+ A
A -
محمد عبد الجبار الشبوط كاتب عراقي
الاتحاد السوفياتي، يوغوسلافيا، الصومال، ليبيا، وربما العراق، خمس دول متناثرة على قارات الدنيا، ويوجد مثلها، ما الذي يجمع بينها؟ ما هو القاسم المشترك بينها؟ أمران: الأول: أنها كانت محكومة من قبل أنظمة علمانية دكتاتورية، إما على طريقة الحزب الحاكم الوحيد، أو على طريقة الحاكم الفرد. الثاني: أن هذه البلدان تفتت وتناثرت أشلاء ودويلات وكانتونات بعد سقوط النظام الدكتاتوري.
وهذه الحالات تسمح لنا بالقول إن الحكم الدكتاتوري قد يؤدي إلى تقسيم البلاد بعد سقوطه، ويمكن البحث عن شواهد تاريخية أخرى لدعم هذا الاستنتاج.
يوغوسلافيا انقسمت إلى عدة دول بعد موت زعيمها جوزيف بروز تيتو (1892-1980) وسقوط نظامها الشيوعي، وبعد وفاة تيتو عام 1980 بوقت قصير تفككت البلاد ودخلت في سلسلة من الحروب الأهلية والاضطرابات.
الاتحاد السوفياتي أسسه لينين بعد الثورة البلشفية عام 1917 وأقام دكتاتورية البروليتاريا، التي اختصرت بدكتاتورية الحزب الشيوعي، الذي تم اختزاله بالمكتب السياسي، الذي كان طوع بنان الأمين العام إلى أن سقط النظام الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفياتي في 26 ديسمبر عام 1991.
الصومال بلد عربي إسلامي إفريقي حكمه محمد سياد بري الذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1969 إلى أن أطيح به في 26 يناير عام 1991 لتندلع الحرب الأهلية التي ما زالت مستمرة حتى الآن. في هذه الأثناء بدأت الصومال بالانقسام، حيث أعلن الجزء الشمالي استقلاله من جانب واحد تحت مسمى (جمهورية أرض الصومال)، ودخلت بقية الأقاليم والمحافظات في حرب أهلية مريرة، وحدثت الكثير من إعلانات الاستقلال لكيانات ذاتية الحكم في مناطق مختلفة.
أما ليبيا فقصتها ما زالت حديثة على الذاكرة، حيث خضعت لحكم العقيد معمر القذافي منذ عام 1969 إلى أن أطيح به وقتل في 20 أكتوبر 2011 في معركة دموية لتدخل ليبيا في حرب أهلية مريرة ما زالت مستمرة حتى الآن.
هل يعني هذا أن الأنظمة الدكتاتورية هي ضمانة البلدان من الانقسام وضمانة الشعوب من الانزلاق في الحرب الأهلية؟ الجواب: لا طبعا.
صحيح أن الأنظمة الدكتاتورية قد تستطيع أن تحقق الأمن والاستقرار لفترة ما عن طريق الرعب والقسوة وإرهاب الدولة، وصحيح أنها تستطيع أن تحقق بعض الإنجازات بسبب قدرتها على حشد الموارد بسرعة قياسية، لكنها في الوقت نفسه تقضي على المواطنة، وتمحق شعور الفرد بالانتماء إلى الوطن، وتحول دون التطور السياسي/‏ الثقافي للمجتمع، كما تحول دون ظهور المجتمع المدني والطبقة الوسطى، وبالتالي تمنع من ظهور طبقة سياسية محترفة وأحزاب سياسية رشيدة، وأخيرا تجعل من المستحيل قيام حياة سياسية في البلاد قوامها المواطنة الفعالة والديمقراطية وسيادة القانون. قد تخدع الرؤية المواطن العادي فيتصور أن الدكتاتورية حققت الوحدة الوطنية للبلاد؛ لكن هذا خداع في الرؤية، حيث إن الوحدة المتخيلة هي وحدة الرعب المفروضة من فوق بالقوة ولا تعبر عن اندماج مجتمعي حقيقي ووحدة وطنية عميقة، ويغدو الأمر كما يصوره القرآن بقوله: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ».
أكتب هذا وأنا أفكر في العراق الذي وقع أسير الدكتاتورية الفردية لأكثر من ثلاثين عاما، دكتاتورية أذلت المواطن، وسحقت الطبقة الوسطى، وقضت على المجتمع المدني، ومنعت التطور السياسي للمجتمع، فارتد المجتمع إلى ذاته ما قبل الدولة الحديثة، واختل مركبه الحضاري، وتقهقر نحو تقاليد موروثة لا تحترم الدولة والقانون، ونحو تفسيرات وممارسات شعبوية للدين تحرم الإنسان من قيمه الحضارية الإنسانية، الأمر الذي غيّب الأساس الموضوعي للوحدة الوطنية.
copy short url   نسخ
11/09/2019
1544