+ A
A -
فلسطين- الوطن- أمين بركة
لطالما توالت الدعوات والتصريحات الفلسطينية المطالبة بضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية، لا سيما في ظل تواصل الانقسام بين حركتي حماس وفتح منذ ما يربو على 13 عاما. وقد كان إعلان الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبتمبر الفائت أنه سيدعو إلى انتخابات عامة في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة، بمثابة حجر كبير ألقي في بركة مياه راكدة.
ولقي إعلان عباس ترحيبا واسعا من مختلف الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية، وكان على رأس المرحبين، حركة حماس، التي أكدت بدورها ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بشكل متزامن. وشدد رئيس حماس في قطاع غزة يحيى السنوات على جهوزية حركته الدائمة للانتخابات الفلسطينية.
وبعد مرور أكثر من شهر على دعوة عباس، يشكك متابعون في قدرة الفلسطينيين على إجراء هذه الانتخابات، لا سيما في ظل الانقسام الحاد بين حركتي حماس وفتح، كما أن هناك عقبات كثيرة تحول دون إجراء هذه الانتخابات.
قدر من المفاجأة
وفي هذا الصدد، يشير تقرير لمركز «مسارات» للدراسات السياسية، إلى أن الإعلان الرئيس محمود عباس إجراء الانتخابات ينطوي على قدر من المفاجأة، لأن موضوع الانتخابات توارى عن الأنظار بعد التطورات والمستجدات التي وضعت رأس القضية الفلسطينية على المقصلة في ظل الخطة الأميركية الإسرائيلية التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها، وتجاوزت إقامة دولة فلسطينية والمرجعيات المعتمدة سابقًا، بما فيها المرجعية الدولية، إلى جانب أن الدعوة لإجراء الانتخابات أدت وظيفتها الرئيسية في التغطية على حل المجلس التشريعي.
ونبه التقدير الذي عنون بـ «أي انتخابات نريد؟»، وأعده مدير مركز «مسارات» هاني المصري، إلى أن هذا الإعلان ساهم في توقيت الدعوة للانتخابات مبادرة الفصائل الثمانية التي طرحت في سبتمبر 2019، ومن ضمنها فصائل في منظمة التحرير، حيث وافقت عليها «حماس»، في حين اعتبرتها «فتح» مضيعة للوقت، ونسخة أخرى عن مبادرة «حماس»، لأن «فتح» لا تريد أن تبدو منعزلة، وظهرت من خلال الدعوة إلى الانتخابات وكأنها تريد الاحتكام إلى الشعب وليس إلى الفصائل.
وشدد التقرير على أن الانتخابات لا تشكّل أولويّة، ولا تشكّل مخرجًا من الأزمة التي لا يزال يعيشها النظام السياسيّ الفلسطينيّ، نابع بالأساس من حقيقة أن الانتخابات تحتاج إلى وحدة المؤسسات التي تحضر لإجرائها، وإلى الحد الأدنى من التوافق القانونيّ والسياسيّ، غير المُتوفّر كليًا في السياق الفلسطينيّ، وهو ما يجعل من الانتخابات في حال عُقدت، شكلية لا تغيّر فعلًا من الواقع القائم. وذلك لحقيقة أن الظرف الحاليّ سيشكّل نتائج الانتخابات، وليس العكس حيث تشكّل نتائج الانتخابات الواقع وتصيغه.
تحديات عدة
ولفت إلى أن القضية الفلسطينية تعاني الآن من مخاطر وتحديات تفرض أن تكون الأولوية لإحباطها، ويجب أن تكون الانتخابات في هذه الحالة نقطة ضمن خطة شاملة، وتندرج في سياق إحباط الخطة الأميركية الإسرائيلية لتصفية الفلسطينية.
أمّا من الناحية الاجتماعيّة - السياسيّة، فبين التقرير أن الانتخابات تحتاج إلى حد أدنى من الاتفاق على شكل النظام السياسيّ، وماهيّته، وحدوده كما الإستراتيجيّة الوطنيّة والسياسية التي تدور المعركة الانتخابيّة تحت سقفها، كما اتفاق على هويّة الدولة، وشكل الحكم فيها، والحريّات كما حريّة الترشّح والانتخاب، وهذا غير موجود في فلسطين لعوامل عدة: الانقسام الذي يعبر عن غياب التوافق على إستراتيجيّة سياسيّة، وغياب الأهداف الواضحة أصلًا للنظام السياسيّ؛ كما الاحتلال من جانب آخر، يلقي بظلاله على العمليّة الانتخابيّة ككل، ويبدأ باعتقال المرشّح وصولًا إلى قمع الناخب. ومن هذا المنطق، يمكن القول إن الانتخابات غير ممكنة أصلًا في السياق الفلسطينيّ إلّا بعد الاتفاق على العوامل الأساسيّة التي تجعلها ممكنة.
وذكر تقرير «مسارات» أن الانتخابات غير مفضّلة لدى الأطراف الفلسطينية المقررة، وتحديدًا الرئيس وحركتي فتح وحماس، خلافًا لخطابهما السائد، حيث إن لدى كل فريق من الأسباب ما يدفعه لتأجيل الانتخابات، فمثلا الرئيس عباس في وضع سيئ، خاصة بعد فشل مشروعه السياسي، وإعلانه منذ سنوات أنه سيعيد النظر في العلاقة مع الاحتلال والاعتراف به وبالاتفاقات الموقعة، لدرجة اتخاذ قرارات من المجلسين الوطني والمركزي بهذا الخصوص لم تنفذ رغم مرور سنوات على اتخاذها، ووصل الأمر إلى اتخاذ قرار من الرئيس محمود عباس في يوليو 2019 بوقف العمل بالاتفاقيات، والتهديد بإنهائها كليًا إذا اتخذت الحكومة الإسرائيلية القادمة قرارًا بضم الضفة أو أجزاء منها كما هدد بنيامين نتانياهو.
وبناء على ما سبق، يشير التقرير إلى أن طرح مسألة إجراء الانتخابات ليس جديا وإنما أفضل مخرج من الوضع الراهن، ومرحب به بعد إجراء الانتخابات التونسية والإسرائيلية، كونه يمكن أن يجذب الاهتمام، ويستهلك الوقت، ويساعد على عبور الأشهر القادمة، التي سيتقرر فيها مصير تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
ونوه إلى أنه من المسائل التي تعيق حماس حركة فتح لإجراء الانتخابات الخلافات بين معسكراتها المختلفة، بما فيها تيار محمد دحلان الذي لا يزال يتمسك بانتمائه للحركة رغم فصله منها، إضافة إلى الصراع على خلافة الرئيس، والهوة الشاسعة، كما تشير الاستطلاعات، ما بين الرئيس وقيادة السلطة التي تمثلها «فتح» والشعب في ظل الفساد وصراع مراكز القوى والمساس بالقضاء والحريات.
وأشار إلى أن حماس لا تفضل إجراء الانتخابات بسبب التراجع العام الذي شهده الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، بالإضافة إلى أنه إذا فازت «حماس» في الانتخابات، فإنها لن تُمكّن من حكم السلطة في الضفة، هذا لو افترضنا بأن الرئيس وفتح سيمكنانها من ذلك، فالاحتلال يقف لها بالمرصاد.
سيناريوهات محتملة
وبشأن السيناريوهات المحتملة، نوه التقرير إلى السيناريو الأول وهو المرجح يقوم على أن طرح موضوع الانتخابات والترحيب بها من مختلف الأطراف مجرد مناورة يحاول فيها كل طرف تحميل المسؤولية عن عدم إجرائها للطرف الآخر. ويرجع ذلك إلى أن الدعوة لم تترافق مع توفير العمل على توفير الشروط اللازمة لإجرائها.
وذكر أن ما يرجح هذا السيناريو يتمثل في استمرار الانقسام والخلافات على الخطوات التحضيرية الضرورية، مثل من هي الحكومة التي ستشرف على الانتخابات؛ الحكومة القائمة أم تشكيل حكومة وحدة أو وفاق وطني، والخلاف على قانون الانتخابات، وعلى أساس أي قانون ستجرى، التمثيل النسبي بالكامل أم نسبي 75% ودوائر 25%، أم مثل الانتخابات السابقة مناصفة ما بين الدوائر والنسبي، والخلاف على سلاح المقاومة ودور الأجهزة الأمنية في حالة إجراء الانتخابات.
وأشار إلى أن ما سيجري وفق هذا السيناريو عدم إجراء الانتخابات، وتحميل السلطة لكل من إسرائيل وحماس المسؤولية عن ذلك. الأولى، أي إسرائيل، لأنها لم تسمح بإجراء الانتخابات في شرقي القدس. وهذا وارد جدا لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الذي تعهد بضم أجزاء من الضفة لن يوافق على إجراء انتخابات في القدس، لا سيما وهو في فترة التشاور على تشكيل الحكومة، وبحاجة إلى دعم تحالف اليمين الأكثر تطرفًا، خصوصًا أنها الأبواب مفتوحة على احتمال التوجه لعقد انتخابات ثالثة. والثانية، أي «حماس»، لأنها لن توافق على إجرائها من دون توافق وطني على الخطوات الضرورية التي تتضمن مشاركتها في السلطة والمنظمة.
وذكر أن سيناريو عدم إجراء الانتخابات وارد جدًا، ولكن يمكن أن نشهد في نطاقه إصدار مرسوم رئاسي يحدد موعد إجرائها، ومن ثم التذرع بعدم القدرة على تطبيقه جراء رفض إسرائيل و«حماس». وما يعزز هذا الاحتمال ما جاء في خطاب الرئيس من تحسب مسبق من عدم التمكن من إجراء الانتخابات بقوله «إن من يعرقل إجراء الانتخابات سيتحمل المسؤولية أمام الله والمجتمع الدولي والتاريخ».
أما بشأن السيناريو الثاني، فيتمثل في إجراء انتخابات تشريعية متوافق عليها، ويقوم هذا السيناريو على إجراء انتخابات، وخاصة للمجلس التشريعي، بصورة متوافق عليها بين طرفي الانقسام. وهذا السيناريو يمكن أن يتحقق إذا أعاد الرئيس طرح الاقتراح الذي تم التداول به منذ العام 2016، وأيده الرئيس ولم تعارضه «حماس»، ويقضي بتشكيل قائمة مشتركة تضم مرشحي حركتي فتح وحماس ومن يوافق على المشاركة فيها، وترك عدد من المقاعد لمن يقرر خوضها بمفرده. والقائمة المشتركة تمس بالتعددية والتنافس المطلوب بأي انتخابات وترك الناخب أمام خيارات، ولكنها صعب الاتفاق عليها، وإذا تم الاتفاق عليها يمكن أن تحل عددًا من الإشكالات، بما فيها معارضة «حماس» ورفض إسرائيل لإجراء الانتخابات في القدس، إذ إن التوافق الوطني على التمثيل النسبي الكامل يُمكّن من حل هذه العقدة.
ونوه إلى أنه يمكن أن يترافق هذا السيناريو مع التوافق على تأجيل الانتخابات الرئاسية، أو الاتفاق على مرشح واحد، وهو على الأغلب سيكون الرئيس محمود عباس.
وبشأن السيناريو الثالث، فنوه التقرير إلى أنه يقوم على إجراء انتخابات تشريعية غير متوافق عليها في الضفة فقط، وهو سيناريو غير مستبعد، لا سيما بعد عقد الانتخابات المحلية في الضفة فقط، وعقد المجلس الوطني بشكل انفرادي وبمن حضر، وحل المجلس التشريعي ومجلس القضاء، وإحالة ربع القضاة على التقاعد. وهذا السيناريو خطير جدًا كونه سيقضي على بقايا الأمل باستعادة زمام المبادرة ومواجهة المخاطر المحدقة. ويمكن أن تبدي إسرائيل مرونة حيال هذا السيناريو، لأن الانتخابات في هذه الحالة ستعمق الانقسام، وتسير به خطوة نوعية نحو الانفصال.
وعن السيناريو الرابع، فذكر تقرير «مسارات» أنه يقوم على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية أولاً كمدخل لإجراء الانتخابات ضمن مقاربة وطنية تكون فيها الانتخابات أداة من أدوات الكفاح ضد الاحتلال وتعبيرًا عن تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض. وهو سيناريو مفضل، لكنه مستبعد لعدم وجود أدوات وروافع له، وهو بحاجة إلى الشروع في حوار وطني للاتفاق على رؤية شاملة وإستراتيجية واحدة وقيادة واحدة تتحلى بالإرادة اللازمة.
وشدد التقرير على أن ما يعزز هذا السيناريو هو حجم المخاطر الجسيمة التي تهدد القضية والحركة الوطنية والنظام السياسي والأرض والشعب والإنسان الفلسطيني، كما يدعمه أن فرصة إجراء الانتخابات لن تكون متاحة في ظل تعمّق الانقسام والتحريض والاتهامات المتبادلة والنفوذ القوي لجماعات مصالح الانقسام هنا وهناك، والأطراف والمحاور العربية والإقليمية، وسيطرة فريق على السلطة في الضفة وليس على الضفة، وسيطرة فريق آخر على قطاع غزة، وإذا أجريت لن تكون حرة ونزيهة وتحترم نتائجها، ما يفرض أولوية إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات والاتفاق على أسس الشراكة السياسية الناظمة للحياة الديمقراطية والتعددية وقواعد معالجة الخلافات، باعتبارها المدخل الوحيد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحترم نتائجها، ودحض صحة جعل الانتخابات مدخلًا لإنهاء الانقسام.
وفي نهاية تقريره، أكد المركز على أنه من أراد الانتخابات فعلا عليه أن يعمل كل ما يلزم لإنهاء الانقسام أولاً، بحيث يكون التنافس والخلاف في إطار الوحدة وباعتبارها هي المدخل الوحيد لإجراء الانتخابات.
copy short url   نسخ
08/11/2019
706