+ A
A -
جمال الهواري كاتب وصحفي مصري
جاء الاتفاق التركي-الليبي بشأن ترسيم الحدود البحرية ويتضمن مذكرتي تفاهم حول التعاون السياسي والأمني في 27 نوفمبر الماضي كقنبلة أظهرت على السطح كم التداخلات والتناقضات والخلافات واختلطت فيه المصالح الجيوسياسية بالجيواقتصادية خصوصًا في وحول منطقة شرق المتوسط والذي أعقبه بأيام قليلة تصريح للرئيس التركي أردوغان خلال افتتاح خط غاز تاناب قال فيه ليس من الممكن تنفيذ أي مشروعات في المنطقة تستثني بلدًا له حدود بحرية طويلة في شرق المتوسط، ولن نسحب سفننا وسنواصل العمل هناك،
في إشارة إلى عمليات التنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص والتي ترفضها اليونان وقبرص اليونانية والاتحاد الأوروبي بحجة عدم مشروعيتها وهي ما تنفيه تركيا وتتمسك بوجهة نظرها وتؤكد عدم مخالفة تلك العمليات للقانون الدولي وهو ما يدعمه إرسال تركيا في 19 مارس الماضي رسالة للأمم المتحدة توضح فيها حدود جرفها القاري وقيامها بإطلاق سفينتي التنقيب عن النفط والغاز «فاتح» و«ياووز» في إشارة واضحة على مضي تركيا قدمًا في التأكيد على حقوقها في تلك المنطقة وهي صاحبة الشواطئ الأطول في شرق المتوسط.
وجاءت تصريحات الرئيس التركي أردوغان الإثنين الماضي خلال مقابلة على التليفزيون الرسمي باستعداد تركيا لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لو طلبت الحكومة ذلك، هذا التصريح يؤكد على جدية تركيا في طرحها لنفسها كقوة لا يمكن تجاوزها وعدم جدوى محاولات عزلها مثل تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة مطلع العام الحالي ويضم مصر واليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل واستبعد كلا من تركيا وليبيا ولبنان وسوريا مستغلًا اتفاق المواقف المناوئة لتركيا والأوضاع الداخلية في الدول الثلاث الأخرى واتفاقيات الترسيم التي تمت بين بعض دول شرق المتوسط دون التشاور أو إشراك تركيا ليأتي الاتفاق التركي-الليبي ليخلط الأوراق من جديد ويحقق لتركيا وليييا الكثير من المكاسب الحالية والمستقبلية ويؤكد في نفس الوقت على بقاء الأوضاع الحذرة المشوبة بالتوتر بين تركيا والأوروبيين وحلفائهم الإقليميين كما هي وتقابل تركيا هذا بتمكنها من المناورة ببراعة بما تملكه من أوراق وما عقدته وتعقده من تحالفات واتفاقيات شرقًا وغربًا وأيضًا استغلال التناقضات والاختلافات على الساحة الدولية واحتفاظها بعلاقات متوازنة مع مختلف الأطراف وهو ما عبر عنه الرئيس أردوغان بقوله أن هم بلاده هو كسب الأصدقاء لا الأعداء.
الأحداث المتسارعة مؤخرًا تظهر تنامي الدور التركي كلاعب رئيس في المنطقة وقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها وأعاد ليبيا للجلوس كطرف أصيل في معادلة ثروات شرق المتوسط وخلط الأوراق ببعضها البعض من جديد وحفظ حتى مصادر الطاقة والنفط داخل ليبيا من محاولات بعض القوى الدولية عبر حلفاء إقليميين وأذرع داخلية من استنزافها والاستحواذ عليها دون الشعب الليبي وارتباط الحكومة الشرعية برئاسة فايز السراج بحليف قوي مثل تركيا وهو ما سيسهم في تقوية موقفه وفي نفس الوقت استفادت تركيا من دحض وإبطال الحجة التي تسوقها الدول المختلفة معها حول عدم ارتباط تركيا بمعاهدات ترسيم الحدود البحرية مع دول معترف بها دوليًا في شرق المتوسط، وستكشف الأشهر القليلة القادمة عن نتائج تلك المتغيرات التي أحدثها الاتفاق التركي-الليبي في معادلة التوازنات في شرق المتوسط وتأثيره على الخلافات التركية-اليونانية حول الحدود البحرية ونزاع بحر إيجة والمسألة القبرصية في ظل الاحتشاد الأوروبي خلفها تدعيمًا لموقفها بالإضافة للخلافات مع فرنسا حول شمال سوريا وشرق ليبيا وتحفز بعض الأطراف داخل الإدارة الأميركية التي ستحاول خلط ورقة شرق المتوسط بصفقة منظومة الـS400 الصاروخية الروسية واستغلالها كمدخل لمناكفة ومعاقبة تركيا وهي نقاط تجعل من الصعب التكهن بما هو قادم في ظل اختلاط خصومة التاريخ وجغرافية المصالح في منطقة امتزجت فيها في الفترة الأخيرة بوجه خاص الثورات وتحالفاتها بالثروات واتفاقياتها ومحاولة كل طرف الاستحواذ على أكبر قدر منها بمختلف الطرق والوسائل في عالم بات الاقتصاد هو محركه الأول والراسم الرئيسي لسياساته وتوجهاته.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
14/12/2019
463