+ A
A -
مدريد- الوطن- زينب بومديان
غرناطة باللغة الإسبانية تعني «الرمان» – جرنادا-، والعرب من حرفوا الاسم لـ«غرناطة» عندما أطلقوه على هذه البقعة الجغرافية التي تقع على سفح جبال سييرا نيفادا جنوب مدينة مدريد، وأكثروا فيها بساتين الرمان التي أحضروا شتلاتها من دمشق السورية، قصة يعرفها الإسبان وخاصة سكان المنطقة الذين يحتفلون كل عام من بداية اكتوبر حتى آخر نوفمبر بموسم جني الرمان «الزُمرد الأحمر» الذي غرسه العرب في حضن التربة الإسبانية ليبقى لقرون شاهداً على حضارة عريقة كانت هنا.
الفاكهة المقدسة
يقول خوسيه ليزوندويا، مسؤول الاتصال والعلاقات بوزارة الزراعة والثروة الحيوانية الإسبانية لـ«الوطن»، إن مدينة غرناطة كانت مركزاً إسلامياً علمياً كبيراً، منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وآخر ولايات دولة الأندلس، ومازالت تحتضن مقر حكم الدولة الأموية «قصر الحمراء»، وأهم ما يميز المدينة هو فاكهة الرمان وهي نفسها شعار المدينة منذ ذلك الحين حتى اليوم، وعندما حضر العرب إلى هذه المدينة التي تطل على البحر المتوسط من الجنوب، وعلى نهر شنيل شمالاً، وتتميز بمناخ معتدل أغلب شهور العام، وجدوا أن فاكهة الرمان هي الأنسب لزراعتها في هذا الطقس، فأحضروا آلاف الشتلات من دمشق السورية، ووزعوها في صورة بساتين على أطراف المدينة وكانت البداية من «جنة العريفي» أو متنزه الأمراء.
تقدير فطري
وأضاف ليزوندويا: سريعاً ما انتشرت البساتين داخل المدن وأصبحت واجهة حدائق القصور والفيلات ومساكن الأثرياء والفقراء أيضاً، بل وامتدت زراعتها حتى على جانبي الطرق والشوارع الرئيسية والجانبية لتصبح غرناطة خلال أقل من عشر سنوات مدينة الرمان، حتى بعد أن سقطت آخر ولايات دولة الأندلس «غرناطة» عام 1492 على يد الملك فرديناد الثاني والملكة إيزابيلا الأولى كانت الملاحظة الغريبة أن أحداً لم يدمر أشجار الرمان حتى تلك التي في الشوارع، رغم تدمير أبنية المدينة والقصور، وذلك تقدير فطري من سكان المدينة وحتى جيوش الملوك الكاثوليك لهذه الشجرة المباركة، واليوم تنتج مدينة غرناطة سنوياً حوالي 300 ألف طن من الرمان، يباع في الأسواق الاسبانية والأوروبية، ويعد الرمان الغرناطي الأول والأكثر شعبية في اسبانيا وأوروبا منذ قرون مضت.
وأضاف أدواردو ماريا، عضو مجلس بلدية غرناطة، أن موسم «الرمان» يعد بمثابة جني الذهب بالنسبة للمدينة، حيث تعم البهجة في كل مكان، في المزارع والأسواق ومعامل صنع المربى والمشروبات من الرمان، ومعامل التجهيز للتصدير، ويعد الرمان مصدر الدخل الأول للمدينة بقيمة 300 مليون يورو سنوياً، وخلال هذا الموسم تحيا طقوس معتادة منذ مئات السنين حيث يتهادى السكان بالرمان، ويقام الاحتفال السنوي في آخر الموسم –نهاية نوفمبر- حيث يرفع شعار المدينة «شجرة الرمان»، تلك الفاكهة المقدسة بالنسبة لسكان المدينة، ويتسابق المشاركون في تقديم الحلوى والمشروبات المصنوعة من الرمان، ويقدم أصحاب المزارع أفضل ما عندهم من فاكهة وأكثرهم إنتاجاً ورعاية لبستانه يحصل على جائزة تميز، ويحرص سكان المدينة على زراعة كل شبر في غرناطة بأشجار الرمان، حتى الشوارع تنتشر فيها الشجرة المباركة، وامتدت زراعة الرمان للمدن الإسبانية الأخرى لتتميز إسبانيا بإنتاج الرمان إلى جانب الزيتون والفراولة.
وأوضح ماريا، أن أصناف الرمان الغرناطي كثيرة لكن أميزها وأكثرها شعبية هو «الرمان الدمشقي»، ويتميز بلونه الأحمر الداكن ومذاقه البالغ الحلاوة، حيث تتركز فيه نسبة السكر الطبيعي بدرجة كبيرة لذلك يخصص إنتاجه لصناعة المربى والمشروبات، أما الرمان الأسود «وهو أيضا صنف عربي» فيفضل في الأكل مباشرة طازجا، والرمان الأبيض من أصول مغاربية يستخدم لأغراض دوائية وتجميلية، حيث المعروف أن الرمان يحتوي على عناصر غذائية عالية جدا وفوائد صحية لا حصر لها، ولهذا يحبه الإسبان والأوروبيون وخاصة الرمان الاسباني الطبيعي الخالي من المواد الكيميائية والعناصر الضارة، حيث تتبع في اسبانيا طرق متحضرة جدا للزراعة والجني، أغلبها لا يعتمد على المبيدات والمخلقات التسميدية الكيميائية الضارة، ويعتمد في المقام الأول على التسميد الطبيعي وسبل مكافحة الآفات والفطريات بالطرق الطبيعية الصحية، وهذا ما يميز «رمان غرناطة».
copy short url   نسخ
09/11/2019
23522