+ A
A -
محمد سي بشير أستاذ جامعي وباحث جزائري
وقد أبان الحراك تحديات كبرى تحتاج البلاد لمجابهتها إلى تماسك وانسجام اجتماعيين من ناحية، ووحدة الجيش والمجتمع في كتلة واحدة من ناحية أخرى، لأن المتربصين بالبلاد كثر ومخططاتهم لا تنفك تُحضّر وتعمل ضد الجزائر، وهي الكتلة التي استطاعت إلى الآن العمل معاً على أكثر من صعيد لإسقاط «العصابة»، وأذناب الأعداء وفتح ملفات فساد وتآمر وُصفت بالثقيلة، وقد تمّ توصيف حالة التوحّد هذه بالمرافقة على لسان قائد الأركان، لتبرز إلى السطح صورة الجيش المرابط على الحدود والمرافق لحراك شعبه سعياً إلى بناء جزائر جديدة.
وهنا يُطرح سؤال مهم: هل من فائدة ومصلحة للجيش والسلطة كليهما في نجاح الحراك ووصوله إلى مبتغاه في إحداث التحوّل نحو الديمقراطية، وكسر طوق الاستبداد؟ وها هنا أيضاً مؤشّر واحد يمكن الاعتماد عليه للإجابة له صلة ورابطة أكيدتان بمكانة البلاد، وتحوّلها إلى الفعل الإقليمي، إذ إنّها عندئذ ترفع من شأن القوّة الفعلية للبلاد، لتصبح نافذة في شؤون الإقليم، وتكون أداة تأكيد ذلك الدور وفكّ الارتباط بدائرة مصالح قوى كبرى، وأخرى إقليمية، إلا في إطار التحالفات، وإدراك تلك المكانة الجديدة مع التعامل بندية على أساس معادلة: رابح - رابح، ليس إلّا.
في هذه الحالة، أي تحوّل المكانة وتأكيد الدور في الفعل والتأثير الإقليميين، يكون للسلطة هيبة وشأن، وللجيش احترافية، يصون كلاهما تلك المكانة ويضفيان على ذلك الدور أبعاده الاستراتيجية، وتلك مهمّة لا يمكن أن تُناط بالبلاد، إلا إذا توطّدت تلك اللّحمة وتعمّقت بين السلطة والشعب في إطار كتلة واحدة ببوصلةٍ يكون أساسها رئيساً شرعياً، يأتي من ظروف موضوعية لانتخابات حرّة، نظيفة وشفافة، وهذا هو المعنى الحقيقي لمفهوم المرافقة الذي لا يمكن أن تولد منه إملاءات ولا شروط مسبقة، بل إجراءات تهدئة تعيد إلى تلك الكتلة الواحدة نصاعتها، إذ من المفهوم والمعقول أن تحدث لحراك يدوم ستة أشهر بعض الأمور/‏‏‏ الأحداث التي يُساء فهمُها، والتي قد تُشوّش عليه، وتوشك أن تخرجه عن سلميته وحضاريته، حتى مع اختلاف الرؤية إلى تلك الأمور على غرار مسألة الراية الأمازيغية التي يمكن تصوّرها في إطار إجراءات ترسيم اللغة الأمازيغية، وإقرار بدء العام الأمازيغي عيداً وطنياً، لتكون تلك الراية امتداداً لذلك الترسيم، واعتبار المسألة بعداً هوياتياً، يثري الشخصية الوطنية، ما دام الجميع مُجمعاً على ثوابت الأمة، ومنها قدسية العلم الوطني، لكونه امتداداً أبدياً لثورة التحرير الكبرى، رفقة النشيد الوطني، الشهداء، المجاهدين والحدود.
في النتيجة، الجميع مستفيد من نجاح الحراك، لأن أي بلادٍ تريد بناء مشروع تغييري، توجد تلك الظروف التي يرفع من خلالها مواطنوها ومسؤولوها ولاءهم لذلك المشروع، مع توفير الشروط المفضية لإنجاحه، ذلك أن المنعرجات المفصلية لا تتوفر كل حين، بل هي فرصٌ يجب عدم تضييعها متى توفّرت.
{ عن «العربي الجديد»
copy short url   نسخ
13/08/2019
754