+ A
A -
نادر العضياني
هناك حاجة مُلحة في التدريس للانتقال من تقديم المحتوى المعرفي إلى ممارسة المعرفة وتعميقها، وهذه مهارة تحتاج من المعلم إلى أن يقوم بتدريب نفسه عليها باستمرار حتى تصبح تكويناً أساسياً من طريقة تقديمه للدرس، وبما أنَّ الحديث ما زال عن «الأجزاء المكونة للمحتوى» والتي قسمناها إلى ثلاثة مكونات أساسية على كل معلّم يريد أن يتقدم مهنياً العمل عليها جميعاً حتى يُثمر جهده، فمثلاً عندما نقوم بغرس شجرة والعمل على سقياها فترة مُعينة ثمَّ التوقف بحجة أن هذا كافٍ أو أنَّ هذا هو كل ما نملك لا يعني بأن الشجرة ستثمر، بل على العكس من ذلك ربما تتوقف عن النمو وتبدأ في الذبول، وهذا هو حال الطالب مع المعرفة، حيث لا يكفي تقديم محتوى جديد عن تعميق ذلك المحتوى. والتعميق لا يأتي إلا مع الممارسة، وهذا هو لُب مقال هذا اليوم.
تعتبر ممارسة المعرفة وتعميقها الجزء الثاني من الأجزاء المكونة للمحتوى الرئيس في الدرس وهي تلي تقديم المحتوى مباشرة، وهذا بطبيعة الحال لا يعني أنَّ يكون تعميق المحتوى في الحصة ذاتها، ولا يعني كذلك أن يكون في حصة أخرى مستقلة، بل هو متروك لتقدير المعلّم لكمية المعلومات المُقدّمة وللوقت المخصص لكل درس، حيث يرتبط الموضوع بالتخطيط العام للوحدة الدراسية، ولكن لا بد أن يتبع تقديم المحتوى ممارسة للمعرفة بحيث تضمن تعميقها في وعي الطالب ووجدانه.
كمعلم مارس التعليم وكمشرف على عملية التعليم، أرى أنَّ هناك خللاً في هذا العنصر المتعلق بتعميق المعرفة لعدة أسباب نذكر منها تواضع خبرات بعض المعلمين وعدم قدرتهم على وضع حلول منطقية تجمع بين تقديم المحتوى وتعميقه، وهذا يؤدي في النهاية إلى تواضع أداء الطلبة في الاختبارات المتعلقة بالأداء، كالاختبارات الدولية أو الاختبار الوطني الذي تمّ إلغاؤه العام الماضي.
ومن هنا تبرز مشكلة تكبر مع الزمن وتزداد كلما تقدَّم الطالب في المراحل الدراسية حتى يُصبح هناك من الطلبة للأسف «أنصاف متعلمين» لا يعرفون سوى رتوش بسيطة عن المواد التي يتعلمونها، مما يجعل حاجز التفكير لديهم في الغالب لا يتجاوز مستوى التطبيق على مستوى بلوم وهذا يعني أن الطالب بتفكيره العلمي ما زال في المستويات الدنيا للتفكير كما تُصنف تربوياً.
وأرى أنَّ التعلم الحقيقي يحدث عندما يستطيع الطالب اختراق مستويات عليا في التفكير وكسر حاجز التطبيق إلى ما بعده حتى يصل إلى التحليل والتركيب والنقد، وهذا لن يحدث مالم يتم معالجة المعرفة من حيث الممارسة والتعميق.
هناك معرفة إجرائية ومعرفة بيانية وكلتاهما مهمة جداً في جانب التعميق؛ ولهذا لابد أن يتبع تقديم المحتوى تعزيز للمحتوى من خلال المعرفة الإجرائية والتي تتضمن المهارات والإستراتيجيات والممارسات، وكذلك من خلال المعرفة البيانية والتي تتضمن كذلك التفاصيل والتتابع المعلوماتي والتعميمات والمبادئ، والعمل على هذه الأجزاء المعرفية الإجرائية والبيانية يتطلب العمل وفقاً لعناصر جزئية سنتطرق لها في المقال القادم بإذن الله وهي عناصر داعمة لممارسة المعرفة وتعميقها ويحتاج المعلم لبذل المزيد من الجهد والوقت حتى تصبح جزءًا من تشكيله المعرفي الذي بدوره يصقل خبراته ويطورها على خطٍ متصاعد حتى يصبح خبيراً في هذه العناصر كافة.
copy short url   نسخ
19/11/2019
641