+ A
A -
ســــهام جاســـم
بعض الأماكن تُشعِرك بالغربة، حتى ليغدو وجودك فيها بمثابة الرحيل والنزوح عن الذات، فتبدو كآخر لم تسبق لك معرفته وأنت تحاول يائساً أنْ تتأقلم، أنْ تعتادَ دونما جدوى..
ثم هأنتذا مُجدداً ذلك الغريب الآخر المختلف في عيونهم، الذي لم يستطعْ حتى أنْ يكونَ ذلك المنتمي المرغوب بعد، والذي لم يستطعْ أنْ يتحولَ إلى سُكرٍ مكرر، ولا إلى ملحٍ معالجٍ كيميائياً ليُعجِبَ الآخر ببراعة الحذق الفطن حين يذوب خلسةً في كيان الجماعة، أيّ جماعةٍ كانت، وكأنّه نوعٌ من النقص الملحوظ لديك أنّك بعد لم تستطعْ أنْ تكونَ من ضمن الجوقة المُرَدِدَة التي كُتِبَ عليها أنْ تُنشِدَ وتُطرِبَ مهما اختلفَ لديها الإحساس والشعور..!
تُرى كم سيتطلب الأمرُ منك من مشقةٍ وجهدٍ عندما تكون ذلك المنافق القدير والمتملِق الذي يُحسن إلحاق الصفات والنعوت بغير أهلها..؟
ومامقدار ذلك النقص الذي سيطالك حينما تتملق وتنافق وتتذلل وتُصانع لأجل أنْ تحوزَ على ذلك الرضا من أحدهم لأجل مصلحةٍ ما في أيّ موقع كنت..؟ هل تظن أنّك ستخسر شيئاً ما..؟ أتظنّه بسيطاً..؟ هل هو بعض منك أم كلّ ؟
هل كل ماسبق يعدّ بالأمر الهيِّن لديك...؟
وهل الأمر يُعدُّ بسيطاً عندما تستجدي بغير حاجةٍ ولا ضرورةٍ مُلحةٍ ذلك الاستجداء المعنوي المُهين..؟ بعضك ليس بقليل كما هو الكلّ كذلك..
يُقال، إنْ لم يعجبوك فارحل، فالراحلون همُ كما يقول المتنبي..
والرحيل ليس نهاية ولا خاتمة، بل هو بداية قد تبدو بهيئة خاتمة، بداية تحمل في يدها مفاتيح لبداياتٍ أخرى كثيرة قد تكون أجمل بكثير مما كنت تحاول أنْ تُرغِمَ وتُلح على نفسك البائسة المسكينة أنْ تعتادَه وتضمّه لسلسلة مُسلَمات الحياة..
خاصةً عندما يرحل الإنسان إلى حيث يجد نفسه..
حقيقة بعض البشر وجهٌ من وجوه الغربة المطموسة الملامح، فالغربة ليست من صنع المكان مُطلقاً كما جرى عليه الظن والاعتقاد، هم يصنعونها وينسجونها حولك عندما لايكونون حقيقيين، أولئك الذين تختفي روح الألفة حيث يُقيمون بل تفرُّ مباشرةً عندما يحضرون..!
وعندما ترحل إلى حيث تكون أنت ستعرف كم كنت نموذجاً طيباً ومكافحاً نبيلاً لتبقى ذلك الغريب الأديب..!
كلمــــــــة أخـــــيرة
نتركها للأديب الألماني يوهان غوته:
من يلعبُ بحياته،
من لاسلطة له على نفسه
سيظلُّ عبداً على الدوام "
copy short url   نسخ
16/12/2019
638