+ A
A -
حاوره في طوكيو / محمد حربي
أكد البروفيسور تاناكا أكيهيكو، رئيس مركز الدراسات باليابان، رئيس وكالة التعاون الدولي الياباني «جايكا» السابق، ومسؤول الاتصال الياباني مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن دولة قطر تعتبر رائدة العمل الخيري والإنساني، بما تقدمه من مساعدات إغاثية على مختلف الأصعدة، وفي جميع المجالات عالميا، ونموذجا فاعلا، وتعبيرا حقيقيا عن القيم القطرية النبيلة، والمبادئ السامية للشعب القطري في التضامن مع بني الإنسان، لمواجهة ما يتعرض له من كوارث، وأزمات، أينما كان، مشيرا إلى ما حققته الحكومة القطرية من نهضة وتنمية، وكذلك تحقيق معدلات دخل للفرد هي الأعلى على مستوى العالم، وفقا للمؤشرات الاقتصادية، لافتا إلى أنهم يتطلعون إلى تعاون قطري مع «جايكا» لخدمة المشاريع الإنسانية.. جاء ذلك في حوار خاص لـ «الوطن»، فيما يلي نصه:
{ كيف تقيمون دور دولة قطر الإغاثي؟
-نحن نتابع بشكل جيد، ما تقدمه دولة قطر من مساعدات إغاثية، على مختلف الأصعدة، وفي جميع المجالات، مما يضعها في الصدارة، كرائدة للعمل الخيري والإنساني، وهذا له أصداء طيبة على الصعيد الأممي، ومشهود له دوليا.
{ ما أهمية الدور القطري في مجال الدعم الإنساني؟
من الأهمية، أن تقوم الدول التي لديها فوائض مالية بدور إنساني، وتعتبر دولة قطر نموذجا فاعلا، في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية، وتعبيرا حقيقيا عن القيم القطرية النبيلة، والمبادئ السامية للشعب القطري في التضامن مع بني الإنسان، لمواجهة ما يتعرض له من كوارث، وأزمات، أينما كان.
{ بصفتكم توليتم رئاسة وكالة التعاون الياباني الدولي «جايكا»، ما هي أوجه التعاون بينكم وبين دولة قطر؟
- جوهر عمل «جايكا»، ينصب على الدول النامية، التي تحتاج للدعم، ومنها الدول العربية كالعراق، والأردن، ومصر، وسوريا، ولكن بالنسبة لدولة قطر، فهي لا تحتاج للدعم، بفضل ما حققته من نهضة وتنمية، ولديها أكبر معدل لدخل الفرد، على مستوى العالم، وذلك وفقا للمؤشرات الصادرة عن مؤسسات متخصصة دوليا، وضعت التصنيف القطري في مرتبة متقدمة، والأعلى دخلا عالميا، بالاستناد لمؤشرات اقتصادية، وإجمالي الدخل القومي ومستوى النمو الاقتصادي، وغيرها من المؤشرات.
{ إذا حدث التعاون بين دولة قطر و«جايكا» على صعيد المشروعات الإنسانية العالمية.. ما هي أهم الثمار المرجوة؟
-أعتقد أن هذا التعاون إذا حدث، سوف تكون ثماره جيدة، نظرا لقدرات دولة قطر الفاعلة في مجالات العمل الإنساني، والدعم الإغاثي، وبالتالي بإمكانها تعزيز ميزانية البرامج في المجالات الإنسانية والتنمية، بما يخدم الإنسان.
أولوية المشروعات
{ ما هي المشروعات التي سيكون لها الأولوية، في حال كان هناك تعاون بين قطر و«جايكا»؟
-بالتأكيد، سوف نبحث عن المشروعات الإنسانية الأكثر إلحاحا، ومن وجهة نظرنا، ينبغي أن نعطي الأولوية لقضايا تنمية الموارد البشرية على المدى الطويل، بجانب الاهتمام بعملية التعليم، والطب، باعتبارها ركائز حقيقية لنهضة المجتمعات.
{ من وجهة نظركم.. ما هي أهمية تركيز الدول على قضية التعليم؟
-التعليم هو مفتاح التنمية، والعنصر البشري هو رافد أساسي لأي عملية نهضة، كما أن الإدارة الرشيدة دائما تحسن الاستغلال الأمثل لما لديها من موارد، دون إسراف أو إهدار وتبذير، وتوظيف الطاقات والقدرات التي لديها، واستخدام الوسائل المثلى للإنتاج، الصناعي والزراعي، لتحقيق أقصى ما يمكن من النمو الاقتصادي، الذي يضمن الوصول إلى معدلات مرتفعة من الرفاهية للإنسان، وكما يقول المثل «لا تعطيني سمكة، بل علمني كيف أصطادها».
التعليم والأخلاق
{ بحكم دراساتكم لنظريات الفلسفة السياسية.. هل الفساد أزمة تعليم أم أخلاق؟
-الاثنتان، ففي داخل التعليم، تكون الأمور الأخلاقية مشمولة، وكذلك رفع القدرات الادارية، الأمر الذي يؤدي إلى منع الفساد، وفي نفس الوقت فإن تنمية الموارد البشرية، وخلق كوادر لديهم نظرة للتطوير على المدى الطويل، من أعلى الهرم لأسفله، تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في منع الفساد.
{ حدثنا عن تجربة التعاون بينكم وبين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين؟
-يوجد تعاون وثيق بين وكالة التعاون الدولي اليابانية «جايكا»، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، وهناك تنسيق، وتعاون دائم بشكل فاعل بين الجانبين، حيث تقدم حكومات اليابان مساعدات إنسانية للدول المستضيفة، لدعم قدراتها على تقديم الخدمات اللازمة لهؤلاء اللاجئين، خاصة فيما يخص التعليم من خلال إنشاء المدارس، والمساهمة في مشاريع التنمية الأخرى، كما حدث في جنوب تركيا، لتلبية احتياجات السوريين المتواجدين، ويعيشون ظروفا قاسية داخل المخيمات، ونفس الشيء حدث في الأردن، وغيرها، فإن هذه الظاهرة تحتاج لتضافر الجهود الأممية من أجل التعاون لدعم المنظمات الدولية المتخصصة، حتى تستطيع تلبية احتياجات موجات اللاجئين، الذين يكونون ضحايا الحروب ويفرون من مناطق الصراعات.
الدعم الإغاثي
{ ما الذي يجعل المنظمات الدولية، غير قادرة على حل مشكلة اللاجئين؟
-وفقا لإحصائيات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فإن المجتمع الدولي لا يقدم ما فيه الكفاية من الدعم الإغاثي في الوقت الراهن، مما يجعل هناك فجوة باستمرار، بين عدد اللاجئين وحجم الخدمات المقدمة لهم، فضلا عن المواقف السلبية من سياسيين في الدول الغربية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، تجاه اللاجئين، مما يجعل هذه المجتمعات ترفض استقبالهم، ويزداد تفاقم المشكلة في الوقت الراهن.
{ إلى أي مدى كنتم تتوقعون أن يحدث الربيع العربي، وقيام الثورات بالمنطقة؟
-لم نكن نتوقع حدوثها، وللأسف دفع الثمن كثير من الضحايا، الذين سقطوا، وخاصة في سوريا وليبيا، ولكن ينبغي ان يكون للشعب قدرة على اختيار الحاكم، وخلق مناخ سياسي ملائم.
أسوأ السيناريوهات
{ ما هي أسوأ السيناريوهات التي قد يتعرض لها العالم خلال المرحلة المقبلة؟.. وهل نتجه نحو حرب عالمية ثالثة؟
-من الصعب التكهن، أو توقع سير الأحداث والسيناريوهات للأوضاع العالمية، ولكن لا أظن ان يقع شيء بحجم الحرب العالمية الثالثة، وإن كان ليس من المستبعد حدوث صدام بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ولا أظن أن أحد البلدين يفكر في خوض الحرب ضد الآخر.
{ وماذا عن روسيا؟
-نعم روسيا لديها القوة العسكرية، ولكن هناك أبعادا اقتصادية وتكنولوجية، أقل من الصين.
{ إلى أي مدى تعتقدون في أهمية القوة العسكرية للأمن القومي؟
-المهم أن تكون للردع، وليست بهدف إشعال الحرب ضد الآخرين، ونحن نرى أن إمكانية حدوث حرب ضد اليابان ليست صفرا، بحكم محيطها، ولذلك كان لابد من التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية لتحافظ على أمنها.
{ هل تحالف اليابان مع أميركا، يعني عدم قدرة اليابان على تحقيق الأمن القومي لنفسها؟
-لا يعني التحالف، أن اليابان لا تملك القوة العسكرية، بل لديها قوات الدفاع الذاتي، التي هي واحدة من أقوى القوات في العالم، وفي آسيا، ويتم تخصيص ميزانية عسكرية مرتفعة، واليابان تعتبر أن الدبلوماسية لها أهميتها في تحقيق التنمية والسلام، و«جايكا» هي واحدة من أذرع الدبلوماسية الناعمة لليابان.
الدبلوماسية اليابانية
{ بمناسبة الحديث عن «جايكا» ما هي أهم ملاحظاتكم وانطباعاتكم عنها كمسؤول سابق؟
- من وجهة نظرنا، وتجربتنا السابقة، نرى أن «جايكا»، أو وكالة التعاون الياباني الدولي، كمنظمة حكومية مستقلة، لها شبكة كبيرة في الخارج، ومشاريع عديدة حول العالم، لذا فهي مؤسسة مهمة جدا للدبلوماسية اليابانية، وجسر للتواصل بين اليابانيين، وشعوب الدول النامية، لمساعدتها على النمو الاقتصادي، والاجتماعي، وعبر مشاركات عديدة، من بينها تبادل الخبرات، والمعرفة، لبناء عالم أكثر أمنا ورخاء.
{ تحدثتم عن أهمية «جايكا» بالنسبة للدبلوماسية اليابانية، فيم تكمن هذه الأهمية؟، وما هي أنواع المساعدات التي تقدمها؟
-أهمية «جايكا»، تكمن في أنها تمثل القوة الناعمة، للدبلوماسية اليابانية، وأما فيما يتعلق بأنشطتها، التي تركز على دعم وتطوير الدول، فيمكن تقسيم المساعدات التي تقوم بتقديمها إلى ثلاثة أنواع: أولها، القروض، التي يتم تقديمها بفوائد بسيطة جدا، لبناء الطرق، والبنية التحتية الأساسية، ثانيا: المنح للدول النامية، من أجل بناء البنية التحتية، كبناء المدارس، المستشفيات، وغير ذلك، ثالثها: التعاون التكنولوجي، من خلال تبادل الخبرات، لتنمية الموارد البشرية، استقبال اليابان للمتدربين، أو ذهاب الخبراء اليابانيين إلى تدريب الآخرين في مواقع العمل.
أهم التحديات
{ ما هي أبرز التحديدات التي كانت تواجهكم؟
-أكبر التحديات التي كانت تواجهنا، هي إشكالية توفير التمويل اللازم لإنجاز مشاريع التنمية، حيث لم تعد لدى اليابان نفس الوفرة المالية، لتقديم المساعدات الإنمائية، كما كانت عليه منذ عشرين عاما، واحتلالها للمرتبة الأولى عالميا حتى عام 1990، وكان العصر الذهبي لها من حيث الإنفاق والإعانات، في عقود السبعينيات، والثمانينيات، وحتى التسعينيات، ولكنها تراجعت الآن، إلى المرتبة الرابعة، أو الخامسة، بسبب انخفاض الميزانيات اليابانية، وأيضا بعد دخول عدة دول المنافسة، منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، أضف إلى ذلك مشكلة إيجاد المشروع المناسب للبلد الذي يتم تقديم المساعدة له، بجانب كيفية نقل ونشر التكنولوجيا في ظل انخفاض وتراجع الدعم المالي.
{ إلى أي مدى حققت «جايكا»، أهدافها من خلال المعونات التي كانت تقدمها؟
-بالتأكيد، كانت المعونات، والمنح اليابانية ناجحة، وساعدت كثيرا من دول شرق آسيا، وأسهمت في تعافي، وتنامي اقتصادياتها، وقد بدأنا الآن مرحلة جديدة، وتتوجه اهتماماتنا نحو أفريقيا، حيث لدينا هناك مشروع خاص بزراعة الأرز، وزيادة إنتاجيته، بما يغطي احتياجات الأفارقة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي لهم من هذا المحصول، الذي يعتمدون عليه بنسبة كبيرة في الغذاء، ونجحنا في هذه التجربة التي بدأناها مع عدد من الدول الأفريقية في عام 2008، كما يوجد لدينا في جنوب شرق آسيا نشاط كبير، وأحد أهم المشاريع حاليا، وهو تطوير شبكة المترو في الهند، الذي بدأ العمل فيه منذ عام 1990بالعاصمة نيودلهي، وحاليا تتم عملية تطوير له بعد مرحلة التشغيل.
{ هل تعتقدون أن مشروعا مثل زراعة الأرز بطبيعته من المحاصيل التي تحتاج إلى كميات مياه كبيرة، من السهل نجاحه في قارة مثل أفريقيا، ربما تعاني من الفقر المائي؟
-نحن نتحدث عن تجربة حققت نجاحها في اليابان، من خلال استخدام التكنولوجيا في زراعة نوع من الأرز، وهو صنف جديد يتلاءم مع كافة الظروف، بما فيها البيئة الإفريقية، باستخدام أحدث التقنيات، وقد بدأنا مشروع صناعة منشآت الري التي تحتاجها زراعات الأرز.
{ هل شعرتم في فترة من الفترات، أن اختياركم للمشروع في دولة ما من الدول، لم يكن صائبا، وأخطأتم التقدير في الحسابات؟
-بالتأكيد، لا يمكننا أن نقول إن جميع الحالات كانت ناجحة، لأننا نتحدث عن مشاريع، وهذه القاعدة موجودة حتى عند الشركات العادية، فالشركة التي تريد أن تقوم بعمل مشروع قد تخطئ، وتسير في مسار غير صحيح، يؤدي بها إلى الإصابة بالفشل، وخلال عملي في «جايكا»، واجهت مثل هذه المواقف، وكان لابد من إعادة التقييم مرة أخرى لبعض هذه المشاريع، نتيجة لسوء التقدير للاحتياجات، لذلك نحرص دائما على مسألة تشكيل اللجان خاصة السابقة لتنفيذ المشاريع، لتقصي مدى صلاحية المشروع، من بداية التجهيز حتى انتهاء التنفيذ، ورفع التقارير بأهم الملاحظات.
{ أين تكمن الإشكالية الحقيقية في خطأ اختيار المشاريع؟
-أحد الأسباب الحقيقية، قد يعود إلى مسألة الحصول على المعلومات، التي أحيانا قد لا تكون متوفرة في بعض الدول النامية، مما يعني أن الاعتماد على مدخلات بيانية غير صحيحة، ودقيقة من شأنها أن تتسبب في حدوث مشاكل كثيرة.
إشكاليات الفساد
{ كيف يتعاملون مع تحديات الفساد التي يواجهونها في بعض الحكومات الإفريقية؟
-«جايكا» لا تسمح أو تقبل أبدا بالفساد، سواء كانت رشوة أو غيرها، وبالتالي حينما يتم اكتشاف ذلك، نقوم فورا بالتوقف عن استكمال المشروع وسحبه.
{ هل جايكا تلزم الدولة المسحوب منها المشروع بأي تعويضات؟
-في العادة «جايكا» لا تقوم بمثل هذا الشيء، وإنما فقط تقوم بإلغاء المشروع، ولكن في حال كانت هناك شركات يابانية قامت بأعمال تنفيذية، ولم تتقاض مستحقاتها المالية داخل المشروع، فلها أن تقاضي الحكومة التي كان يتم تنفيذ المشروع على أرضها.
copy short url   نسخ
09/11/2019
1665