجتمع الدولي، والضمير العالمي، لم يكن صدى العديد من المواقف الرسمية العربية بنفس درجة حرارة الحدث، حتى صوت الشارع العربي، اختفى من ميادين كثيرة، بعد أن تكاثرت عليه الهموم الداخلية، إما في مواجهة أنظمة ديكتاتورية لانتزاع الحرية، أو بحث عن الخبز، والكرامة الوطنية، لينفرد الذئب الإسرائيلي بالضحية الفلسطيني، الذي مزقت الانقسامات صفوفه الوطنية.
الوطن استطلعت آراء، عدد من الأكاديميين والخبراء والمحللين السياسيين، للوقوف على مصير «القضية الفلسطينية»، وقد تباينوا في درجة التشخيص، ولكنهم أجمعوا على أنها غائبة عن اهتمامات العرب رسميا، حاضرة شعبيا..
الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات، أكد أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، قد تراجع في سلم معظم الأولويات العربية، ولم تعد بذات الزخم من الحديث عنها، سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي العربي، وذلك لأسباب عديدة، أهمها: انعدام حالة النظام في الوطن العربي، بمعنى أنه لا توجد هناك منظومة فاعلة متفق عليها، تقود العرب، وترسم مسارا لمواقفهم، وتحدد هذه المواقف، خاصة في ظل اضمحلال دور الجامعة العربية، إن لم يكن قد انتهت، واختزلت دورها في منظمة لتسجيل المواقف، ليس إلا، والأغلب هي مجرد صدى صوت لموقف وزارة خارجية بعينها، أو وزارات خارجية متحالفة، تريد أن تفرض وجهة نظرها، ومن ثم فلا يوجد هناك نظام عربي، بالمعنى الحقيقي.
أيضا، أدى تشتت النظام العربي، إلى بروز حالة من التحالفات الثنائية، أو شبه الثنائية، ورهان الكثر منها على علاقاتها مع إسرائيل، وحصان التطبيع مع الكيان الصهيوني، والهرولة نحو ما يسمى «صفقة القرن»، في مقابل شيطنة النظام الإيراني، على سبيل المثال، كضمانة لبقاء بعض هذه الأنظمة، وهو رهان خاسر، لأن الشرعية الحقيقية، هي الحاضنة الشعبية في الداخل، وعلاقة الحب بين الحاكم وشعبه.
كما أن الحالة الإعلامية المشتتة، والبعيدة عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لايمكن فصلها عن المشهد السياسي بشكل عام، ويرجع ذلك إلى أن الإعلامي، يركز أولوياته على متابعة القضايا، المرتبطة بالأحداث الراهنة، والآنية.
وأضاف الدكتور الخليل، بأنه على الرغم من تراجع القضية الفلسطينية في أجندة، وسلم أولويات بعض الأنظمة الرسمية العربية، وانشغال الإعلام، إلا أنها مازالت تنبض بالحياة في قلب الشارع العربي، الذي يحمل القضية الفلسطينية، بين ضلوعه، وفي صدره، وحاضرة دائما في تفكيره، والدليل على ذلك، تصدر مقاومة التطبيع، والاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، للشعارات الانتخابية التونسية الأخيرة، وكذلك تكرر الأمر في ثورة الجزائر.
لافتا إلى أنه كلما كان هناك متنفسا للشعوب العربية، تكون القضية الفلسطينية هي الأولى، ولذا من الأهمية أن نعيد المسميات إلى أصلها الصحيح، باعتبارها قضية الصراع العربي الصهيوني، وليس الفلسطيني الإسرائيلي، وتثبيت ذلك في صدور الشعوب العربية، لتظل جذوتها مشتعلة في قلوب وصدور، وأذهان الأجيال الجديدة القادمة، لمواجهة المحاولات الإسرائيلية الرامية لاختراق الوعي الشعبي عند العرب، معتمدة في ذلك على عناصرها، ورجالها في السياسة والإعلام، ولكن دون جدوى أمام حالة الرفض الشعبي للتطبيع.
التطبيع مرفوض
أما الدكتور عزالدين عبدالمولى مدير إدارة البحوث بمركز الجزيرة للدراسات، فشدد على ضرورة الانتباه عند الحديث عن مسألة تراجع القضية الفلسطينية على سلم الأولويات العربية، حيث يحتاج ذلك إلى بعض التدقيق والتنسيب، موضحا أنه فيما يتعلق بالموقف الشعبي على سبيل المثال، نجد أنه لا يتطابق مع الموقف الرسمي، بل يمكن القول، إن الموقف الرسمي ذاته فيه تباينات.
وقال إن حضور القضية الفلسطينية، لم يتراجع على المستوى الشعبي، أو أنها تكون قد فقدت مركزيتها في اهتمام الشعوب العربية من مشرقه إلى مغربه، موضحا أن ذلك الاهتمام، قد بدأ واضحا في الشعارات التي رفعها المتظاهرون، خلال الحركات الاحتجاجية على مدى السنوات الماضية في ما يعرف بالربيع العربي، وعكست الرفض العام للتطبيع مع الكيان الصهيوني والمطبعين.
وأضاف أنه على صعيد المستوى الرسمي، فيمكن الحديث فعلا عن تراجع الاهتمام بالموضوع الفلسطيني، خاصة وأن بعض الأنظمة أصبحت ترى في التمسك بالحق الفلسطيني والانتصار لقضية الفلسطينيين عبئا عليها وعائقا أمام تطوير علاقاتها مع بعض القوى الغربية المساندة والداعمة لإسرائيل.
وأكد على أن التقارب مع إسرائيل والتطبيع، وحتى التحالف معها ضد المصالح العربية والإسلامية أصبح على أجندات عدد من الدول العربية، موضحا أنه لا ينبغي أن يمنعنا ذلك من رؤية الجانب الآخر من الصورة، حيث تظل القضية الفلسطينية بوصلة السياسة الخارجية لبعض البلدان، ولعل موقف الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد في اعتبار التطبيع خيانة عظمى وليس مجرد جريمة، دليل على هذا التباين في الموقف العربي الرسمي.
مواكبة الحراك
ويتفق الدكتور شفيق الغبرا، الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي، مع الرأي القائل، بعدم تراجع القضية الفلسطينية على سلم أولويات الشعوب العربية، ولدى المثقفين، وكذلك في أوساط التيارات السياسية في الشارع العربي، بغض النظر عن الانتماءات المذهبية، وتلك المرتبطة بالموجة الثانية من أطروحة التاريخ في عام 2019، سواء الجزائر أو السودان، وأيضا لبنان، والعراق.
وقال، إن القضية الفلسطينية، ربما تراجعت على أجندة بعض الأنظمة الرسمية العربية فقط، موضحا أن النظام العربي الرسمي أصبح يعاني الآن، وهو مثقل بالعديد من المشكلات، والهموم والقضايا، مشيرا إلى أنه من المتفائلين، بعودة النظام العربي الرسمي، يوما ما ليصل إلى نقطة التأقلم مع حراكات الشعوب، ويواكب الحراك الشعبي، وينسجم معها، وأنه على الرغم من وجود تناقض حقيقي، إلا أن التغيير قادم، وستبقى القضية الفلسطينية، هي الجوهر دائما.
لافتا، إلى أن حقيقة جوهر القضية الفلسطينية، ينطلق من طبيعة الصراع العربي مع الصهيونية، التي مازالت تسعى إلى محاولة تقسيم، وإضعاف وتفتيت المنطقة العربية، وتتصرف وكأن إسرائيل دولة فوق القانون والمحاسبة، بل تسببت كثيرا في تسببت في توجيه سياسات الولايات المتحدة الأميركية بالمنطقة، بما يتناقض والمصالح العربية والقومية.
وشدد على أن الصهيونية، تحمل بذور العدائية، بغض النظر عن المبادرات العربية، لأنها لن تكون لها جدوى، والسبب في ذلك يرجع إلى الرفض الصهيوني للتصالح مع العرب، واستمرارها في مخططات الإضعاف، والتقسيم والتفتيت، بل قد تقوم بتعريض البعض العربي للعمل ضد مصالح البعض الآخر، ليظلوا كيانات غير فاعلة، واقتصادات هشة، تابعة، ومنطقة متآكلة مهددة بالإندثار، ومن ثم فإن أي مشروع عربي حقيقي يريد الاستقلال، ويسعى لتحقيق التنمية، وأي خطوة نحو تنسيق مواقف الأمة والوحدة، أو حراك يتطلع للديمقراطية، وإعلاء صوت الشعوب، سيصطدم مع الصهيونية.
ونوه إلى حقيقة هامة، وهي بقاء القضية الفلسطينية، حية، دون أن تكتب لها شهادة وفاة يوما ما، لأنه لو كان هذا ممكن، لتمت كتابتها في زمن الصليبيين، لذلك ستبقى فلسطين، فلسطين قلب الأمة والمنطقة العربية، ولن يختفي، وأكثر من يعرف ذلك هي الحركة الصهيونية ذاتها، لذلك فهي مسبقا، وبشكل مدروس تأخذ سياسة عداء تجاه أي مشروع حضاري، استقلالي، نهضوي، عربي حقيقي. وأن الرهان يبقى على الضمير العالمي، من أجل إفشال المشروع الصهيوني، القائم على سياسة الفصل العنصري، من خلال سياسة التفرقة، وعزل شوارع، والمناطق، واغتصاب أراضي، مما وضع إسرائيل، في إشكاليات عدة على مستوى العالم، وتنامي ظاهرة المقاطعة لمنتجات المستوطنات، التي وصل تأثيرها حتى على المستوى الأوروبي.
مبادرة أحادية
الدكتور إبراهيم سعيدي، أستاذ المنظمات الدولية بجامعة قطر، أكد أن القضية الفلسطينية مازالت حتى يومنا هذا هي القضية المركزية بالنسبة للسياسات الدولية، موضحا أنه حينما ننظر للسياسات الدولية في المنطقة، سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأميركية أو روسيا، أو الاتحاد الأوروبي، فإن من بين الأمور التي تحدد سياساتهم في المنطقة، ليس الحرب على الإرهاب فقط، وإنما الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يعتبر محددا أسياسيا في نظرتهم للشرق الأوسط، وفي علاقاتهم الدولية، وبالتالي فهي مازالت قضية مركزية قائمة، ولكن لم تعد ذات أولوية فيما يتعلق بالدبلوماسية، وفيما يتعلق بتدبير النزاع، أو ما يسمى إيجاد مخرج وحل لما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي.
وقد أرجع هذا إلى أنه على المستوى العربي، لم تعد القضية الفلسسطينية ذات أولوية لغالبية الأنظمة السياسية العربية، وأنه بصيغة أو أخرى، وأن معظم الدول العربية، تركت الفلسطينيين، قائلة لهم، اذهبوا أنتم وشأنكم، وأن أقصى ما يمكن أن نقدمه لكم، هو دعوتكم إلى أن تبحثوا أنتم بأنفسكم عن صيغة معينة للسلام، وبين قوسين «مع إسرائيل»، وبالتالي فمعظم الدول العربية، وأنظمتها السياسية، التي وظفت القضية الفلسطينية في التطبيع، وتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية، أكثر من قناعتها وإيمانها بالدفاع عن القضية، تعتبرها أولوية في سياستها الخارجية، كما أن الجامعة العربية، ومنذ تأسيسها في عام 1945وحتى يومنا هذا كانت دائما تضع في جدول أعمالها القضية الفلسطينية، واليوم لم تعد كذلك في ظل انشغالات الجامعة العربية في إطار ما نسميه بالنظام الإقليمي العربي. وأضاف أنه على الرغم من أن القضية الفلسطينية لم تعتبر أولوية بسبب ما تشهده المنطقة ككل، الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وما عرفت من نزاعات أخرى، تحظى باهتمام الفاعلين الدوليين، إلا أن هذا لا يعني أن القضية الفلسطينية ستختفي نهائيا، وذلك بسبب أنها قضية مركزية لايمكن أن تغطي عليها الظرفية السياسية، حيث بدون حل الصراع العربي الإسرائيلي، فلا يمكن للولايات المتحدة الأميركية، أن تطبق استراتيجيتها في المنطقة، وبطبيعة الحال، لا يمكن للمنطقة أن تعرف السلام، ولا الاستقرار، لأن كل النزاعات، والمواقف الدولية في نهاية المطاف، تلتقي حول النزاع العربي الإسرائيلي، وأثرت بطبيعة الحال على تراجع القضية الفلسطينية، ولكنه تراجع طارئ ونسبي، فلا يمكن لنا القول إن القضية الفلسطينية قد اختفت، لأنها تظل قضية مركزية، لافتا إلى أن الجانب العربي لم يسعى بشكل جدي لإيجاد مخرج للقضية الفلسطينية، حتى أن المبادرة العربية للسلام، حينما أعلن عن تبنيها، قد طرحت قضايا خلافية كبرى، لا تتفق عليها إسرائيل، من بينها عودة اللاجئين، وبالنسبة لإسرائيل فإن هذا غير مقبول، لأنها ستشكل خللا ديموغرافيا بالنسبة إليها، ومنها ترسيم الحدود، حيث لا يوجد هناك اتفاق على ترسيم الحدود، عدد من القضايا الأخرى، مثل العاصمة، هل القدس الشرقية أم الشرقية والغربية، في حين تقول إسرائيل القدس شرقية أو غربية عاصمة أبدية لإسرائيل، وبالتالي، فإن مبادرة السلام لم تنتج سلام، تم تهميشها، فلم ينتبه إليها أحد لا اسرائيلي ولا الاميركي.
وشدد على أن القضية الفلسطينية تمت التغطية عليها، ولم يعد يهتم بها أحد، لأن المنطقة مليئة بعدد من النزاعات، ولا يوجد نظام عربي، وعدد من الدول العربية أصبحت عاجزة، وفيها حروب داخلية، انتجها وتسبب فيها دول عربية أخرى، وأن العالم العربي فيه كثير من المشاكل بعد موجة الربيع العربي، وطبيعي في ظل كل هذا العنف من الصراعات، ان تتراجع القضية الفلسطينية.
ونوه إلى أنه على الرغم من تراجع القضية الفلسطينية الظرفي، فلا يعني هذا انها ستختفي، أو سيتم التخلص منها سياسيا، موضحا أن القضية الفلسطينية شكلت أصلا تجاريا كبيرا لعدد من الانظمة، ولكنها على المستوى الشعبي مازالت حاضرة في الوجدان الشعبي، تعبر عنها الحركات الشعبية في تونس والجزائر عند المثقفين والباحثين، مراكز الأبحاث، لازالت قائمة ومركزية، وحاضرة في الوعي العربي سواء الأكاديمي أو الشعبي، بغض النظر عن درجة أولويتها لدى النظام الرسمي العربي.
هموم ذاتية
ورأى الخبير الكويتي في إدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي، سامي محمد خالد الفرج، أن تراجع القضية الفلسطينية، على أجندة الأولويات العربية، يرجع إلى أنه أصبح لدى كل دولة من الدول همومها الخاصة، ولم يعد بالإمكان الاستمرار في ثوب الاهتمام بالقضية، وبالتالي أصبحت الحقيقة عارية، ولم يعد الكثيرون يتحدثون عن القضية الفلسطينية، حتى الناس منكبون على همومهم الذاتية، ومصالحهم الشخصية، كأولويات لديهم.
وقال إن وسائل الاعلام العربي ذاتها، تعيش نفس الشيء، فلم تعد تهتم بهذا الشيء كما كان في الماضي، وأصبح ظهور القضية الفلسطينية في نشرات الأخبار، هو من باب رفع العتب ليس إلا، كما الحال أيضا في بيانات القمم العربية، بسبب قضايا طارئة، يرى البعض أنها أكثر إلحاحا. وأضاف أن الفلسطينيين أنفسهم، يتحملون جانبا من المسؤولية، بشأن تراجع قضيتهم، في العقل العربي، بخلق عوامل تساعد على ذلك، وقبل كل شيء وحدة الصف الفلسطيني.
الخطاب القومي
ويرى الدكتور صالح ربيع العجيلي، الأستاذ بالجامعة المستنصرية العراقية، أنه خلال النصف الثاني من القرن الماضي، والنصف الأول من هذا القرن، تراجع الخطاب القومي العربي، وبتراجعه، تراجعت معه القضية الفلسطينية، لاسيما في بداية هذا القرن، عندما تزايدت الهجمة الخارجية بهدف تجزئة الأمة العربية.
وقال إن القضية الفلسطينية بدأت في التراجع، بعد وفاة جمال عبدالناصر، وبومدين، وياسر عرفات، الذين تبنوا المواقف القومية، بينما الآن تم اختطاف الجامعة العربية من يد الكبار، وتسليمها لآخرين لا يملكون مقومات القوة، عملوا على بيع القضية الفلسطينية، فتضاءلت أهميتها في نفوس الأمة العربية. وأضاف أن الجامعة العربية التي لم يبق منها إلا اسمها تتحمل الوزر، فلا دور لها سوى تسييد التجزئة، والتسبب في ضياع القضية الفلسطينية، ومن بعدها العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، لافتا إلى أن الأمل في الشباب الواعد لتحرير فلسطين، وأن القضية الفلسطينية ستظل في الضمير العربي، لافتا إلى ضرورة الوحدة الفلسطينية، لأن الإنقسام الداخلي، يؤثر على الموقف العربي.
copy short url   نسخ
23/01/2020
1049