+ A
A -
الدوحة- الوطن الرياضي
أسدل الستار على بطولة كأس الخليج في نسختها الرابعة والعشرين التي أقيمت بدولة قطر والتي شهدت نجاحا منقطع النظير فنيا وتنظيميا وجماهيريا على الملاعب وخارجها لتكون نسخة استثنائية في شكلها ومضمونها، هي الأفضل بلا أدنى شك في تاريخ هذه البطولة التي اشتد عودها مع نهاية عقدها الخامس. من الناحية الفنية قدمت لنا البطولة مباريات ذات مستوى عال جدا وجاءت المباريات غنية بالمواجهات التكتيكية بين المدربين وبالمناورات والتقلبات و«الريمونتادات»، وقدمت لنا في نهاية الأمر بطلا جديدا انتظر الصعود على أعلى منصات التتويج وهو المنتخب البحريني الذي حل رأس الكرة الخليجية خلفا للمنتخب العماني الذي خسر اللقب مع نهاية الدور الأول.
قرارات عادلة ومنصفة
على ثلاث مراحل
قامت البطولة بعملية تصفية أو غربلة للمنتخبات على ثلاث مراحل جاءت الأولى بعد منافسات دور المجموعات وأسقطت من حساباتها في المجموعة الثانية حامل اللقب منتخب عمان ومنتخب الكويت صاحب الرقم القياسي في الفوز باللقب عشر مرات وفي المجموعة الأولى منتخب الإمارات ومنتخب اليمن الحلقة الأضعف فيها.
وفي إجراء منصف جدا احتفظت البطولة بالمنتخبات الأربعة الأخرى وهي الأفضل والأجدر بمواصلة المشوار على درب المنافسة على اللقب وهي من المجموعة الأولى منتخبا العراق أحد المنتخبات المرشحة الأبرز للفوز باللقب وقطر بطل أمم آسيا والمرشح الأبرز للظفر باللقب باعتباره القوة الكروية القادمة في القارة الآسيوية وصاحب الأرض والجمهور، ومن المجموعة الثانية منتخب السعودية المرشح الدائم للعب الأدوار الأولى في المنافسة على اللقب ومن منتخب البحرين الملقب بالحصان الأسود في البطولة وهو منتخب قادر على بعثرة أوراق جميع المنتخبات ومدربيها.
ومع تقدم البطولة وبلوغها منتصف الطريق مع منافسات الدور قبل النهائي، قامت بعملية غربلة ثانية راح ضحيتها المنتخب العراقي الذي خرج على أيدي المنتخب البحريني بالركلات الترجيحية القاتلة 5-3 بعد تعادل المنتخبين في الوقت الأصلي بنتيجة 2-2 في مباراة رائعة، كما صاحبه المنتخب القطري بخسارته المفاجئة أمام المنتخب السعودي بهدف وحيد على الرغم من الأداء المتميز الذي قدمه في مبارياته وعلى الرغم من حرمانه من ضربة جزاء في الوقت القاتل من مواجهته مع المنتخب السعودي من قبل حكم المباراة الرجل الكويتي.
ومع بلوغ البطولة مرحلتها النهائية بالمشهد النهائي كان عليها ان تضحي بمنتخب آخر وتقوم بتصفيته وشملت الغربلة المنتخب السعودي الذي خسر أمام المنتخب البحريني الذي تربع على عرش الكرة الخليجية للمرة الأولى في تاريخه بعد نصف قرن من الانتظار المرير والخيبات الموجعة ليصبح الرقم الصعب في المنطقة حتى موعد النسخة القادمة.
ارتفاع تدريجي
لمستوى الأداء
القصد مما سبق هو ان البطولة احتفظت بقراراتها العادلة بالفرق الأربعة التي كانت الأفضل بنتائجها وأدائها وأسلوب لعبها، وعلى المستوى الفردي في الخطوط والمراكز وعلى المستوى الجماعي، حيث ارتفع مستوى اللعب تدريجيا مع تقدم المنافسة وتكيف اللاعبين والفرق مع الأجواء وانكشاف مزيد من أوراق المدربين إضافة إلى المعالجات التي قام بها المدربون.
وكان من الواضح جدا أن البطولة قدمت لنا أفضل مبارياتها في الدور قبل النهائي حيث سجلنا خطا تصاعديا في أداء اللاعبين والمنتخبات عبر المراحل الثلاث التي أشرنا إليها لتبلغ أعلى مستويات الأداء في الدورين قبل النهائي والنهائي. ومن مؤشرات ارتفاع مستويات الأداء في المراحل المتقدمة من المنافسة التقارب الكبير في موازين القوى بين الفرق الأربعة التي بلغت الدور قبل النهائي حيث عكست النتائج بصدق كبير ذلك التقارب بين موازين القوى إلى درجة ان أيا من بينها كان بإمكانه ان يفوز باللقب، حيث تعادل في الدور قبل النهائي منتخبا العراق والبحرين وتم الاحتكام للركلات الترجيحية القاتلة، وفاز المنتخب السعودي على المنتخب القطري في قبل النهائي الثاني بهدف وحيد وبشق الأنفس، وفي المباراة النهائية فاز المنتخب البحريني على المنتخب السعودي بهدف وحيد وبشق الأنفس أيضا، وما من شك ان هذه النتائج المتقاربة والانتصارات الصعبة تعكس مدى تقارب مستويات المنتخبات الأربعة الا ان التفاصيل الدقيقة قالت كلمتها في البطولة لتحديد الفائز منها والمتوج فيها.
البطولة بين العدالة والشطارة والواقعية
عندما يتعلق الأمر بالبطولة التي تقام بنظام التجمع مثل كأس الخليج، فإن عدة عوامل تدخل لتحديد هوية الفائز والمتأهل والمتوج، وفي هذه البطولة كسائر غيرها من البطولات وعلى الرغم من أنها احتفظت في الدور قبل النهائي بأفضل المنتخبات فإن الفائز أو المتأهل لم يكن بالضرورة الأفضل في بعض المباريات ذلك ان بعض المنتخبات التي حققت أفضلية هجومية من حيث عدد الهجمات ودرجة خطورتها إضافة إلى تفوقها في الاستحواذ على الكرة لم تحقق الفوز بالضرورة على منتخبات اتبعت نهج الكر والفر في المناورة والمجاراة، والمقصود هنا منتخب قطر الذي قدم أداء هجوميا مفتوحا أمام المنتخب السعودي حقق به أفضلية ملموسة من حيث عدد الفرص الثمينة، الا ان ذلك كله لم يشفع لها في التأهل على حساب المنتخب السعودي الذي لم يمسك بزمام المبادرة الا في بعض فترات اللعب، ولعب على أخطاء منافسه أكثر مما سعى لفرض أسلوب أدائه وإملاء شروطه عليه. هذا السيناريو حدث مرة أخرى في المباراة النهائية الا ان الأمور تغيرت ليدفع المنتخب السعودي ثمن اللعب المفتوح والمسك بزمام المبادرة والاستحواذ على الكرة أمام المنتخب البحريني الذي تقمص نفس الدور الذي قام به المنتخب السعودي أمام المنتخب القطري في قبل النهائي. وهذا يبين لنا ان الأفضل لا يفوز ولا يتأهل دائما لأن اللعب الجميل قد يذهب صاحبه ضحية للواقعية التي تتبعها فرق عديدة ومنتخبات من بينها المنتخب البحريني.
بعيدا عن الأضواء
مرة أخرى وكما يحدث في كثير من البطولات والمسابقات فإن الفرق التي تعمل في صمت بعيدا عن أضواء الاعلام والترشيحات هي التي تصل إلى خط النهاية سليمة معافاة ومظفرة، وكما كان الحال بالنسبة لمنتخبنا الوطني في بطولة كأس أمم آسيا الأخيرة عندما دخل البطولة بعيدا عن الأضواء والترشيحات، فإن المنتخب البحريني حضر «لخليجي 24» خارج كل حسابات المنافسة واللقب وفي نهاية الأمر نجده يحقق حلم السنين ويحتفل على أعلى منصات تتويج البطولة، وهذا أمر هام جدا لأن الفريق المرشح للقب تسلط عليه الأضواء ويصبح الفريق الذي لا بد أن يهزم وبما ان الأضواء مسلطة عليه فإن المنافسين يجدون في مواجهته فرصة للظهور الإعلامي والبروز على حسابه، وقد أثبتت الدراسات ان دافعية الإنجاز لدى لاعبي الفرق التي تنافسه ترتفع بشكل آلي وتصبح عاملا مساعدا على الأداء والإبداع والتفوق دون الحاجة لتحفيز اللاعبين.
المنتخب البحريني..
حالة خاصة
يعتبر المنتخب البحريني حالة خاصة جدا في البطولة حيث شق طريقه نحو النهائي في صمت كبير مستفيدا من ابتعاده عن الأضواء وعدم انكشاف جميع أوراقه، خاصة وان المدرب هليو سوزا قد حرص على عدم الزج بجميع أوراقه في المراحل الثلاث من البطولة عبر إدخال تغييرات جذرية على التشكيلة في كل مباراة ضاربا بذلك عرض الحائط بالأعراف المتداولة في كرة القدم والتي تقول بأنه لا يجوز تغيير تشكيلة تحقق الفوز. المدرب سوزا لعب ورقاته التكتيكية بدرجة كبيرة من المجازفة والنجاح وقد ساعده المسؤولون في اتحاد كرة القدم البحريني بعدم الاعتراض عن التغييرات الكبيرة التي كان يدخلها على التشكيلة من مباراة لأخرى ما يعني ان الرجل البرتغالي كانت لديه الحرية الكاملة في تحديد خياراته واتخاذ قراراته وهذا ما لا يحدث في الإدارات الفنية لكثير من المنتخبات من بينها بعض المنتخبات المشاركة في هذه البطولة ومنها ما أشيع عن خيارات مدرب المنتخب العراقي كاتانيتش.
واليوم وقد حقق سوزا اللقب واتضح ان خياراته كانت سليمة وقراراته كانت صحيحة، فإنه من الطبيعي ان يرتقي إلى درجة البطل والعنصر الفاعل والمؤثر في تحقيق إنجاز الفوز بالكأس الخليجية، ولسائل أن يتساءل ماذا لو لم يبلغ النهائي وماذا لو لم يتوج المدرب سوزا وفريقه بالكأس؟ فهل كان سيدفع ثمن تلك الخيارات والقرارات؟
لهؤلاء الذين يتساءلون عن سبب إدخال مدرب البحرين للتغييرات الجذرية على التشكيلة من مباراة لأخرى نؤكد أن سوزا كان يخضع خياراته بكل بساطة للاستراتيجية التي يجهزها للعب في كل مباراة سواء كانت استراتيجية لعب هجومي مفتوح قائم على المبادرة أو استراتيجية لعب دفاعي الطابع قائم على الانتظار واستغلال أخطاء المنافس، وهذا للتوضيح وإنارة البصيرة.
copy short url   نسخ
10/12/2019
1089