+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
يلاحقنا الإعلام الغربي لحظة بلحظة ليؤكد مؤكده المستغرق في تزييف الوعي وإشاعة الكذب، وكذب الغرب يمسي حقيقة يفرضها هذا الإعلام على أسماعنا ووقتنا بصفته إعلاما معاديا وخبيرا في الشعوب، إذ هو اليد الطولى للمشروع الغربي التفتيتي في العالم العربي.
صنع الغرب «داعش» وسهّل طريقه ليتمدد، بعدما هدم الدولة العربية نتاج اتفاقية «سايكس بيكو» التي لم تعد منتجة لمواصلة المشروع الغربي الذي اقترن بفرض الكيان الصهيوني في بلادنا. بحروبه الموصوفة بالصليبية، حسم الغرب نهائيا موقفه تجاه العرب بصفتهم حاملي مشروع كان مهيمنا ذات فترة تاريخية على جنوب القارة العجوز. كرّس الغرب عداءه هذا تجاه العرب، بجعل الصراع يتخذ منحى دينيا. هذا المضمون المفروض قسرا بقشوره الدينية أريد له أن يؤسس لحالة عداء لا تتوقف، وهو على أي حال ما بلغه الغرب دون عناء يذكر. أتبع الغرب حروبه الصليبية على الأمة العربية بحملات استعمارية توارت خلف ديماغوجيا التفوق العرقي والإثني، وبث شعارات تدعي زورا مساعدة العرب في الخروج من التخلف الحضاري والمعرفي الذي غرقوا أو اغرقوا فيه بفعل تمركز السلطة بيد طبقات منعت التقدم الاقتصادي والاجتماعي وكذا انتشار المعرفة العلمية.
يقول الغرب علنا إنه اخذ منّا تراث ابن رشد وابن خلدون فأطلق العقل الذي حجرنا عليه، ليعود الغرب بفعل استيعابه تراث هذين العملاقين إلى منطقتنا غازيا يحول بلادنا إلى أسواق لمنتجات المعرفة ذات الجذر العربي. أما العربي المستلب تاريخيا والتابع للغرب وريائه وما روجه من سموم، فقد وجد نفسه مندفعا بلا ضوابط وراء هدم كل ما تبقى له من بناء فكري أو معمار نفسي وحضاري. فقد ظلت السلطة العربية تتقن على الدوام كل الفنون التي تؤبد التبعية للغرب، نتج عن ذلك خواء وظلام في العقل أدى بدوره إلى العيش في حالة الفصام، إذ صارت مثلا فلسطين إسرائيل بقدرة قادر، وصار رد الفعل أو ما يوصف بالمقاومة للمشروع الصهيوني إرهابا. أما الشهيد الذي يسقط على ثرى فلسطين بنيران الاحتلال فهو قتيل في العلام العربي التابع كبوق للإعلام الغربي. ليس ما نعيشه اليوم نبتا شيطانيا انبثق فجأة من غياهب الظلام، بل هو نتاج عملية تاريخية ممنهجة من التبعية والاستلاب الفاضح. لا يكف الغرب وإعلامه عن ترديد أن العرب أُمة غارقة في الجهل، لكنه في آن يدعم ويغذي هذا الجهل، الذي كانت آخر تقاليعه تنظيم داعش المخلوق الذي جرى تفقيسه في مختبرات الأبحاث الغربية. فتحت كلمة «الخلافة» وما لها من رونق ووقع في نفس العربي المهزوم، جرى تفريخ هذا التنظيم الظلامي لتدمير آخر المتبقيات العربية. وبوعي يحيط بكل ما يأمله العرب، ذهب الغرب ومراكز أبحاثه الاستخباراتية بعيدا في ملاحقة تدمير البنية العربية.
{ (يتبع)
copy short url   نسخ
23/08/2019
504