+ A
A -
ساري عرابي كاتب فلسطيني
قد يحاول بنيامين نتانياهو أن يحقّق عدّة أهداف في الضربتين الأخيرتين اللتين استهدف بهما قياديين كبيرين في حركة الجهاد الإسلامي، حيث فشل في اغتيال عضو المكتب السياسي في الحركة أكرم العجوري في دمشق، ونجح في غزّة باغتيال بهاء أبو العطا، القيادي الكبير في «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وهو الذي تُحمّله «إسرائيل» المسؤولية المباشرة عن عدد كبير من نشاطات المقاومة في قطاع غزّة وردودها على اعتداءات الاحتلال في الآونة الأخيرة.
تكمن خطورة الاستهداف الإسرائيلي في غزّة، في استئناف عمليات الاغتيال وخرق قواعد الاشتباك مع المقاومة، وفي الإعلان الإسرائيلي الواضح عن العملية، تنفيذا وتصريحا، فلم يكن نوع العملية من ذلك النمط الاستخباراتي المبهم والمعقد، وإنما كان قصفا واضح المصدر، تبعه إعلان من أعلى المستويات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية، على لسان كلّ من رئيس وزراء الاحتلال نتانياهو، ورئيس أركان جيشه كوخافي، ورئيس جهاز الأمن الداخلي «الشاباك» نداف أرغمان، ومن المستبعد تماما، وجود خطورة موضعية وراهنة دفعت الاحتلال لهذا الاستعجال في تنفيذ اغتيال مكشوف ومعلن عنه، مما يعني أنّ ثمّة أهدافا سياسية تقف خلفه، وأخرى استراتيجية.
يذهب كثير من المحللين إلى أنّ بنيامين نتانياهو يهرب من أزمته الداخلية وعجزه عن تشكيل حكومة يتحصّن بها من الملاحقات القضائية؛ إلى افتعال مواجهة مع قطاع غزّة، يسعى إلى ضبطها وحصرها في أضيق الحدود، بالاستعانة بالمخابرات المصرية، الوسيط الدائم ما بين الاحتلال والمقاومة، والمراهنة على عدم رغبة حركة حماس في الانجرار إلى حرب واسعة، وفي الوقت نفسه يُحمّل نتانياهو المسؤولية حين الفشل لوزير حربه الجديد نفتالي بينيت، وهو الذي عيّنه في رشوة سياسية لقطع طريق على دخوله حكومة يشكلها حزب «أزرق- أبيض» المنافس لليكود، ويبدو هذا الرأي وجيها، بالنظر إلى الاهتراء المتنامي في النخبة السياسية الإسرائيلية.
يمكننا أن نضع هذا الهدف، من جملة الأهداف التي يسعى نتانياهو لتحقيقها، لكن لا يمكننا تغييب الهدف الأمني والعسكري الواضح من عملية الاغتيال، ابتداء من أهداف استراتيجية موضعية، ترغب في استعادة المبادرة، وترسيخ علوّ اليد الإسرائيلية أمنيّا وعسكريّا، وفرض الموقف على قطاع غزّة، وهو ما كسرته المقاومة في غزّة بعد سلسلة من المواجهات العسكرية بعد انتهاء حرب العام 2014، مرورا بمسيرات العودة، فارضة قواعد اشتباك جديدة، ساهمت في تأزيم الوسط السياسي الإسرائيلي.
يتصل بهذا الهدف، انزعاج الاحتلال من حالة المقاومة التي ساهم الشهيد بهاء أبو العطا في رسم معالمها الراهنة، وعلى نحو انعكس على الأوضاع الأمنية في محيط قطاع غزّة، وعلى التدابير الإسرائيلية تجاه القطاع أخيرا.
وباغتياله يكون الاحتلال قد نفّذ ردّا معلنا على نشاط المقاومة المشار إليه، يطمح منه (أيّ هذا الردّ المعلن) لاستعادة ما يسميه الردع في الجنوب، وفي الوقت نفسه يُفقد المقاومة واحدا من أهمّ قادتها الفاعلين، الأمر الذي يساعده في فرض المعادلة التي تناسبه على قطاع غزّة رغما عن أهلها ومقاومتها. وهو بذلك يحاول الاستفادة من الظرف المحيط بقطاع غزّة، من انقسام فلسطيني، وتطويق للمقاومة الشعبية في الضفّة الغربية، وتحالف شبه صريح مع دول أساسية في المنظومة الإقليمية العربية، وغطاء مطلق من البيت الأبيض في واشنطن.
(يتبع)
{ عن (عربي 21)
copy short url   نسخ
15/11/2019
134