+ A
A -
تُشكّل منطقة شمال شرق سوريا أكثر من ربع مساحة سوريا بأكملها، وهي أكبر منطقة خارج نطاق سيطرة نظام بشار الأسد وحلفائه. كانت المنطقة خاضعة لسيطرة تنظيم «قوات سوريا الديمقراطية» أو ما يعرف اختصاراً بـ «قسد»، حتى شنَّت تركيا هجومها الأخير هناك في 9 أكتوبر. ويعتبر هذا التنظيم الكردي، تحالف قوات متعددة الأعراق يُشكّل الأكراد قوته الأساسية. والأكراد هم مجموعة عرقية يبلغ عددها حوالي 30 مليون شخص ينتشرون في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
فقدت «قسد» الكثير من الأراضي الخاضعة لسلطتها منذ التوغل التركي، ويبدو أنَّها تفقد سيطرتها على مدن رئيسية مثل تل أبيض ورأس العين. كما وافق قادة التنظيمات الكردية في 13 أكتوبر على السماح لوحدات من جيش النظام السوري بدخول مدينتي منبج وعين العرب (كوباني) لحمايتهم من تركيا وحلفائها. وبهذا الاتفاق، يكون التنظيم الكردي قد سلَّم السيطرة على مساحات شاسعة من المنطقة إلى دمشق.
هذا يترك شمال شرق سوريا مُقسّمة بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة السورية وحلفائهم الأتراك، والمناطق التي ما زالت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية – حتى الآن.
} كيف سيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على المنطقة؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية: قبل تشكيل «قسد» في عام 2015، أنشأ الأكراد ميليشيات مقاتلة خاصة بهم حشدوها أثناء الحرب السورية واجتزأوا ما كانوا يأملون أن يصبح في نهاية المطاف منطقة شبه ذاتية الحكم على الأقل داخل سوريا.
في أواخر عام 2014، صد الأكراد هجوماً شنَّه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لحصار مدينة عين العرب (كوباني)، وهي مدينة رئيسية تخضع للسيطرة الكردية.
في ذلك الوقت، كان الأميركيون يبحثون بشدة عن شريك موثوق به إلى حد ما، ليساعدهم في محاربة داعش. أنفق الأميركيون 500 مليون دولار على تدريب وتجهيز مجموعات معارضة سورية أخرى ولكن دون جدوى. رأت الولايات المتحدة الأميركية في الأكراد مجموعة تستطيع التحالف معها –مقاتلون لديهم قادة سياسيون علمانيون ويدافعون عن القيم الحديثة مثل المساواة بين الجنسين.
استطاع الأكراد هزيمة داعش بدعم من الولايات المتحدة، تضمَّن الأسلحة والغارات الجوية، وواصلوا تحقيق سلسلة من الانتصارات ضد التنظيم المتشدد. وخلال معركتهم ضد داعش، استوعب هؤلاء المقاتلون مجموعات غير كردية وغيّروا اسمهم من «وحدات حماية الشعب الكردية» إلى «قوات سوريا الديمقراطية» وازداد عددهم ليشمل 60 ألف مقاتل.
يقول الجنرال جوزيف فوتيل، قائد العمليات العسكرية الأميركية في سوريا الذي تحالف مع الأكراد في عام 2015 للغارديان: «ما كان الرئيس دونالد ترامب يستطيع إعلان الهزيمة الكاملة لتنظيم داعش في سوريا بدون قوات سوريا الديمقراطية». وقد تكبّدت «قسد» خسائر في الأرواح بلغت 11 ألف مقاتل في المعركة ضد داعش.
} لماذا تقاتل تركيا التنظيمات الكردية في شمال سوريا؟
راقبت تركيا بقلق شديد على مدار سنوات العلاقات المتنامية بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية. ويرجع ذلك إلى أنَّ عدداً كبيراً من أكراد قوات سوريا الديمقراطية كانوا أعضاء في «وحدات حماية الشعب الكردية»، الذراع السورية لـ «حزب العمال الكردستاني» في تركيا، الذي خاض صراعاً دامياً ضد الدولة التركية لأكثر من 35 عاماً راح ضحيته ما يصل إلى 40 ألف شخص. في البداية، دعا «حزب العمال الكردستاني» إلى الاستقلال في حين يطالب حالياً بمزيد من الحكم الذاتي للأكراد داخل تركيا.
تقول أنقرة إنَّ حزب العمال الكردستاني يواصل الحرب ضد الدولة التركية، على الرغم من مساعدته في المعركة ضد داعش.
يُصنّف حزب العمال الكردستاني كجماعة إرهابية من جانب تركيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلف الناتو وغيرهم، وقد ثَبُت عدم ملاءمة هذه الخطوة المُتّخذة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، الذين اختاروا التقليل من أهمية صلات «قوات سوريا الديمقراطية» مع «حزب العمال الكردستاني»، مفضلين التركيز على هدفهم المشترك المُتمثّل في هزيمة داعش.
} ما هي أهداف تركيا على حدودها الجنوبية؟
تهدف تركيا أولاً إلى إبعاد التنظيمات الكردية عن حدودها، وإنشاء منطقة عازلة بطول 20 ميلاً (32 كيلومتراً) كان من المقرر أن يُنظّم فيها دوريات مشتركة بين القوات التركية والأميركية قبل إعلان ترامب الأخير عن انسحاب الجنود الأميركيين من المنطقة.
أشار مسؤولون في أنقرة في 13 أكتوبر إلى أنَّهم قد يسعون إلى التوغل إلى مسافة أبعد من المنطقة العازلة في هذه العملية العسكرية الجارية.
وقال الرئيس التركي إنَّه سيسعى إلى إعادة توطين أكثر من مليون لاجئ سوري في هذه «المنطقة الآمنة» بهدف نقلهم من بلده (حيث بدأ وجودهم يخلق ردة فعل مناهضة) وتعقيد المزيج الديموغرافي في منطقة يخشى أن تصبح دولة كردية مستقلة على حدوده.
} هل سيكون للتوغل التركي تأثير على داعش واستقرار المنطقة؟
بحسب المصادر الأميركية، يوجد حوالي 11 ألف مقاتل داعشي، من ضمنهم ما يقرب من 2000 أجنبي، فضلاً عن عشرات الآلاف من زوجاتهم وأطفالهم، محتجزين في معسكرات اعتقال وسجون بشمال شرق سوريا.
كانت «قسد» تبحث عن مساعدة دولية في التعامل مع هؤلاء السجناء، الذين ترفض دولهم استقبالهم، ومن ضمنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. وفي بعض الحالات يسحبون الجنسية من أولئك السجناء المنتمين لداعش.
حذّر قادة «قسد» من أنَّهم لا يستطيعون ضمان أمن السجون المحتجز فيها هؤلاء الدواعش إذا أُجبروا على إعادة نشر قواتهم على الخطوط الأمامية للحرب ضد تركيا. زاعمين أنَّ داعش «قد يستغل فوضى الحرب لشن هجمات لتحرير مقاتليه أو استعادة الأراضي، التي كان يسيطر عليها».
وقد أفادت تقارير في 11 أكتوبر بأنَّ خمسة على الأقل من مقاتلي داعش المحتجزين قد فرّوا من أحد السجون الموجودة في شمال شرق سوريا. وبعد ذلك بيومين، تمكّنت 750 امرأة أجنبية تابعة لداعش من الهروب مع أطفالهن من مبنى ملحق مُؤَمّن في مخيم عين عيسى للنازحين شمالي سوريا، وذلك وفقاً لقادة «قسد».
تسلَّم مسؤولون أميركيون اثنين من السجناء البريطانيين المنتمين إلى الخلية الداعشية المعروفة باسم «البيتلز»، التي نفّذ أعضاؤها عمليات تعذّيب وقتل رهائن من ضمنهم المصور الصحفي الأميركي جيمس فولي، وذلك قبل ساعات من بدء التوغل التركي في 9 أكتوبر.
ولم يتّضح بعد ما هي مراكز الاحتجاز، التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم الكردي، ووضع السجناء داخلها.
وبعد أربعة أيام من القصف التركي المتواصل بلا هوادة، أبرمت «قسد» في 13 أكتوبر اتفاقاً يسمح لقوات النظام السوري بدخول أراضيها من الغرب. يقول خبراء إن هذا الاتفاق يضع الجيش النظامي السوري في مواجهة القوات التركية والمجموعات المسلحة السورية المتحالفة معها. لا يتّضح ما إذا كان الجانبان سيشتبكان بالفعل –فقد أحجما عن فعل ذلك في الماضي- أو حجم الأراضي، التي سيسعى الجانب التركي والنظام السوري للسيطرة عليها. لكن احتمالات التصعيد مرتفعة مع تحرّك جيشين استعداداً للقتال (أحدهما جيش تركيا، حليف الناتو) واستمرار وجود جيوب تتمركز فيها قوات أميركية في منطقة النزاع.
copy short url   نسخ
16/10/2019
1169