+ A
A -
بقلم: إشراف بن مراد كاتبة تونسية
قدمت عائشة الإدريسي في أبجدية الحياة مجموعة من النصوص فتحت من خلالها نوافذ عديدة لنرى أنفسنا ونبصرهذه الحياة كما ينبغي لها أن تكون، محفزة قارئها لأن يبدأ بالتغيير. فها هي تقول: «أن تتغير.. يعني أن ترى نفسك بعين أخرى وتسمعها بأذن أخرى وتفهمها بأذن أخرى. أن تتغير.. يعني أن تتصرف عكس ما تفكر في أغلب الأحيان. أن تبدد خوفك وتكون آخر تحبه. لا (أنت) الذي اعتدت عليه. تغير وارحم نفسك من الانتظار والتشويش. انظر إلى الأمور كما هي لا كما تود أن تراها. هكذا ستخرج من عباءتك التي حان الوقت لتغييرها».
إن المُطلع على هذا الكتاب يرى أن عائشة الإدريسي لم تكن تنظر إلى قارئها من بعيد، بل كانت تحدثه وهي تجلس معه على المقعد نفسه ترى ما يرى وتسمع ما يسمع وتحس بما يحس به ألما وأملا، فكانت نصوصها أقرب إلى قراءة بسيكولوجية لعوالمنا الخفية والظاهرة أو كأنها بوح متبادل بأسرار هذه الحياة، يصل إلى حدّ التماهي بين الكاتبة وقارئها، فهي تحدث بما أثر فيها وألهمها وأوجعها وترك بصمة عندها من مواقف وأشخاص وكتب أيضا، لتشاركه في ما بعد رحلة البحث عن طريق النور في هذه الحياة.
يعتبر الكتاب رغم صغر حجمه من الكتب المحفزة التي يمكن تصنيفها ضمن كتب تطوير الذات التي تجذب القارئ إليها وتشعره بقدرته على أن يكون بخير حتى لو مرَّ بأكثر المواقف صعوبة وألما فـ«بعض الخسارات ربح». ونعتقد أن الإدريسي قد توفقت إلى حد كبير في أن ترسل رسالتها إلى القارئ بداية من الغلاف الخارجي وصولا إلى آخر صفحة.
يضم الكتاب 44 نصا تطرقت من خلالها إلى مواضيع مختلفة في كل منها أثارت شيئا قريبا منا جدا كالصداقة والأنانية والموت والوفاء والحب وكل ما يرتبط بهذا العمر الذي يجري والذي بعد رحلة قد تطول وقد تقصر- وفقا لتمكننا من أبجدية الحياة- نكتشف أننا أخطأنا مع أنفسنا قبل الآخرين وكيف كان علينا أن نكون؟
وإن كانت الإدريسي قد ربطت بعض نصوصها بها شخصيا مثل كتاب ألهمني، هيا ومن قبلها شيم، لكنها في أغلبها طبعتها بكثير من التشاركية بينها وبين قارئها وكأنها تريد أن تقول إن ما تتحدث عنه لا يخصها وحدها وإنما يعنيه هو أيضا. ألا نئن جميعا من وجع الفراق؟ ألا نحن جميعنا إلى المكان الأول؟ ألا نفرح جميعنا بكلمة حب وبخبر النجاح وبوسام التقدير؟ ألا نخاف جميعنا من هرولة الأيام والسنين؟..
و لعلنا لا نختلف في القول إثر الاطلاع على الكتاب أنّ الإدريسي قد نجحت في اختيار عناوين نصوصها بشكل لافت وجاذب، لقد وضعت إصبعها تماما على موطن الوجع وبلسم النور والشفاء. ومنها نذكر أحكم إغلاق الباب، أحلاها مر، خيبات الأمل، إنها تخاف الأربعين، المنافق المثالي، لا بد أن تتغير الأصدقاء، هم الاتزان العودة إلى الأمان القديمة، اللهم أنر بصائرنا، ننفصل لنكتمل، عادي، آخر الكلام..
«ألف باء تاء حياة».. تقدم من خلاله عائشة الادريسي فهمها ليس فقط للحياة وإنما أيضا للكتابة باعتبارها «ترجمة لوجع ما، وضماد لجرح ما، ومواساة لخطب ما، وإنذار عن علة ما».
تقول في أحد نصوصها التي عنونتها بخطوة واحدة قد تغير حياة كاملة:
«كل منا بحاجة إلى دفعة قوية في وقت ما، يصحح بها مساره أو يكمل طريقه، هذه الدفعة قبل أن تكون ممن هم حولنا لابد وأن تنبع من دواخلنا. إن لم نؤمن أننا يجب أن نواصل ونستمر لنحقق ما نصبو إليه فلن يستطيع كائن من كان أن يحركنا، ثورة البركان تأتي من داخله تنفجر عاليا وتثور، وكذلك الزلازل تنشأ من نقطة في باطن الأرض، نحن بحاجة إلى ثورة بركان، واهتزازة زلزال، في وقت ما، (...) لا تبخل على نفسك بهذه الدفعة ولا تحرمها غيرك إن استطعت».بعض الكتب كالمرهم، كيد حانية تُربت عليك كصديق صدوق يستبطن ما بداخلك، يعرف جيدا ما يفرحك وما يزعجك وما يجول في أعماقك، يأخذ بيدك ويقول لك من هنا طريقك إلى الشمس لذلك قالوا خير جليس في الزمان كتاب.. وكذلك كان كتاب «ألف باء تاء حياة» للكاتبة عائشة الإدريسي، الصادر مؤخرا عن دار الآن ناشرون وموزعون في الأردن في 100 صفحة.
copy short url   نسخ
22/08/2019
3429