+ A
A -
بقلم / د. أسامة المريخي
لا أخفي سراً إن قلت إنني من المؤمنين بأن ثقافة كل مجتمع تعود في جزء موسع منها إلى ما يريده مثقفوها وأدباؤها وفنانوها الكبار، فهم في معظم الأحيان المسؤولون عن نشر وترسيخ كثير من القيم الإنسانية والثقافة المطلوبة للمجتمع، لذا فإن السؤال الذي يمكن أن نسأله: هل قدم هؤلاء المثقفون والأدباء والفنانون لمجتمعاتهم وأوطانهم الدور المطلوب منهم؟
وللإنصاف، نعرف نحن المختصين - كما يعرف كثيرون غيرنا - أن هناك من الأعمال الفنية والثقافية القيمة في مجالات متعددة ما لم يتح لها أن تنتشر على نطاق واسع، وفي تصوري أن المتابع للشأن القطري يلحظ أن كثيرا من مثل تلك الأعمال الفنية التي تم تقديمها لم تنل انتشاراً واسعاً بالرغم من تميزها وثرائها، أذكر وبالمناسبة أحد طلائع الفن القطري الذين بدأوا مشوارهم منذ سبعينيات القرن الماضي واستطاعوا من خلال تنوع تجاربهم (تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً) أن يكونوا في مقدمة المثقفين القطريين الذين حرصوا على ألا تكون هناك مساحة أو خط فاصل بين ما يقدمونه وبين ما يماثل أوضاع وطبيعة مجتمعاتهم، حيث يلحظ المتابع لأعمال الفنان سعد بورشيد هذه «الانسيابية» التي توزعت بين مختلف أعمالة -لاسيما الدرامية منها مثل (أحلام البسطاء - صرخة ندم -عيني يا بحر- حكايات شعبية)، كما يستطيع المتابع أيضا أن يتبين أن هذه الاعمال شاركت على طريقتها من حيث البنية والتركيب في استيعاب كثير من القيم المستمدة والمملوءة بصخب تراث وواقع المآسي التي عاشتها وتعيشها كثير من الأسر والأفراد لا في المجتمع القطري فحسب بل وفي مجتمعاتنا الخليجية عموما، خاصة قدرة بورشيد ورفاقه ؛ من خلالها على تجسيد الواقع والمعنى المضمر وراء ما هو مسكوت عنه أو حتى مصرح به، وهي أبعاد شكلت كثيرا من أعماله سواء ما كتبها هو بقلمه أو شارك فيها بشخصه، أيضاً المسرحيات التي قدمها بورشيد مثل في بيتنا مرشح؛ وهي من إخراجه؛ أو نورة؛ والتي كانت من إعداده وتأليفه، لا نكاد نتبين من خلالهما واقعاً منفصلا، إذ يمدُّ بورشيد في هذه الأعمال، شرايين الأضواء على بعض الشرائح المهمشة أو الطبقات التي تحتاج للتعبير عنها، محاولاً كذلك في مرات أخرى معالجة وتفسير تلك الهزائم المتتابعة التي يعيشها الفرد بكل ما فيها من علاقات متشابكة ومتأزمة بين الشخصيات الحاضرة على ساحة النص المكتوب.
أعود في الختام للقول: لا تكمن قيمة الفنان سعد بورشيد، كونه مؤلفا أو ممثلا أو مخرجا فحسب، بل لكونه فنانا حاول أن يبحث في أعماله عن قيم أصيلة في نسق إنساني يحاول الاجابة على كثير من الأسئلة التي تدور في الأذهان، كما لا يفوتني القول إن بورشيد يمتلك بالإضافة إلى رصيده الفني الثري أيضا قدرة واضحة على المتابعة السياسية الرصينة والتي لا تخلو منها تغريداته التي أتابعها بشغف «والتي يرسخ فيها انطباعاً من أنه إذا كانت الكلمة موقفا والفعل موقفا فإن الإنسان كلمة وفعل».
copy short url   نسخ
19/01/2020
455