+ A
A -
القدس - الوطن - أمين بركة
مرت الذكرى الـ 50 لحرق المسجد الأقصى المبارك، التي توافق الحادي والعشرين من أغسطس من كل عام، في ظل تصعيد إسرائيلي خطير بحق المسجد في محاولة لتقسيمه زمانيا ومكانيا.
وتشير المعطيات على الأرض إلى أن الوقت بدأ ينفد؛ فسلطات الاحتلال قامت بالعديد من الخطوات العملية التي تهدف في المقاوم الأول إلى هدم المسجد بشكل كامل وإقامة «الهيكل» المزعوم على أنقاضه، بالإضافة إلى تنفيذ مخطط لتحويل باحاته إلى فنادق وساحات عامة يرتادها اليهود.
وحذرت شخصيات مقدسية من خطورة مخططات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف المسجد الأقصى، لا سيما في ظل الاقتحامات المتكررة لباحات المسجد من قبل جنود الاحتلال وعصابات المستوطنين، بالإضافة إلى الاعتداء على المصلين واعتقال حراس المسجد.
وبالعودة إلى تفاصيل جريمة إحراق المسجد الأقصى، فإنه في الحادي والعشرين من أغسطس عام 1969 قام اليهودي المتطرف «مايكل دينس روهان» بإشعال النيران في المسجد الأمر الذي أدى إلى تدمير واسع في أبنية الجامع القبلي المسقوف، وخاصة المنبر التاريخي المعروف باسم منبر صلاح الدين الأيوبي.
وبلغت المساحة المحترقة من المسجد الأقصى أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث احترق ما يزيد على 1500 متر مربع من المساحة الأصلية البالغة 4400 متر مربع، وأحدثت النيران ضررا كبيرا في بناء المسجد وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق، وسقط عمودان رئيسان مع القوس الحامل للقبة، كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية، وتحطم 48 من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
في اليوم التالي للحريق المدبر أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصى، وعمت المظاهرات في القدس بعد ذلك احتجاجا على الحريق؛ لكن الأمر المخجل حقا كان في ردة الفعل العربية والإسلامية تجاه الجريمة النكراء؛ الأمر الذي دفع رئيسة وزراء الاحتلال في حينه «جولدا مائير»، إلى القول: «عندما حرق الأقصى لم أبت تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستسحق، لكن عندما حلّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق».
وحمل هذا الأمر رمزية واضحة، واستهدافا لمعاني التحرير مقابل الاحتلال، وكان لهذا الحريق دلائل واسعة أن الاحتلال لم ولن يكتفي باحتلال أولى القبلتين وثاني المسجدين، بل يسعى إلى تدميره ومحاولة تحقيق أسطورة الهيكل المزعوم.
مخاطر جمة
ومع مرور أعوام طويلة على الواقعة، لا يزال حريق المسجد الأقصى مشتعلا، كما يؤكد المواكبون للهجمة الإسرائيلية المتواصلة بحق المسجد. وشهدت الأشهر الأخيرة لا سيما بعيد الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، تصاعدا ملحوظا ومخاطر جمة بحق المسجد، ما يشير إلى نية مبيتة لدى سلطات الاحتلال لتنفيذ اعتداءات كبيرة على المقدسات بالقدس، خاصة في ظل حكومة بنيامين نتانياهو التي تعتبر الأشد تطرفا من سابقاتها. وما يزيد الطين بلة أن هذا التصعيد الإسرائيلي ضد الأقصى يأتي في ظل صمت عربي مريب يرافقه تطبيع متواصل وعلني بين العديد من الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي.
كما تظهر التطورات الأخيرة، قيام جماعات يهودية دينية ترافقها عناصر من مخابرات الاحتلال وجنوده المدججين بالسلاح، باقتحام المسجد وأداء شعائر دينية وطقوس تلمودية داخله، في وقت يتصدى فيه العشرات من المرابطين لهذه الاقتحامات الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى وقوع اشتباكات عنيفة بين جنود الاحتلال والمقدسيين يعقبها تنفيذ حملات اعتقال واسعة بحق شخصيات مقدسية وازنة.
وتأتي هذه الاعتداءات المتكررة في ظل دعم سياسي إسرائيلي رسمي وحزبي وشعبي صريح، كما أن الدعاية الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية قائمة في الأساس على تهويد المسجد بشكل كامل في محاولة لجلب أصوات الناخبين.
كما تنفذ سلطات الاحتلال أعمال حفر وتنقيب تحت أساسات المسجد المبارك وفي محيطه القريب، الأمر الذي جعل خطر الانهيار يهدد المسجد بفعل شبكة الأنفاق التي تشكلت تحته وفي محيطه. ولعل الأمر الأخطر في هذا السياق أن الكثير من هذه الأنفاق يتم حفرها بشكل سري للغاية فلا يعرف مسارها وحجمها الحقيقي، إلا أن القرائن تشير إلى أن هذه الأنفاق والحفريات وصلت إلى منطقة الكأس في المسجد الأقصى المبارك ما بين الجامع القبلي المسقوف وقبة الصخرة المشرفة. وفي الآونة الأخير تكثفت أعمال الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى وفي المحيط القريب منه.
وتسعى سلطات الاحتلال كذلك إلى تحويل مساحات واسعة من المسجد الأقصى إلى ساحات عامة ومتنزه عام وأماكن عامة تابعة لبلدية الاحتلال في القدس، وفرض الأمر الواقع للتعامل مع ساحات المسجد الأقصى بهذا الاعتبار.
لهيب مستعر
وفي هذا السياق، يؤكد الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، أنه في الذكرى الـ 50 لإحراق الأقصى، ما زالت ألسنة اللهب مستعرة فيه بفعل الانتهاكات والاعتداءات اليومية من قبل قوات الاحتلال ومستوطنيه.
ونبه إلى أن هناك مجموعة من المخاطر المحدقة في المسجد الأقصى، أهمها هدف الاحتلال هدم المسجد وإقامة «الهيكل» المزعوم على أنقاضه، وتنفيذ المستوطنين اقتحامات ممنهجة له، إضافة لمخطط تحويل باحاته إلى ساحات عامة يرتادها اليهود.
وأكد على أن سلطات الاحتلال تحرق الأقصى بكافة معالمه بشكل يومي، من خلال ما تبتدعه من أساليب التهويد والتدمير، فتتضافر عمليات حفر الأنفاق واقتحامات المستوطنين وتشييد البؤر الاستيطانية من جهة، مع نيران الحرق والتطرف لتحقيق الهدف الأكبر للاحتلال بهدم الأقصى وإقامة «الهيكل».
ونبه إلى أن إحراق الأقصى منذ 50 عاما كان البداية لمخطط شامل وخطير لتهويده والاستيلاء الكامل عليه، لتتبين خيوط المؤامرة بشكل علني وصريح من خلال الدعوة لفتح بوابات المسجد أمام اليهود وتقسيمه زمانيا ومكانيا.
ولفت إلى أن من المخاطر أيضا استمرار الحفريات أسفل الأقصى وفي محيطه، حيث وصل اليوم مجموع طولها نحو 3000 متر، تبدأ من أواسط بلدة سلوان جنوبا، وتمر أسفل الأقصى وتصل إلى منطقة باب العامود شمالا، أما العمق فوصل إلى أعماق أساسات المسجد، ما يهدد سلامة أبنيته.
خطر محدق
بدروه، أكد رئيس مؤسسة القدس الدولية في فلسطين أحمد أبو حلبية أن الاعتداءات الإسرائيلية والمخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك مازالت مستمرة وبوتيرة كبيرة ومتسارعة، رغم مرور 50 عاما على إحراقه.
وشدد أبو حلبية على أن سلطات الاحتلال لم تتخل عن مخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، بل انتهجت أساليب أكثر عنفا وفظاظة في التعامل مع المقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها الأقصى.
وذكر أن الجديد في الأمر سماحها للمستوطنين باقتحام الأقصى في العشر الأواخر من رمضان وصبيحة يوم عيد الأضحى المبارك، والتصريح الإذاعي الخطير لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي «جلعاد أردان» الذي قال فيه: «يجب تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى حتى يستطيع اليهود الصلاة بشكل فردي أو جماعي، في مكان مفتوح أو مكان مغلق داخل الأقصى».
وعد أبو حلبية أن جريمة إحراق الأقصى على يد الصهيوني «مايكل دينيس روهان» في 21 أغسطس 1969م، ما زالت مستمرة بأبعادها، من أنفاق أسفل الأقصى، والاستيطان، وسحب للهويات والاقتحامات اليومية للأقصى.
ونبه إلى أن الصمت الدولي والعربي إزاء جرائم الاحتلال المتلاحقة في القدس والأقصى دفعت الاحتلال لزيادة جرائمه ولتنفيذ مخططاته ضد المدينة المقدسة، واستغلال أية حادثة في المسجد الأقصى ومحيطه لإغلاقه وإفراغه من المصلين والعاملين فيه لساعات وأحيانا لأيام.. مشددا على ضرورة دعم صمود المقدسيين ومساندة هباتهم الجماهيرية.
وأكد أن المسجد الأقصى هو جزء من عقيدة الأمة واستهدافه هو استهداف للأمة ومقدساتها، وأن الأمة التي بذلت الغالي والنفيس لنيل حريتها وكرامتها قادرة على حماية أقصاها من دنس الاحتلال.
copy short url   نسخ
22/08/2019
974