+ A
A -
منى بابتي
ربما لا يدرك الكثيرون، أن القلب يصيبه العري لو فقدنا القدرة على التعبير عما يخالجنا من مشاعر أو أحاسيس، فالقلب يحتاج دائمًا إلى غطاء راق من الأحاسيس والقيم كي لا يصاب بالصقيع فيتجمد، وتعتبر الكتابة من أهم الوسائل للمحافظة على هذا القلب.
ربما نختلف حول «مفهوم الكتابة»، وربما ننتقد اقتحام عالم الكتابة من الشبان والشابات الجدد، ونسعى إلى وضع الضوابط حرصًا على ما نسميه «الإرث الأدبي»، ولكن لو حرصنا على منع تلك الأقلام النابضة بالحياة الشابة، لما تمكنت الكاتبة البولندية أولجا توكارتشوك من الفوز بجائزة بوكر لعام 2018 عن روايتها «فلايتس».
إن أولجا توكارتشوك لم تبدأ كاتبة، وإنما بدأت الكتابة بعد تشجيع لها من محيطها، كي لا تدع قلبها عاريًا، وهذه هي الفكرة التي انطلقت مع «أولجا» «-لا تدع قلبك عاريا -، حيث عملت على تشجيع جميع الشابات والشبان لخوض غمار الكتابة، والتعبير عن أنفسهم بالكلمات، فالكلمة هي النور الذي يبث الدفء في قلوبنا، ولست هنا بصدد التحدث عن «أولجا وروايتها فلايتس»، وإنما وجدت نفسي مسؤولة كأم تقوم يوميًا ببري أقلام أولادها، ووضع الصفحات البيضاء بالقرب من مخداتهم ليلاً، ليلونوها بأحلامهم، كي لا تتعرى قلوبهم.
وجدت نفسي مسؤولة عن التطرق لتجربة رائدة، أطلقتها وزارة الثقافة والرياضة في دولة قطر، وهي «الملتقى القطري للمؤلفين» الذي انطلق مع الأستاذ «صالح غريب» كفكرة، ليتحول فيما بعد إلى واقع فرض نفسه على الساحة الأدبية، فلماذا نأتي على تمجيد التجارب خارج حدود هويتنا العربية، ونحن نملك في قطر تجربة واقعية لـ «لا تدع قلبك عاريًا»، ولكن بمسميات مختلفة، فجاءت فكرة «كتاب وكاتب» التي احتضنها الملتقى تحت إشراف وزارة «الثقافة والرياضة» وبإشراف مديرة الملتقى «مريم الحمادي»، وبمشاركة متميزة للعديد من دور النشر والكتاب، أجمل الأفكار وأروعها لتحويل الكتاب إلى ممرات نناقش من خلالها فكر كاتب يسعى لجعل قلبه وقلوبنا دافئة، ففي تلك القاعة في دار الحكمة في وزارة الثقافة، تصبح الكلمات أكثر قيمة، وأراهم يعملون جميعًا بجهود متضافرة وتكاتف في الملتقى، كي لا تبقى «قلوب الجيل الجديد من الشابات والشباب عارية».
ربما غابت عني أسماء، فأنا ما زلت على أطراف الملتقى أتابع الخطوات بهدوء، ولكن لم تغب عني تجربة «دار روزا» لصاحبته «عائشة الكواري» التي احتضنت منذ فترة مجموعة من الأقلام الشابة، ومنحتهم الحق في امتلاك أقلام وصفحات بيضاء، زينوها بكلماتهم النضرة واليافعة، فكانت «روزا» الزهرة التي بثت العطر في قلوبهم كي لا تغدو عارية.
لا تدع قلبك عاريًا، نحتاج فقط إلى وجوه طيبة كوجوه من يحاولون جعل الملتقى حاضنًا للقلوب الدافئة، فلندفع جيلنا إلى الكتابة، ونحاول أن نبتعد عن انتقادهم، فلقد ذكرت أولجا مشجعة الجيل الجديد بقولها: «لا تدع قلبك عاريًا، ألبسه كلمات خالية من التفاهات»، وقبل أن أدع قلمي يبحث عن كلمات لأدفئ قلبي العاري، أذكرك – صديقي القارئ - أن الذي لا يجيد كتابة كلمة واحدة مكونة من 4 حروف لكنه يتقن إيجاد 4 أخطاء فيها، يستحق لقب– عاري القلب– بجدارة، فدعهم يكتبوا ولا تدع قلوبهم عارية...هم أملنا ومستقبل أمتنا... دعهم يكتبوا.
كاتبة لبنانية
copy short url   نسخ
17/08/2019
1643