+ A
A -
عثمان ميرغني كاتب سوداني
«الاتفاق السياسي» الذي وقع الأربعاء، بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير» في السودان، بعد طول انتظار وترقب، لم يكن أكثر من جرعة للتهدئة، أو فلنقل مثل جرعة تخدير قبل العملية الجراحية. ذلك أن هذا الاتفاق لم يخرج عما اتفق عليه سابقاً وتسرب للناس، ولم يعد يحتوي على أي نقاط خلاف تذكر. فالخلافات الكبرى والأساسية تدور حول عدد من البنود المضمنة في الوثيقة الثانية المؤجلة من هذا الاتفاق، وهي وثيقة «المرسوم الدستوري» التي تفصل في مهام الفترة الانتقالية، وترتيبات الحكم فيها، وهياكل سلطاتها.
لماذا إذن كان الاستعجال في التوقيع على اتفاق منقوص بدلاً من الانتظار إلى حين حل كل الخلافات في المرسوم الدستوري، والتوقيع على الوثيقتين معا؟ الأرجح أن الوسطاء وبعض المشاركين من طرفي الاتفاق، المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، رأوا تقديم شيء للجماهير المترقبة والمتحفزة، لا سيما أن أجواء من الإحباط بدأت تسود بين الناس من طول فترة المفاوضات، والمناورات التي أجلت الاتفاق أكثر من مرة. أضف إلى ذلك أنه مع عودة خدمات الإنترنت الأسبوع الماضي انتشرت مقاطع فيديو تصور بعض الفظائع التي حدثت في فض الاعتصام في الثالث من يونيو الماضي، مما أشاع أجواء من الغضب بدت واضحة في مواكب السبت الماضي التي نظمت تحت اسم «أربعينية الشهداء» بمناسبة مرور أربعين يوماً على فض الاعتصام. وكان لافتاً أن مظاهرات احتجاج انطلقت في عدد من أحياء العاصمة السودانية بالتزامن مع عودة المفاوضات بين الطرفين منتصف الأسبوع الحالي، وكانت تلك رسالة واضحة بأن الشارع يمكن أن ينفجر مجدداً.
الاستعجال بتوقيع وثيقة أمس ترك بعض الثغرات مجالاً للتساؤلات. من أبرز الملاحظات في تقديري أن «الاتفاق السياسي» في مقدمته تضمن فقرة تنص على التالي: «وقد توافقنا على تبني المرسوم الدستوري الملحق بهذا الاتفاق حاكماً للفترة الانتقالية على أن يصدر بتوقيع وخاتم المجلس العسكري الانتقالي». هذه الفقرة فيها إشكاليات واضحة، فهي تنص على «توافق» على مرسوم دستوري وعلى أنه «ملحق بالاتفاق»، وهذا أمر غير صحيح، في شق منه، ومدعاة للتساؤل في شق آخر. فالمؤكد أنه لم يكن هناك مرسوم دستوري ملحق بالاتفاق السياسي الذي رأيناه أمس، وجرى تداوله على نطاق واسع بين الناس. أكثر من ذلك ما أعلن صراحة عن أن هناك مفاوضات مستمرة حول «المرسوم الدستوري» لتجاوز خلافات جوهرية إذا تم حلها فسوف يوقع المرسوم غداً الجمعة بوصفه موعدا مبدئيا، إذ إن تجارب هذه المفاوضات علمتنا أن ساعتها غير منضبطة بتاتاً وأن تأجيل المواعيد فيها بات أمراً عادياً.
الإشكالية الأخرى أو بالأحرى التساؤل الذي تثيره هذه الفقرة في الاتفاق يتعلق بأنها نصت على «توافق» حول المرسوم الدستوري، فهل حدث توافق بالفعل؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يصدر المرسوم للناس ويلحق بالاتفاق السياسي كما ورد في النص؟.
copy short url   نسخ
20/07/2019
608