+ A
A -
خليل بن الدين إعلامي جزائري
بلغت مدة المناظرة التليفزيونية بين المترشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية ثلاث ساعات. وكانت كافية لاختبار اللياقة البدنية للرئيس الجزائري المقبل. ثلاث ساعات وقوفاً للرد على أسئلة الصحفيين الذين اختارتهم السلطة المستقلة للانتخابات من مختلف وسائل الإعلام، العامة والخاصة. مناظرة تليفزيونية، أو هكذا أريد لها أن تسمّى، وما كانت تحمل من المناظرة إلا الرسم، فالمناظرة، في عهد العارفين، تستدعي قيام الحجة، والحجة المقابلة، ومقارعة هذه بتلك والرد عنها، أو تفنيدها ودحرها، أو تأسيسها ودعمها. كان يُفترض أن تكون أشبه بالمبارزة الفكرية بين المرشحين، من أجل إبراز أحسن ما في برامجهم الانتخابية، وأجداه للمواطنين الذي سيتوجهون بعد غد (الخميس) لاختيار واحد من خمسة مترشحين.
هكذا هو الأمر في عرف المناظرات التليفزيونية في الانتخابات الغربية، يتبارى المتنافسون في تقديم مشاريعهم الرئاسية، وبرامجهم الانتخابية. أما ما حدث في الجزائر فكان أقرب إلى مؤتمر صحفي منه إلى مناظرة، طرح فيها الصحفيون أسئلة، وكرّروها، على مسامع كل المترشحين، في لازمةٍ مملة، فأخذ كل واحد منهم يجلب من زاده أجوبة مكرّرة هي أيضاً، سمعها الجمهور كثيرا في البرامج التليفزيونية التي استُضيفوا في منابرها، وفي أثناء الحملة الانتخابية أيضاً. كانت أجوبتهم بحراً من الوعود، كثيرها يسبح في عمومياتٍ مفرطة، وقليل منها قابلٌ للدلالة والسند، وتوقّع ما ستسفر عنه النتائج في أيام المحكّ المقبلة. كان عزاء المشاهدين الوحيد أنها المرة الأولى التي تقام فيها مثل هذه «المناظرات» في الجزائر، ولكل بدايةٍ عثرات، قد تعالج في الاستحقاقات المقبلة. بهذا الانطباع، استقبل الجمهور أول «مناظرة» تليفزيونية بثتها القنوات الجزائرية العامة منها والخاصة، في سهرةٍ حملت عنوان «الطريق إلى التّغيير» وجمعت المترشحين للانتخابات الرئاسية، عبد العزيز بلعيد، وعبد المجيد تبون، وعلي بن فليس، وعز الدين ميهوبي، وعبد القادر بن قرينة.
هي المرة الأولى أيضاً في تاريخ الجزائر المستقلة التي لا يعرف فيها اسم الرئيس مسبقاً وقبل يوم الانتخاب، فلقد تعوّد الجمهور العام، وجمهور السياسيين في الجزائر، على معرفة اسم الرئيس، يوم ترشيحه، منذ هواري بومدين الذي انتزع السلطة لنفسه من أحمد بن بلة بانقلاب أبيض، وجددها في موعد انتخابي واحد العام 1976، إلى من تلاه من الرؤساء: الشاذلي بن جديد، محمد بوضياف، علي كافي، ليامين زروال، وآخرهم عبد العزيز بوتفليقة الذي جاء إلى قصر المرادية عقب انسحاب ستة مترشحين في انتخابات 1999 بعد يقينهم بأن المؤسسة العسكرية قد حسمت أمرها لصالحه. لم تشذّ السلطة العسكرية عن قاعدة اختيارها لاسم الرئيس الجزائري مسبقا، فهل ستفعلها مؤسسة الجيش هذه المرّة؟ ليتحقق ما كان ضربا من المستحيل، وينتشي بذلك المبشّرون بحيادية العسكر هذه المرة، أم أن ما يبدو للعيان هو عكس ما تضمره الأيام؟ لم يعدم المنذرون، من إشاراتٍ تدل على إعادة إنتاج منظومة الولاء والإملاء، حديث مقرّبين من بن فليس، وبن قرينة عن تقديمهما شكوى لرئيس سلطة مراقبة الانتخابات.
copy short url   نسخ
10/12/2019
161