+ A
A -
محمد أحمد القابسي أكاديمي وكاتب تونسي
تجمع الأدبيات التي نظرت إلى الزعامة في المطلق، والزعامة السياسية تحديداً، على أنها حالة تاريخية ترتبط بعدة عوامل، فالزعيم لا يظهر كالفطر، ولا يُصنع صنعاً، ظهوره مرتبط بظروف معينة. هو شخص تفرزه ظرفية استثنائية، تتسم بصراعٍ ضد احتلال أجنبي، أو نتيجة تحوّل اجتماعي، كالثورة مثلاً. ويمتاز هذا الزعيم بخصال تجعله يتعالى عن حزبه، أو مجتمعه، ويبلغ إشعاعه ما هو كوني. ومن جهة أخرى، يتماهى مع مجتمعه، لأنه يجسّم طموحاته، فصفاته تتمثل أساساً في الشجاعة والكاريزما والحكمة والمبادرة وقوة العزيمة والصبر على كل ما يؤذيه، والحسّ السياسي تكتيكاً واستراتيجياً. تكون كلمته مسموعة، وأوامره مُطاعة، تطبق من المجتمع بصفة إرادية، فلا يشعر أفراده بالضغط أو القوة. وبمعنى آخر، الجانب المعنوي والمهابة هما المحرّكان اللذان يجعلان الناس ينقادون خلفه. وفي بحثه عن «غروب شمس الزعامات السياسية»، يرى رضا الزواري أن هذه الشخصيات وجدت في القديم حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وحصول البلاد المستعمرة على استقلالها.
وبدءاً من أواخر السبعينيات، تقلصت هذه الظاهرة حد التلاشي، فلا نجد اليوم في العالم بأسره شخصاً يمكن أن يطلق عليه صفة الزعيم.
أدّت عوامل أساسية دوراً في أفول نجم الزعامات، أهمّها تراجع الأيديولوجيات الكبرى التي صبغت العالم في بداية القرن العشرين، وضعف مفهوم السلطة بمختلف أشكالها، وتغير المعطيات الديموغرافية المتمثلة في توسع القاعدة الشبابية، وانتشار نسبة التمدرس في كل مستويات التعليم، مع بروز ظاهرة الفردانية وتضخم الأنا. وأوجدت الثورة الاتصالية وكذا انتشار الوسائط الحديثة للمعلومات والاتصال، وتحرّرها النسبي من تحكّم السلطات السياسية مع الثورة الرقمية، فضاءاتٍ بديلة لممارسة الجماهير النقد المباشر الذي لا يُستثنى منه أحد، كمواقع التواصل. يضاف إلى ذلك ما جاءت به العولمة من هتك للحدود، ونشر لقيم أخرى تؤسس للتنميط الثقافي والاجتماعي. أما الأحزاب الدينية التي ظهرت في المنطقة العربية، وكان لها تأثيرها على الفئات الشعبية، التقليدية والمحافظة، فلم ترتق قياداتها إلى مرتبة الزعامة، نظراً إلى هيمنة الجانب التحديثي في البنية الاجتماعية والثقافية المشروخة (تونس نموذجاً).
ميزت زعامات التاريخ الحديث لتونس، وأسهمت في تحولاته، منها الزعامات النقابية، على غرار محمد علي الحامي، وفرحات حشاد، والزعامات السياسية، على غرار علي باش حانبة، وعبد العزيز الثعالبي، والحبيب بورقيبة، وصالح بن يوسف، ومحمود الماطري.
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
13/08/2019
770