+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
تؤكد المراجع أن نحو مائتي صناعة كانت موجودة في غرناطة عند إسقاطها، وهو ما كان فارقا في عالم القرون الوسطى التي اتسمت بالحلكة والظلامية.لم يعرف العرب الحقيقة الصادمة أن بعض أرضهم وقومهم في الأندلس كانوا يذرعون طرق التقدم الحضاري بخطى واثقة بالقدرة على أحداث تحولات عميقة تنقل الأمة جميعها إلى فضاءات جديدة من التقدم، كما لم يدركوا أن سقوط مملكة غرناطة العربية كان إيذانا بانهزام المشروع العربي الحضاري، ذلك أن هذه المملكة كانت أرضا ومجتمعا لصراعين: الأول أن غرناطة كانت مرشحة كما يبدو لانبثاق قوى اجتماعية اقتصادية تقود عملية تحويل الدولة ذاتها الدولة الراسمالية بكل شروطها، فيما الثاني كان خطيرا في أن الصراع ضد قشتالة اللاهوتية سيفضي إلى خنق تلك المملكة وتجربتها المستندة إلى إرث تطور العرب في الأندلس.
لذلك، كان إسقاط غرناطة والإجهاز عليها لحظة نصر الأوتوقراطية الأوروبية التي لم تستطع بدورها أن تصمد طويلا أمام تطور العلاقات الاقتصادية الداخلية وصراعاتها التي أفضت بعد قرن ونصف القرن من سقوط غرناطة إلى انبثاق الدولة الأمة الأوروبية التي لا تزال تفرض على العالم هويتها ومفاهيمها.
كان حصار ضاحية البيازين في غرناطة الذي ضربته قشتالة بما هي رأس حربة سلطة اللاهوت الأووبي المغرق في تخلفه، معادلا موضوعيا في التاريخ لخذلان العرب في إماراتهم وممالكهم المتداعية في إفريقيا والشرق العربي، إذ هما فعلان أديا إلى الهدف ذاته: إسقاط لحظة الذروة في تقدم عربي كان يمكن أن يغير مجرى التاريخ رأسا على عقب.
هذا ما فهمته دور العلم في أوروبا حين أدركت المغزى العميق للفهم الرشدي والخلدوني للتطور الاجتماعي، وكذا انبثاق أسس البحث العلمي التاريخي والاجتماعي والاقتصادي، إذ ليس عبثا أن يقول عقل أوروبا بعد إسقاط غرناطة: ما إن لفظنا العرب ودحرناهم جنوبا ليعودوا إلى نشأتهم الأولى، حتى بات المنهج الرشدي والخلدوني عندنا هو الموجه لعقل أفضى إلى البحث العلمي الذي رفضه العرب واجترحنا به أسطورتنا الغربية التي لا تزال تمسك بتلابيب العالم.
حصار البيازين في وحشيته لا يزال يرسم سياسة الغرب تجاه العرب، الذين لم يعوا بدورهم أنهم ما زالوا يشاركون الغرب في دحر العقل العربي وتضييق الخناق عليه، لئلا يعود ابن خلدون وابن رشد إلى موطنهما علماً يقود إلى تحولات كبرى هم بأمس الحاجة إليها اليوم وكل حين!
copy short url   نسخ
15/10/2019
255