+ A
A -
كتب - محمد حربي
انطلقت بالدوحة أمس أعمال المؤتمر البحثي حول أمن الخليج الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات ومركز دراسات الخليج بجامعة قطر، تحت عنوان: «نحو نظام أمني خليجي جديد: الخروج من المقاربات الصفرية»، ويستمر يومين.
ويشارك في أعمال المؤتمر البحثي نحو 25 متحدثا من منطقة الخليج والعالم العربي، فضلا عن إيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ويناقش مدلول النظام الخليجي وتطوراته لتحديد أطرافه والعلاقات فيما بينها، وموقع النظام الخليجي في النظام الدولي والاقتصاد العالمي لإبراز التكاليف المترتبة على الصراعات في المنطقة.
كما يبحث المؤتمر تجارب النظم الأمنية في منطقة الخليج، بتحليل سياقاتها وأسباب فشلها، والتهديدات الراهنة التقليدية وغير التقليدية، والمقاربات الأمنية المطروحة لبيان قدرتها على التعامل مع هذه التهديدات، فيما يختتم المؤتمر بجلسة حول مواصفات النظام الأمني المنشود.
وفي كلمته الافتتاحية، رحب الدكتور حسن بن راشد الدرهم رئيس الجامعة بالضيوف سواء الذين حضروا من الخارج وبممثلي السفارات، أو بالمشاركين من داخل قطر، وقال: «أثمن باسم جامعة قطر هذا التعاون المثمر مع زملائنا مركز الجزيرة الدراسات الذين نتشارك معهم الرؤية في أهمية المناقشة المعمقة للقضايا التي تساهم في زيادة الإنتاج المعرفي ودراسة وتحليل التطورات الإقليمية والدولية».
وأضاف الدكتور الدرهم أن منطقة الخليج تشهد تطورات خطيرة وتصعيدا يعكس فشلا للترتيبات الأمنية القائمة بصدد منع التغييرات العنيفة وتحقيق الأمن والاستقرار، لقد فشل النظام الأمني الخليجي الجماعي «قديما» في منع غزو الكويت من جانب العراق، وبات عاجزا «الآن» عن حماية أحد أعضائه «دولة قطر» من عدوان عدد من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، تمثل في الهجوم السيبراني على وكالة الأنباء القطرية «2017» ثم الحصار الظالم، والذي مهد للأزمة الخليجية الحالية.
وقال الدكتور حسن اسمحوا لي أيها الحضور الكرام أن أبدي بين أيديكم -وأنتم أهل الاختصاص والخبرة البحثية والعملية- أربعا من الملاحظات يتفرع عنها أربعة من التساؤلات نتوقع من المؤتمر وأهله تقديم الاجابات عليها:
الأولى: يأتي هذا المؤتمر تحت عنوان أساسي «نحو نظام أمني خليجي تم وصفه بأنه «جديد»، التساؤل الذي يثار بهذا الصدد حول: مدى وجود هذا النظام الأمني القديم أساسا» حتى ننتقل منه أو نتحول عنه إلى «النظام الجديد»؟
هل لو كان هناك نظام أمني خليجي قديم أو حتى قريب العهد بالوجود كنا شهدنا ما شهدناه 2017 من الاختراق الأمني السيبراني لوكالة الأبناء القطرية وما أعقبه من حصار أمني واقتصادي وسياسي مستمر حتى الآن؟ بل حتى لو عدنا للوراء قليلا هل لو كان هناك نظام أمني جماعي خليجي «قديم» كانت حدثت مأساة الغزو العراقي للكويت وما تلاها؟!
الثاني: يتفرع من العنوان الأساسي للمؤتمر عنوان فرعي معبر وواضح وهو «الخروج من المقاربات الصفرية» ولكن التساؤل المثار: إلى أي مدى نحن في المنطقة الآن في مقاربات صفرية حتى نخرج منها كما يظهر من العنوان؟
وقال الدكتور الدرهم: الذي يبدو لي بعد تصاعد الأزمة الأخيرة في المنطقة خلال الأيام الماضية أن الأطراف الأساسية إبان تصاعد الأزمة «وما تلاها من جهود الوساطة» كانت حريصة على عدم الدخول في المقاربات الصفرية، ومن ثم فإن التساؤل العكسي هو ما يجب أن يثار: إلى أي مدى نحن في المنطقة داخلون إلى المقاربات الصفرية في قادم الأيام بحيث لو استمر تدهور الأوضاع ولم تفلح جهود الوساطة والتهدئة والتعامل الرشيد مع الأزمات في منطقة الخليج وفي المنطقة ككل؟
الثالث: تعيش المنطقة حاليا حالة من الأزمات وصل بصددها النزاع الدولي إلى مستوى عالٍ من العدائية، يبدو معه للعديد من صنّاع القرار أن الحرب كانت على وشك الوقوع أو أن احتمال حصولها كان مرجحا، اذ النزاعات غالبًا ما تمرّ بمرحلة الأزمة قبل أن تندلع الحروب، وبالتالي فإن التساؤل الحقيقي يكون عن «الإدارة السياسية للأزمة» والتي تعني «العمل على تجنب تحوّل النزاع إلى صراع شامل، وبتكلفة مقبولة، لا تتضمن التضحية بمصلحة أو قيمة جوهرية»، وهو الأمر الذي تحقق حتى الآن وبالتالي ما هي الضمانات لاستمراريته وعدم حدوث تحول جوهري أو تطور دراماتيكي في المعادلات؟
يرتبط هذ التساؤل بالتساؤل التالي:
الرابع: تعني الإدارة السياسية للأزمات منع ظهورها بداية، ثم منع تطورها وتحولها إلى صراعات مفتوحة وحروب التعامل، يتحقق ذلك أو يتم على مستويات ثلاثة تعرفونها: المستوى الأساسي الإستراتيجي، ومستوى التخطيط للطوارئ، ومستوى نطاق العمليات، الواقع أن الإدارة السياسية للأزمات في المنطقة لا تتعامل الآن مع المستوى الأول والأهم «الأساسي الإستراتيجي»، والذي يعني بوضوح تطبيق سياسة متوسطة أو طويلة الأمد تمنع بموجبها نشوء الأزمات وتلافيها قبل تفاقمها، ولكنها تتعامل فقط مع المستويين الثاني والثالث.
التساؤل: ما الشروط ومتى يتم التعامل مع المستوى الأساسي الاستراتيجي للأزمات في المنطقة الخليجية؟؟
الواقع أن استمرار أسباب النزاعات في المنطقة يعني فشل المقاربات الأمنية السائدة استراتيجيا، ويجعل من المهم البحث في مقاربات استراتيجية أمنية جديدة تتعامل مع مختلف التهديدات القائمة وتراعي مشاكل دول المنطقة، ومن الممكن في هذا الصدد الاسترشاد بمنظومات أمنية أثبتت فاعليتها مثل نظام الأمن الأوروبي مع مراعاة الاختلافات...
واختتم رئيس الجامعة كلمته بتأكيد أن جامعة قطر تفخر دوماً باستضافة مثل هذه الفعاليات المهمة، ويأتي هذا المؤتمر بالتزامن مع كثير من التطورات الإقليمية على الصعيد الأمني والتي تستدعي الدراسة والتحليل ورسم سيناريوهات المستقبل، ويسعدني أن يشارك في المؤتمر نخبة من الخبراء والباحثين المحليين والدوليين المتخصصين في القضايا الأمنية والأمن الخليجي.
المتحدثون في المؤتمر
وقد شهدت القاعة العديد من المداخلات الهامة منها مداخلة مدير مركز الجزيرة محمد المختار الخليل، والدكتور محجوب الزويري مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر والدكتور محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر، وقال الدكتور محجوب زويري، مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر إن المؤتمر يناقش قضية الأمن الخليجي وفق رؤية شاملة، وعدم اقتصارها على المفهوم التقليدي للأمن، مؤكدا أهمية محاولة بلورة إطار جديد للأمن، والبحث عن معالم لهذا النظام الأمني الجديد.
وأشار الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات إلى أن هذا المؤتمر مناسبة لتشريح أزمات المنطقة التي عانت طوال الأربعين عاما الماضية، والخروج برؤى تساعد المجتمعات على الخروج من هذه الدوامة التي أفقدتها الأمن النفسي والسياسي والاجتماعي.
وجدد الدكتور الخليل التأكيد في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية على أن هذا المؤتمر تم التخطيط له قبل سبعة أشهر من الآن، وليس له علاقة بالتطورات الأخيرة في المنطقة، متمنيا أن ينجح المشاركون في طرح مقاربات جديدة تأخذ بعين الاعتبار التطورات الأمنية الراهنة والمستقبلية.
وقد تطرق الدكتور محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر إلى تاريخ التحالفات الخليجية التي أخفقت في تحقيق الأمن للمنطقة، ومن بينها درع الجزيرة الذي لم يستطع تقديم أي خدمة حمائية إبان حرب الكويت كما لم يستطع حسم أي صراع من صراعات المنطقة، ما عدا التدخل في أحداث البحرين عام 2011، ولم يكن بكامل مكوناته ودوله.
وضرب المسفر مثالا بالدرع الصاروخي لصد العدوان عن دول مجلس التعاون، وكيف أخفق في حماية الأراضي الخليجية، وقد صرفت عليه المليارات وكدليل على فشله عجزه عن صد صواريخ الحوثيين.
كما تساءل عن دور القيادة العسكرية الخليجية التي نظمت في عام 2012، وانخراط دول الخليج في التحالف العربي لاسترداد الشرعية في اليمن، وأيضا تحالف دول الخليج مع قوى كبرى للحماية، وهنا قال إنها كلها لم تحقق أي أهداف للأسف.
وأضاف أن السعودية شكلت تحالفا إسلاميا بمشاركة دول خليجية لمواجهة الإرهاب تضم 41 دولة، من بينها تركيا وماليزيا، إلا أنه كان تحالفا مبنيا على خلل كبير في الرؤية لطبيعة الحماية التي يمكن أن تقدمها لدول الخليج.
وقال إن دول الخليج ودولا أخرى أعلنت حصارها لدولة قطر في 2017 وهي عضو في مجلس التعاون، فكيف يمكن التعويل على أي تعاون عسكري في هذا الصدد، إلى جانب المخاطر الكبرى التي أصبحت تهدد أمن معبر هرمز في ظل الصراعات الدولية حوله.
كما تحدث الدكتور محمد السعيدي الأستاذ بجامعة قطر عن بنية الدفاع المشترك في منطقة الخليج وتحقيق الأمن، وقال إن دول الخليج استطاعت فقط تشكيل حلف عسكري وليس منظومة دفاعية أمنية متكاملة.
وتحدث عن غياب الرؤية السياسية لدول الخليج كما تفتقد إلى نظرة موحدة لمصادر التهديد.
واعتبر أيضا أن ميثاق مجلس التعاون نص على تأسيس قوة خليجية، وهناك 12 مادة مهمة لم تفعل في الميثاق التي تتعلق بالأمن والدفاع المشترك ومن بينها بناء صناعة عسكرية مشتركة.
وقال إن هناك خللا بنيويا في التفكير الاستراتيجي لدول مجلس التعاون وذلك منذ التأسيس، حيث نذكر أن الأمين العام الأول لمجلس التعاون الخليجي عبد الله بشارة، قال وقتها إن تأسيس قوة عسكرية خليجية جاء لمواجهة التهديد الإيراني وسينتهي بانتهائه، وهذا يبرهن أنه لم تكن هناك رؤية بعيدة المدى للتحولات التي تعيشها المنطقة.
واعتبر أن القوة العسكرية التي بدأت بـ 5 آلاف رجل فقط لم تكن لها قيادة، وكانت تقتصر على القوات البرية، ولم تشمل باقي الوحدات العسكرية الجوية والبحرية، علما أن أي حديث عن دفاع مشترك يقتضي بناء جميع الوحدات العسكرية.
وتوالى المتحدثون في هذه الندوة الهامة التي تعتبر إسهاما معتبرا من جامعة قطر في توضيح مآلات الأمن الخليجي في فترة من أصعب فترات الصراع الجيو سياسي في منطقة الخليج.
copy short url   نسخ
20/01/2020
1032