+ A
A -
• أخبرتكم سابقاً (وأخبركم الآن) بأن المدقق اللغوي يحرمني متعة الاستمتاع بما أقرأ من مقالات وأخبار، لأن خطأ ما يقطع علي استرسالي في القراءة، فكأنه حفرة في الطريق تعيق سير المركبة، وقد جمعت لكم خلال يومين فقط من عدد من الصحف العربية المشهورة، ولكتاب من أصحاب الأسماء الكبيرة.
لاحظوا أولاً الركاكة في التعبير «ثم وإنه من المبكر جداً» أي لغة سقيمة هذه؟ «كما لا بد أن لاحظ القراء» إن هذه الجملة أسوأ من سابقتها، أو هما في الركاكة سواء «فإنه من المؤكد بأن» أو هذه الجملة «بصرف النظر عما إذا كان الملل سيدق أبوابه على عشرات الألوف» أنا لا أستهجن هذه اللغة فقط، بل أنكرها، لأني لا أعرفها.
• في الركاكة نفسها نجد استخدامات للكلمات والأحرف في غير محلها «وعندما شاهدها.. حتى استشاط غضباً» ما لزوم الحرف «حتى» احذفوا الحرف وستجدون الجملة أكثر انسيابية وأسهل قراءة.
• الاستشهاد بالشعر قديم عند العرب، حتى روي أن ترجمان القرآن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال «إذا سألتموني عن غريب القرآن، فالتمسوه في الشعر؛ فإنَّ الشعر ديوان العرب» لكننا دعونا مراراً إلى أن يلتزم الكتاب بآداب الاستشهاد وأولها أن يذكر الكاتب اسم الشاعر، إلا إذا كان البيت لم ينسب إلى أحد من الشعراء، وثانيها أن ينقل البيت من مصدر موثوق، لكي لا ينقله خطأ بما يسيء إلى البيت والشاعر، كأن يرتكب الناقل خطأ نحوياً أو صرفيا، أو أن يحذف أو يقدم أو يؤخر فيكسر البيت عروضياً.
كان أحد الكتاب يحكي عن الظلم، واستشهد ببيت مشهور للمتنبي ولكنه أغفل اسم الشاعر فأسقط حقه الأدبي، وأسقط حرفاً من أول البيت فاختل البيت عروضياً، أما البيت في جميع المصادر فهو:
والظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن
تجدْ ذا عِـفّةٍ فلِعِلـَّةٍ لا يظلِمُ
والبيت من قصيدة للمتنبي مليئة بأبيات الحكمة، فماذا فعل الكاتب؟ حذف «الواو» من أول البيت، وفي الشطر الثاني قال «فلعلـَّه» وهذه الكلمة مكونة من ثلاث كلمات: الفاء للعطف أو الاستئناف، ثم «لعل» وهي من أخوات إن، ثم ضمير الغائب المتصل «الهاء» ويعود على «ذا» وقد اختلف المعنى كثيراً عما قصد إليه المتنبي.
• تحدثنا كثيراً عن غير، والقاعدة الأولى أن «غير» لا تعرف بـ «أل» التعريف، مثلها مثل «بعض» وهي من حروف المعاني، وأقرأ كثيراً «الغير» كما قرأت في الأسبوع الماضي «مع الغير أو في الخارج» وقرأت أيضاً «الأسماء الغير مؤهلة» ومما تمتاز به اللغة العربية انسيابيتها الجميلة، اقرؤوا الجملة «الأسماء الغير مؤهلة» هل لاحظتم اختفاء الانسيابية، واقرؤوها الآن كما يجب أن تكون «الأسماء غير المؤهلة» أليست أجمل من السابقة؟ وعلى ذكر «غير» نقول: صحيح أنها للاستثناء مثل «إلا» ولكن لكل شروطها ومواضعها واستعمالاتها، فليس في كل مكان جاءت فيه «إلا» يمكن أن نضع «غير» كقول أحد الكتاب «ولا تفيد غير في».
• ذكرت قبل قليل أن ما ينطبق على غير من عدم جواز التعريف بـ «أل» ينطبق على «بعض» وقد نبهت مراراً إلى هذا الخطأ الشائع كقول أحد الكتاب الذين قرأت مقالاتهم «يبقى العرب وحوشاً مع بعضهم» فكأن العرب صاروا وحوشاً مع «بعض العرب» وليس هذا ما يقصده الكاتب، لذا كان عليه القول «بعضهم مع بعض» أي فيما بينهم.
• سادت في السنوات الأخيرة في الصحافة لغة تقلد الإنجليزية تقليداً أعمى، فلغة الإنجليز تقوم على الجملة الإسمية، بينما الأساس في اللغة العربية الجملة الفعلية، ومما قرأت والأمثلة أكثر من أن تحصى «الحكومة تبدو في نظر المحتجين» لماذا يا صاحبي؟ ألم يكن الأفضل أن تقول «تبدو الحكومة في نظر المحتجين»؟ ذات يوم كتبت إلى كاتب مشهور «تبدو مقالاتكم كأنها كتبت بالإنجليزية، ثم كلفتم جوجل بترجمتها» فكتب رداً علي أن أستاذه في الجامعة علمهم أن الأمر قائم على من الأهم: الفعل أم الفاعل، فكتبت إليه «هذا خطأ حتى لو قاله مائة أستاذ جامعي، وارجع إلى السيرة الشريفة، لن تجد حديثاً واحداً على شاكلة»رسول الله فعل كذا أو قال كذا«بل ستجد دائماً»وقال رسول الله، وفعل رسول الله.. هل في الكون أهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكانت النتيجة أنه قاطعني، ولم يعد يستقبل «إيميلاتي» ولا يرد عليها.
• قبل استخدام الكلمة يجب أن يكون الكاتب متأكداً من معناها واستعمالها، وكان بعض الكتاب يجنحون إلى استخدام كلمات غير شائعة، فبدلاً من القول: إن الشيب غزا شعره، أو إنه بدأ يشيب شعره، يقولون «وخَط الشيب شعر رأسه» والفعل ليس جميل النطق، وتصور أحد الكتاب أن الفعل في الأصل «خطّ» فقال: من خطّ الشيب شعره، وهذا خطأ، وللفعل «خطّ» معنى مغاير تماماً.
• لا نمانع استخدام الكلمات العامية إن لم نجد مبتغانا في الفصحى بشرط تنصيصها بين قوسين ليعرف القارئ أنها من العامية. قال أحد الكتاب المشاهير في مقالته «كان الفن مهنة الصياع» وهذا يعني أنه اعتبرها من الفصحى التي يكتب بها، ولكنها من العامية، وبالتحديد من العامية المصرية، وتقال عادة «الصيّع» وصايع كلمة عامية تحمل عدة معاني وحسب مكانها بالجملة، فقد تعني بدون عمل، أو تعني أنه شخص صعب الاحتيال عليه، أو تعني أنه شخص شرير.
• قدر عشاق اللغة العربية المدافعين عنها أن يخوضوا غمار معارك لا تنتهي مع الأخطاء التي ترسخت. من هذه الأخطاء خطأ صار ملتصقاً بالكتاب كبيرهم وصغيرهم، قديمهم وجديدهم، ذاك هو استخدام وصف «شيِّق» وكم قرأنا هذا الوصف يطلق على حديث أو ندوة أو احتفال أو غير ذلك. في الأسبوع الماضي قرأت لكاتبة تعتني بلغتها، وتستشهد دائما بآيات من التنزيل العزيز قولها «وكنا يشدنا حديث عذب شيق» وعادت لتؤكد بعد قليل «كان حديثاً ممتعاً بأسلوب بليغ شيق» وقد أخطأت في المرتين، والشيق هم المَشوق أو المشتاق قال المتنبي:
ما لاح برق أو ترنم طائر
إلا انثنيت ولي فؤاد شيّقُ
أما ما يهدفون إليه فهو الشائق أو المشوِّق.
• أخجل من اللغة نيابة عن بعض الكتاب الذين يخطؤون أخطاءً شنيعة، وأكاد أصرخ مغتاظاً: أيها الناس، إن هذا مما تعلمناه في الإعدادية، فكيف تخطئون؟ كتب أحدهم: مخالف لما اعتاده الكتاب والصحفيين، يا صاحبي، أليست «الصحفيين» معطوفة على الكتاب الذي هو فاعل مرفوع؟ هل نسيتم القواعد التي تعلمناها قبل أن نصل إلى الثانوية ومنها أن المعطوف يتبع في حركته المعطوف عليه؟
•من الكلمات التي تتكرر كثيراً قول الكتاب «ولا شك أن الأمر» أو قولهم «لا شك أنكم لاحظتم» و«شك» من الفعل «شكَّ» وهو فعل يتعدى بحرف الجر «في» وما ينطبق على الفعل ينطبق على المصدر، لذلك ضعوا حرف الجر في بعد قولكم «لا شك».
copy short url   نسخ
12/11/2019
733