+ A
A -
أسامة أبو ارشيد كاتب وباحث فلسطيني مقيم في واشنطن
المفارقة، في هذا السياق، أن التقارير الواردة من البيت الأبيض تؤكد أن ترامب ومستشاريه يرون أن هذا الخطاب العنصري (طبعا ينكرون أنه عنصري)، ورقة رابحة في التمهيد لحملتهم الانتخابية الرئاسية شتاء العام المقبل، بل إن تقارير تؤكد أن مستشاري ترامب فوجئوا بتغريداته العنصرية يوم الأحد الماضي، وبدأوا يتباحثون في كيفية احتواء تداعياتها، إلا أنهم انتهوا مقتنعين بمنطقه بأن مماهاة الحزب الديمقراطي في أذهان الناخبين الأميركيين مع «فرقة» النائبات التقدميات الأربع تجعل الحزب يبدو يساريا متطرّفا. وفعلا، صوّت أغلب الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي، يوم الاثنين الماضي، ضد قرارٍ يدين تصريحات ترامب على أنها عنصرية، وكان واضحا تركيزهم على وصف الحزب الديمقراطي حزبا اشتراكيا، في محاولةٍ لحرف موضوع النقاش. صحيح أن قرار إدانة ترامب مرَّ في مجلس النواب، ذلك أن الديمقراطيين هم الأغلبية فيه، إلا أنه لا يحمل قيمةً قانونية، بقدر ما يحمل قيمة معنوية.
هنا يبرز بعدٌ آخر في الموضوع، ذلك أن الركن الثاني في حسابات ترامب الانتخابية، من وراء عاصفة التصريحات العنصرية التي أطلقها، يهدف إلى تعبئة قاعدته الشعبية وتحشيدها، إذ إنها قاعدة تضم مؤمنين بتفوق العرق الأبيض، وبالتالي تصبح حتى القيمة المعنوية لقرار مجلس النواب غير ذات معنى كبير بالنسبة لترامب، ما دام أنها تعزز وضعه بين ناخبيه وجمهوره.
تقود هذه النقطة إلى مسألة أخرى متعلقة بالشرخ الحاد الذي تعرفه الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة حول صورة الولايات المتحدة وطبيعتها وأساس المواطنة فيها. بسبب تزايد أعداد الأقليات، هجرة وولادة، سيتحول البيض الذين يعانون من انخفاض معدلات الخصوبة إلى «أكبر أقلية» في أميركا عام 2045. وهذا بالطبع لا يرضي كثيرين منهم يشعرون أنهم يخسرون امتيازاتهم في «أميركا الحقيقية» أو «أميركا البيضاء»، كما يسمونها، بسبب زحف «أميركا البُنِّيَةِ» وزيادة «الملونين». يدرك ترامب مخاوف تلك الكتلة العنصرية بين البيض (قطعا، لا تمثلهم كلهم)، وهو لعب على هذا الوتر الحساس منذ اليوم الأول لترشحه، عندما أعلن حربا شعواء على الهجرة والمهاجرين من دول غير أوروبية.
وفي شهر يونيو/ حزيران 2018، أعلنت إدارة ترامب تشكيل لجنة خاصة لفحص ملفات التجنيس في أميركا، وهو الأمر الذي وضع حوالي عشرين مليون مواطن تحت سيف سحب الجنسيات منهم. وواضحٌ من تصريحات ترامب الجديدة أنه يخلط، متعمدا، بين أن يكون المرء أجنبيا وأن يكون مواطنا أميركيا من أصول أجنبية أو مولودا خارج الولايات المتحدة.
{ عن «العربي الجديد»
copy short url   نسخ
23/07/2019
306