+ A
A -
محمد أحمد بنّيس شاعر وكاتب مغربي
أعلن إيفو موراليس، يوم الأحد الماضي، تنحّيه عن السلطة بعد أربعة عشر عاما قضاها رئيسا لبوليفيـا، إثر اتساع رقعة الاحتجاجات التي أعقبت فوزه في انتخابات 20 أكتوبر المنصرم، والتي ترى المعارضةُ اليمينية أن خروقا كثيرةً شابتها، وعلى الرغم من أن موراليس أبدى استعداده لإجراء انتخابات جديدة، ودعا هذه المعارضة إلى الحوار، إلا أن تزايد الاحتقان في البلاد عجّل باستقالته، بعد أن تخلى الجيش عنه.
ولعل أول ما يلفت الانتباه في الحدث البوليفي نجاحُ المعارضة في الانعراج بالأزمة السياسية الحالية نحو مساراتٍ تبدو فيها هذه الاحتجاجات وكأنها ضد الاستبداد والفساد وضرب القدرة الشرائية للفئات الفقيرة، كما هو الشأن بالنسبة للإكوادور وتشيلي. هذا النجاح يقابله افتقاد أحزاب اليسار في بوليفيا، وأميركا اللاتينية بوجه عام، القدرة على تجديد موارد التعبئة وتنويعها وفق متطلبات الصراع وميزان القوى الداخلي والإقليمي والدولي.
ارتكب موراليس الخطأ نفسه الذي ارتكبه الرئيس الفنزويلي الراحل، هوغو تشافيز، حين أخفق في مأسسة مشروعه الاجتماعي المنحاز للفئات المتوسطة والفقيرة والسكان الأصليين، فلم يعمل على إيجاد ديناميةٍ سياسيةٍ موازيةٍ تفتح أمام هذا المشروع باب الاستمرارية، من خلال جعله يحظى بدعم مختلف شرائح المجتمع البوليفي، ولم يستطع التخلص من الإرث السلطوي لليسار، بسعيه إلى إيجاد مخرج قانوني يُخوّله البقاء في السلطة لولاية رابعة، على الرغم من أن الدستور ينص على أن مدة ولاية الرئيس خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. فبدا أسير صورة الزعيم والمناضل اليساري الذي يُلهم المخيلة الشعبية للسكان الأصليين الحالمين بتوزيع عادل للأرض والثروة اللتين يستأثر بهما أعقابُ الغزاة الأوائل الذين يشكلون عصب اليمين المحافظ.
قد تعكس محاولة موراليس الالتفاف على الدستور لإعادة انتخابه وبقائه في السلطة رغبته في تعميق إصلاحاته، وتعزيز المكاسب الاجتماعية للفئات الفقيرة المساندة له، لكن استبعاده الديمقراطية، بما هي تداول على السلطة واحترام للتعددية السياسية، وسّع هامشَ المناورة أمام هذا اليمين الذي نجح في تأليب قطاعاتٍ واسعةٍ من الرأي العام ضد نظامه، وحصرِه في زاوية ضيقة، وبالتالي تكريس انحسار ما تعرف بالموجة التقدمية في أميركا اللاتينية.
(يتبع)
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
15/11/2019
134