+ A
A -
الانقلاب العسكري في تركيا آل للفشل، ويخضع الجيش حاليا لعملية تطهير واسعة، وهي تطورات كفيلة بإثارة حالة من القلق البالغ في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى.
ففي أعقاب الانقلاب العسكري الذي أجهضته الجماهير قبل حوالي شهر، خرجت الحكومة التركية بخطط لإعادة هيكلة القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات بشكل كامل، بكل ما يحمله هذا الإجراء من تبعات للمنطقة وللتوازن الاستراتيجي بين الناتو وروسيا.
فمنذ القرن الثامن عشر، والقوات المسلحة التركية تقود مهمة التحديث وضمان الاستقرار في البلاد، وتساعد على خلق قوة إقليمية وطنية، ولكن موالية للغرب، قوة أكبر وأقوى وأكثر تقدماً من الإمبراطورية العثمانية البائدة، غير أن الوضع الآن تغير بعد أن وجه الانقلاب الأخير ضربة قاصمة لسمعة الجيش التركي، ويمكن القول إن إصرار الرئيس أردوغان على استغلال الفرصة المتاحة لإعادة هيكلة الجيش بصورة جذرية، يبشر بولادة جيش تركي جديد، خاضع للمؤسسة الرئاسية بصورة مباشرة، مما سيضع حداً لقدرة القيادات العسكرية على تنفيذ الانقلابات مرة واحدة وإلى الأبد.
وحتى من قبل الانقلاب الأخير، لم تكن قيادة حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ 2002، تخفي رغبتها في كبح جماح العسكر، الذين يعتبرون أنفسهم حامي حمى العلمانية ويتمتعون بسلطات مستقلة عن الدولة، وهو وضع يراد منه الدفاع عن المؤسسات السياسية والقانونية العلمانية في وجه تمدد القوة الإسلامية المتصاعدة. وهو دور لم يكن المراقبون داخل وخارج البلاد، يرونه بالضروري أو البنّاء. وبدورها بدأت حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة عملية قصقصة أجنحة العسكر العلمانيين القدامى. والمثير أن عمليات الاعتقال والمحاكمة التي أودعت 300 ضابط، منهم 72 جنرالاً السجون منذ 2008، قام بها قضاة ومدّعون عامون من المحسوبين على جماعة فتح الله غولن، المتهم الأكبر في التخطيط للانقلاب الفاشل الأخير.
يتهم خصوم الإسلاميين الأتراك في الخارج والداخل، الرئيس أردوغان، بأن أهدافه من وراء عملية التطهير القائمة حالياً في صفوف الجيش، تتجاوز منع حدوث انقلاب عسكري جديد إلى استبدال القيادات العلمانية بأخرى إسلامية أو مقربة من حزب العدالة والتنمية، لا تمانع من إقامة تحالفات عسكرية أقوى مع الدول السنّية الأخرى، وبخاصة السعودية. وهذا يفسر خطوة أردوغان الأخيرة الخاصة بإغلاق المئات من الكليات والمدارس العسكرية القديمة واستبدالها بجامعة عسكرية حديثة تكون مفتوحة للجميع.
السؤال الأهم هنا يتعلق بمستقبل العلاقات والروابط العسكرية التركية مع حلف شمال الأطلسي. وهنا يمكن القول بأن هذه الروابط ستفقد الكثير من حيويتها إلا أنها لن تصل إلى درجة القطيعة. غير أن تقليص الإعتماد التركي على الحليف الأطلسي من شأنه أن ينال من قدرات الجيش في هذه المرحلة الحساسة التي تشهد مواجهة مع الإنفصاليين الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية، وحالة التأهب القائمة على الحدود السورية.
من المحتمل أن نرى بروز قوات مسلحة تركية جديدة، تأتمر بالرئيس مباشرة، وهو تغيير لن يضعف قدرات تركيا العسكرية لفترة طويلة بالضرورة. ففي ظل امتلاكها لجيش عرمرم تعداده 620 ألف عسكري، تستطيع تركيا استغلال المهارات والموارد والتكنولوجيا للقوات المسلحة الحالية في بناء الجيش البديل.
copy short url   نسخ
12/08/2016
593