+ A
A -
استنكر عضو «كتلة المستقبل»، النائب الدكتور عاطف مجدلاني، اللامبالاة التي أظهرتها القمة العربية التي عقدت في نواكشوط تجاه ملف اللجوء السوري إلى لبنان، كما أبدى عتباً لعدم تطرّق القمة إلى ملف الإرهاب، ولكن رغم عتبه خلص إلى أنّ القمة العربية هذا العام، لم تشذ عن القمم العربية السابقة التي لم تخرق يوماً الجدار بحسب ما عبّر، ولم تغيّر المسار.
وأعرب مجدلاني في حوار مع الوطن عن استغرابه لبقاء إسرائيل في أمان من الإرهاب الذي يضرب شرقاً وغرباً، وقال إنّ هذا الأمر يجعلنا نضع أكثر من علامة استفهام، وعبّر عن اعتقاده بأنّ الاعتدال السنّي هو الهدف الرئيس لهذا الإرهاب، ورأى أنّ أوّل رصاصة وجّهت إلى الاعتدال العربي السنّي أُطلقت على رئيس وزراء لبنان السابق الشهيد رفيق الحريري، وفي ما يأتي نصّ الحوار..

فلنبدأ حوارنا من القمة العربية الأخيرة التي عقدت في نواكشوط.. ما تقييمك لها؟ وهل أتت بجديد؟
-لا شك أنّ القمة العربية أتت خجولة جداً، سواء على مستوى التمثيل أم على مستوى المحتوى. فالدول لم تشارك على مستوى عال من التمثيل، والقمة لم تقارب المشاكل التي يعانيها العالم العربي، خصوصاً لناحية الإرهاب والحروب المشتعلة في مختلف الدول العربية، وباختصار، لم تكن قمة نواكشوط على مستوى ما تمرّ به المنطقة، وكان يجب أن تكون أفعل، وقد تكون كلمة رئيس مجلس الوزراء اللّبناني تمام سلام في مؤتمر القمة، أفضل ما قيل فيها، علماً بأنّني لا أظنّ بأنّ ما طرحه الرئيس سلام سيسلك طريقه إلى التنفيذ، وأنا لا أحمّل مسؤولية هذا الفشل لنواكشوط بالطبع، إذ اعتدنا على فكرة أنّ القمم العربيّة لا تخرق الجدار ولا تغيّر المسار، وربما القمة العربية الوحيدة التي أتت بشيء ملموس، كانت تلك التي انعقدت في بيروت عام 2002، عندما طرح آنذاك ولي العهد السعودي الأمير عبد الله مبادرة عربيّة، تبنّتها جميع الدول العربية في حينها، ورغم هذا الإجماع غير المسبوق، لم تكمل المبادرة مسارها.
أقول بكلّ أسف وأسى، العرب لم يجمعوا ولو لمرة على كلمة واحدة، وهذا لا يصبّ في صالحهم لأنّ العالم يتعاطى معنا «بالمفرّق».
تلوم القمة العربية على تجاهلها موضوع الإرهاب علماً بأنّه ورد في البيان الختامي وجوب «مكافحة الإرهاب مهما كان شكله».
- ما ورد في البيان الختامي حول الإرهاب ليس كافياً، ولا يعبّر عن المأزق الجدي الذي نعيشه، وقد يكون سبب هذه الإطلالة الخجولة على موضوع الإرهاب هو الخوف من هذا الإرهاب.
هناك موجة من العنف والإرهاب لا نجد تفسيراً لأسبابها، وهذه الموجة تطال الدول العربية والدول الأوروبية الصديقة للعرب، ووحدها إسرائيل تبقى بمنأى عنها، وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام حول العلاقة التي تجمع بين هذا الإرهاب الأعمى وبين القائمين على الكيان الصهيوني الغاصب، وعليه نطرح الكثير من التساؤلات، على رأسها لمصلحة من الذي يحدث في دول العالم الآن؟! بالتأكيد ما يجري ليس لمصلحة العرب، ولا لمصلحة الإسلام، لأنّ هذا الإرهاب يسيء إلى الدين الإسلامي ويشوّهه، وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه قد يتحوّل إلى عداوة بين العرب وبقيّة شعوب الأرض، وهنا مكمن الخطر.
كان لافتاً خلال القمة العربية، الرفض اللبنانيّ لاعتبار «حزب الله» منظّمة إرهابيّة.. فما هو موقفك من هذا الموقف؟
- أنا أعتقد أنّه من مصلحة لبنان اتّخاذ موقف مماثل. لا يمكننا أن نعتبر «حزب الله» إرهابياً وهو يجلس معنا في الحكومة وداخل مجلس النواب، وإذا اتّخذنا موقفاً مخالفاً للموقف الذي اتّخذناه، سوف تلتبس الأمور بالطبع. نحن نتفهّم وصف «حزب الله» بالمنظمة الإرهابية، ولكن نحن نتشارك معه في حكومة واحدة، ونجلس معه على طاولة الحوار، ولكن هذا لا يعني أنّنا نرحّب بأدائه في الداخل والخارج.
رغم كلّ مآخذنا على «حزب الله»، لا يمكن لنا إلاّ أن نعتبره مكوّناً أساسياً من مكوّنات لبنان، وأن نتعامل معه على هذا الأساس.
ما تفسيرك لعدم تطرّق أعمال القمة العربية إلى اللاجئين السوريين الذين يتحمّل لبنان منفرداً وزر لجوئهم إليه؟
- أنا على الصعيد الشخصي أستنكر اللامبالاة التي أظهرتها القمة تجاه مسألة مهمّة وإنسانية بحجم مسألة اللجوء السوري، وتجاه لبنان البلد المضيف للعدد الأكبر من اللاجئين السوريين رغم صغر حجمه وقلّة موارده.
العالم بأسره يعلم ما نقاسيه في لبنان اقتصادياً وأمنياً جرّاء تعاطفنا الإنساني مع الشعب السوري الشقيق وعدم إغلاقنا الحدود في وجهه كما فعلت دول كثيرة، ومع ذلك لم يبادر أي طرف جدياً لمساعدة لبنان على مواجهة هذا التحدي اليومي.
نحن نخسر سنوياً من منعة اقتصادنا ما بين 5 و6 مليارات دولار، وبيئتنا تخسر، وأمننا يضعف، ومع ذلك لم نجد من يحرّك ساكناً. لقد أظهر الأوروبيون بعض الاهتمام مع بداية موجة الإرهاب في بلدانهم، وكان اهتمامهم محصوراً بمحاصرة اللاجئين السوريين في لبنان كي لا يصلوا الغرب ويغيّروا في معالمه.
أوروبا المحاصرة بالإرهاب
ما هي قراءتك لموجة الإرهاب التي تضرب أكثر من دولة في العالم، خصوصاً في أوروبا، بفترات متتالية وبأشكال متعدّدة؟
- أنا أعتقد أنّ موجة الإرهاب هي حرب جديدة على الاعتدال السنّي، ومكمّلة لتلك الحرب التي تشعل بلداننا العربية، وأوّل رصاصة أطلقت على الاعتدال العربي السنّي، وُجّهت إلى الرئيس رفيق الحريري، واغتالته في 14 فبراير من عام 2005. مذاك بدأ المخطط وبدأت الحرب على الاعتدال، وبدأت أيضاً الحروب الأهليّة في العديد من الدول العربيّة تحت شعار الدين وتكفير الآخر المختلف عنّا.
نعيش راهناً سلسلة من الحروب من ليبيا إلى تونس ومصر واليمن والصومال والعراق وسوريا، ونيران الإرهاب التي التهمت عالمنا العربي وصلت إلى الغرب الذي بدأت دوله بالتقوقع على نفسها خوفاً من الزائر الجديد، وخوفي هو أن نصل قريباً إلى حالة عداء بيننا وبين هذا الغرب.
إلى متى سنبقى في حالة التخبّط هذه، وأي حدّ يمكن أن يرسم للإرهاب؟
- حتّى الآن، لا أفق، لأنّه لا توجد حتى اللحظة استراتيجيّة دفاعيّة ضدّ الإرهاب.
قبل أيّ طرف آخر، على العرب أن يضعوا استراتيجية ضدّ الإرهاب، ومن بين العرب، الإسلام السنّة تحديداً، إذ لا يمكن أن نحارب التطرّف السنّي بغير السنّة، لأنّ الحالة عندها تأخذ منحى آخر أكثر خطورة أيضاً، ونكون كمن يشعل الفتيل. على الاعتدال السنّي أن يأخذ دوره الرياديّ مجدداً، لأنّ فيه إنقاذا للمنطقة ككل. من هنا، التحرّك ينبغي أن يكون سنياً، والأهم أيضاً من التحرّك العسكريّ أو السياسيّ، هو التحرّك الثقافيّ عند المرجعيّات الإسلاميّة، وتحدّيداً من الأزهر والسعوديّة، من أجل بلورة الانطلاقة الفكريّة ضدّ الإرهاب، على المستوى الثقافيّ والفكريّ. لذلك، هناك دعوة إلى تحرّك سريع ثقافيّ– فكريّ ضدّ هذا الإرهاب، من ينابيع الفكر الإسلاميّ الراقيّ المنفتح، والذي يعطينا الفكرة الحقيقيّة عن الإسلام، الذي هو الإسلام المتسامح والمعتدل والمنفتح.
لماذا قلت إنّ شرارة الإرهاب انطلقت من لبنان يوم اغتيال الرئيس الحريري؟
- هذا الربط صحيح مائة في المائة، لأنّ الرئيس رفيق الحريري كان وجه عربيّ منفتح، أكثر منه لبنانيّ. وجه منفتح ومعتدل ووجه للتلاقي، ولاسيّما مع الأوروبيين. ربما كان هو وزير خارجية العرب، وخصوصاً مع فرنسا. من هنا، كان القصد بإزالة رفيق الحريري من الوجود.
يعيش لبنان فراغاً رئاسياً منذ أكثر من عامين.. فإلى أيّ حدّ يمكن أن يصمد في ظلّ الموجات التي تعصف ببلدان المنطقة؟
- الوضع اللبناني غير سليم. المطلوب محلياً إعادة الحياة إلى مؤسسات الدولة، وكي يتحقّق هذا الأمر، لا بدّ من وجود دولة قوية أوّلاً، وحتّى يكون هناك دولة، لا بدّ من وجود مؤسسات قويّة، وكي تكون عندنا مؤسسات قوية، ينبغي أن ينتظم عمل هذه المؤسسات، وهذا الأمر لا يتحقّق إلا عبر وجود رأس. من هنا، كلّ الأمور تبدأ من رئاسة الجمهوريّة. لا لأننا نطالب بأولوية الانتخابات الرئاسيّة، بل لأن هذا هو المسار الحقيقيّ والطبيعيّ للأمور.
هل يتقصّد العالم ترك لبنان من دون رأس؟
- يمكن أن تكون هناك نيّة لإدخال لبنان في مرحلة ما حتى تنضج الظروف ويدخل في اللعبة الأوسع، لذلك، يؤخّرون انتخاب رئيس للجمهوريّة، إنّما ينبغي ألاّ نقبل الدخول في هذه المرحلة، عبر تحصين ساحتنا الداخليّة– المحليّة.
ثمّة تراكم للسلبيّات، وهذا التراكم سيؤدي إلى الانفجار، وعندها، لن يسلم أحد. المؤشّر الاقتصادي هو الأهم بحسب نظرتي للأمور، لأنّ الناس تريد أن تعيش، وهذا المؤشّر لا يؤشّر إلى حالة صحية. فمئات المؤسسات تفلس وتقفل، وبالتالي تنتج عاطلين عن العمل، وهؤلاء بسبب الجوع قد يتحوّلون إلى التطرّف، بعدما فقدوا كل مورد للعيش، ولم يعد أمامهم ما يخسرونه. الخطر هو في الناحية الاقتصاديّة. لذلك، أمام هذه التحديات، لا بدّ من الانتهاء من الفراغ الرئاسيّ والتنبّه إلى الناحية الاقتصادية، والأهم أنّه علينا أن نحمي الاعتدال السنّي في البلد مع الحفاظ على التواصل بين مختلف الجهّات اللبنانية. من هنا أهميّة الحوار الذي يجمع «تيار المستقبل» و«حزب الله»، وبسعي من الرئيس سعد الحريري الذي كان صائباً في خياره هذا، وسط هذه الموجة العارمة من التطرّف في الدول المحيطة بنا. هذا الحوار هو المكان الوحيد في العالم العربيّ حيث يجتمع السنّي والشيعي، ويتناقشان.
هل كان الرئيس الحريري صائباً أيضاً في ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، المقرّب من «حزب الله» والنظام السوري؟
- لا شك.
الرئيس الحريري لم يحاول فقط أن يلاقي الطرف الآخر عبر اعتماد فرنجية مرشحاً، إنّما سعى إلى أن يجد مخرجاً للانتخابات الرئاسيّة، لأنّه يدرك تماماً أنّ الفراغ سيؤدّي بنا إلى كارثة، وهو يسعى إلى حلّ. الحلّ هو بالتلاقي مع الطرف الآخر. هو حاول أولاً مع النائب العماد ميشال عون لكنّه فشل، ثم عاد وحاول مع فرنجيّه، فكانت التجربة أفضل. من هنا، أّيّد ترشيح فرنجيّه لرئاسة الجمهورية، وقد أتت هذه الخطوة، نتيجة حرص وخوف الرئيس الحريري على لبنان وعلى الأوضاع اللبنانية، لئلاّ تنزلق الأمور أكثر نحو الكارثة.
هل تعتقد أنّ ثلاثيّة الحوار الوطنيّ قد تسفر عن نتيجة؟
- نتمنّى أن نخرق هذا الجدار رغم أن لا مؤشرات تدلّ حتّى الآن على حلحلة، وهذا مؤسف جداً.
موقف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» لا يزال موقفاً جامداً من الانتخابات الرئاسية ومن قانون الانتخاب. نحن كنا نطالب بالدائرة الصغرى مع نظام أكثري، فعدنا وقبلنا النقاش بالنظام المختلط، لأنّنا اعتبرناه حلاًّ وسطياً، بعدما نادى الفريق الآخر بالنسبيّة الكاملة، فحاولنا أن نلاقيهم في وسط الطريق. إنمّا في المقابل، لا يزال الفريق الآخر مصرّاً على النسبيّة الكاملة ولا يهتم بمواقف الآخرين، الأمر الذي يعني أنّ هناك تصلّباً في المواقف. هذا التصلّب نفسه موجود على صعيد الانتخابات الرئاسيّة، لا سيّما عندما نسمع الأمين العام لـ«حزب الله» ينادي باستمرار بإيران، كما لو أنّه لا يريد أن يفكّ ارتباطه بها. وهذا انعكاس للموقف الإيراني في المنطقة، أيّ أنّ إيران لا تريد حلاً الآن في لبنان.
إلى متى ستبقى الورقة اللبنانيّة بيد إيران؟
- ستبقى هذه الورقة ما دام هناك مكوّن أساسيّ لبنانيّ ينتمي إلى إيران. لذلك، لن تسحب إيران الورقة اللبنانيّة من يدها، لأنّ لديها مصالح، كما لو أنّ لبنان هو ورقة ضغط تملكها وتحاول أن تحقّق مكاسب من خلالها، بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا.
من اللاّفت جداً، أنّ لبنان لا يزال يعيش الفراغ وسط اشتعال غالبية الدول من حولنا، أيّ انعكاس لهذه الأوضاع على لبنان؟
- من الواضح أنّ هناك مظلّة إقليميّة دوليّة حامية للبنان، ومن هنا أيضاً، نطرح أكثر من علامة استفهام. فهذا التحرّك الإرهابيّ ليس وليد الصدفة. كل شيّء مدروس ومخطّط له، من قبل أجهزة محدّدة. كلّ ما نسعى إليّه في هذه الظروف، هو التمنّي ببقاء الهدوء، إنّما نتمنّى أيّضاً أن نوقف هذا الانحدار في المؤسسات.
الخسارة السورية
الأزمة السورية لا تزال مستمرّة وسط حال من الاستنزاف. فأيّ حلّ يمكن أن يرسم لسوريا بعد خمسة أعوام من الحرب؟
- حين بدأت الأزّمة السوريّة قبل أعوام، وحين بانت أيضاً أولى ملامح مشكلة اللاجئين، التقيت بمسؤول في الأمم المتحدة، قال لي إنّ الأزمة السوريّة ربما ستبقى نحو عشرة أعوام. إنّ الوضع في سوريا ليس وليد الصدفة، هناك أجهزة تخطط ودول تتدخل وفق مصالحها. البعض شبّه ما يحصل في سوريا بما حصل في لبنان، ولعلّ هذه الحرب السوريّة تعتبر أكثر وحشيّة ودماراً وخراباً. هناك ظهور للتطرّف بطريقة وحشيّة غير مسبوقة. لذلك، أعتبر أنّ الوضع السوري مستمرّ من دون أن يربح أحد.
هل تعتقد أنّ الحلّ النهائي سيكون بالسياسة أم بالحسم العسكري؟
- أنا أرى أنّ الحلّ سيكون سياسياً– عسكرياً. الصورة الآن غير واضحة، لأنّه ليس هناك فريقان محدّدان، إنما ثمّة نظام ومن معه من جهة، وهناك مجموعات من جهة أخرى، لا بد أن تتوحد، حتّى يصبح هناك فريقان، يعطى لهما ظروف متوازنة أو ما يعرف بموازين القوى نفسها، من أجل الوصول إلى المستوى العسكري نفسه عند الجميع. هكذا، قد يكون الحلّ العسكري تمهيداً للحلّ السياسي النهائي.
copy short url   نسخ
12/08/2016
1265