+ A
A -
مع كل حدث له علاقة بالشعب الفلسطيني، تلوح في الأفق التحديات الجمة التي تعصف بالملفات الفلسطينية المختلفة، وعلى رأسها محاولات تصفية القضية الفلسطينية، واستمرار الانقسام بين الفرقاء. وبالرغم من أن الشعب الفلسطيني لا يعلم ما تخفيه له المرحلة المقبلة، فإن البعض بدأ يتكهن بملامحها، مقدما العديد من الوصفات التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات المستحكمة التي يمكن أن تطيح بالحلم الفلسطيني المتمثل في قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. ويؤكد قادة ومتابعون ومحللون سياسيون أن فلسطين بحاجة لتغيرات تؤسس لشراكة وطنية لمواجهة صفقة القرن، مشددين على أنه إذا توفرت الإرادة عند الفصائل الفلسطينية، فإن التغيرات ستترك تأثيرات إيجابية على القضية الفلسطينية.
ونبه هؤلاء خلال وقائع المؤتمر السنوي الثامن لمركز «مسارات»، الذي يبحث التحديات والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية، إلى ضرورة دعم الفلسطينيين، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال، والحصول على الحقوق الفلسطينية المشروعة.
تصفية القضية
وأكد هاني المصري، مدير عام مركز «مسارات»، أهمية مواجهة المخاطر والتحديات التي تقف أمام الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، لافتا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ومعه الإدارة الأميركية يعملان كل ما بوسعهما من أجل إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، من خلال تطبيق صفقة القرن.
وحدد المصري أربعة سيناريوهات لمستقبل القضية الفلسطينية، وهي: سيناريو بقاء الوضع الراهن، وهو غير مرجح في ضوء المتغيرات المحلية والإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية، وسيناريو العودة إلى أوهام إمكانية تحقيق التسوية، وهو سيناريو مستبعد، لأن الظروف والعوامل التي أدت إلى تقدم هذا السيناريو بالماضي، إما أنها تغيرت بالكامل، أو في طريقها للتغير، وسيناريو فرض حلول أحادية بالقوة، وفرض الحقائق على الأرض، وهو سيناريو محتمل، بل بدأ فعليا بالتطبيق، وسيناريو الخلاص الوطني، وهو السيناريو المفضل، وبمقدور الشعب الفلسطيني أن يجعله ممكنا، وذلك بالاستناد إلى عناصر القوة والضعف، والتحديات والفرص لدى أطراف الصراع.
ونبه المصري إلى أن صفقة القرن يجري تطبيقها على الأرض على أمل الموافقة عليها بعد أن تقتنع الأطراف الرافضة لها بأنها أمر واقع غير قابل للتراجع عنه، عبر كل ما يجري من خلق حقائق وتنفيذ خطوات بشأن القدس ومحاولة تصفية قضية اللاجئين، وتشريع وتوسيع الاستعمار الاستيطاني، وتطبيع عربي تدريجي مع إسرائيل، وفصل غزة وقطع الطريق على تجسيد الدولة الفلسطينية على حدود العام 67.
خطة إنقاذ وطني
من جانبه، أكد نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الدولية، أن هناك تحديات عدة تواجهه القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن هذه التحديات تستوجب حل الأزمة الداخلية الفلسطينية التي تعاني من أعراض عدة، منها: فقدان الحركة الوطنية الفلسطينية بوصلتها كحركة تحرر وطني، والخلل المتزايد في بنية الجسم القيادي للحركة الوطنية والنظام السياسي، المتمثل في تعطل الوسائل والآليات الديمقراطية في اتخاذ القرار، وغياب ثقافة المساءلة، وكذلك تهميش مكانة ودور منظمة التحرير، إضافة إلى الانقسام المدمر بين حركتي فتح وحماس، وخطر تحوله إلى انفصال ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأشار إلى أن أي خطة إنقاذ واستنهاض وطني لإسقاط صفقة القرن، لا بد أن تعالج أعراض الأزمة الداخلية الفلسطينية، وذلك من خلال اتخاذ خطوات عملية، وعلى رأسها أن يقوم رئيس السلطة محمود عباس بتوجيه دعوة لانعقاد لجنة تفعيل المنظمة كأول خطوة على طريق إنهاء الانقسام استنادا لقرارات المصالحة، وارتكازا على مبدأ المشاركة، والدعوة إلى إصدار مرسوم رئاسي بمواعيد محددة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، إضافة إلى الدعوة لمؤتمر وطني عاجل خارج الأرض المحتلة يضم مائة شخصية وطنية، من أجل وضع خطوط استراتيجية جديدة للعمل الوطني.
ولفت إلى أنه من دون خطوات عملية لن تكون هناك ترجمة على أرض الواقع للموقف الرافض لـ «صفقة القرن»، وكذلك لن تكون هناك جدية لأي حديث عن انتخابات قادمة، منوها إلى أنه إزاء أي مزيد من التلكؤ في اتخاذ خطوات لإنهاء الانقسام يجب ألا يتردد الشعب في النزول إلى الشارع للتعبير عن إرادته، والضغط من أجل إنهاء الانقسام.
وذكر شعث أن صفقة القرن لن تنجح بأي مقياس من المقاييس، وهذا لا يعني التقليل من خطورة ترامب والإسرائيليين، مشيرا إلى أنه لم تعلن أي دولة في العالم رسميا تأييد الصفقة، وأن القضية الفلسطينية تواجه مؤامرة كبرى، لكن الشعب الفلسطيني سيتمكن من مواجهتها، في ظل صموده وتوحده لمواجهة «صفقة القرن».
ونبه شعث إلى أن «صفقة القرن» مشروع يثبت الهيمنة الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية الكاملة على أرض الضفة الغربية، وينسف فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، ويثبت هيمنة إسرائيل على كامل التراب الفلسطيني، ويرفض مناقشة قضية اللاجئين والتفاوض حولها، باعتبار أن اللاجئين الآن لا يزيد عددهم على 42 ألف، إضافة إلى أن الصفقة تؤيد ضم الجزء الأكبر من الضفة لإسرائيل، وتعطي القدس كاملة، لتصبح العاصمة الموحدة لإسرائيل وللشعب اليهودي في العالم.
وأشار شعث إلى أن مشروع ترامب يلغي عمليا عناصر التفاوض المتفق عليه في اتفاق أوسلو للحل النهائي، وهي الحدود والقدس والاستيطان والأمن واللاجئين، موضحا أن التفاوض المحكوم بالمشروع الأميركي سيكون حول الحكم الذاتي والقضايا الاقتصادية.
ضبابية الأفق السياسي
من ناحيته، أكد الخبير السياسي ضحى حمامدة أن هناك العديد من المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وأن هذه المخاطر تهدد حقوق الشعب الفلسطيني، وترسخ فصل القضية عن العمق العربي والإسلامي، مما يزيد من ضبابية الأفق السياسي أمام السلطة الفلسطينية.
وذكر حمامدة أربعة سيناريوهات تناولت مستقبل القضية الفلسطينية، وإمكانية إحداث تغيير في البرنامج الوطني لمواجهة المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني وقضيته، وهي: استمرار الوضع الراهن، وتحقيق المصالحة الوطنية، وإبرام اتفاقية مصالحة جديدة شكلية، إضافة إلى سيناريو انهيار السلطة.
الوحدة الوطنية
من ناحيته، قال المحلل السياسي أحمد التلولي إن المدخل الحقيقي لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، يتمثل في عقد لقاء وطني شامل للنخب الفلسطينية من قادة فصائل العمل الوطني والمجتمعي، وكافة القطاعات الشبابية والنسوية والنقابية من مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني.
ودعا إلى توحيد المؤسسات الوطنية عبر اتخاذ خطوات ملموسة على مستوى السلطة والمنظمة وفق الاتفاقيات الموقعة، وإعادة بناء منظمة التحرير على هذه الأسس، من خلال عقد مجلس وطني توحيدي في مكان يتيح مشاركة الجميع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وأشار التلولي إلى أهمية إعادة النظر في شكل السلطة وطبيعتها ووظائفها والتزاماتها وموازنتها، وتفعيل المقاومة الشعبية في كافة تجمعات الشعب الفلسطيني حسب ظروفها وأوضاعها داخل الوطن وخارجه، والتمسك برفض العودة إلى المفاوضات الثنائية برعاية أميركية أو في سياق إقليمي أو غيره، والدعوة إلى تفعيل الموقف العربي على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، لمواكبة التحركات الفلسطينية والتنسيق في المواقف إقليميا ودوليا، ولقطع الطريق على الآمال الأميركية والإسرائيلية، وبلورة جبهة عالمية تضم كتلا وقوى دولية مختلفة، والدول الشقيقة والصديقة، مثل روسيا والصين وأوروبا والدول الإسلامية والإفريقية، ودول أميركا اللاتينية، وضمان التوافق الوطني والشراكة على أساس البرنامج الوطني المشترك وتشكيل حكومة وحدة وطنية إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
وأشار التلولي إلى أن بقاء الوضع الراهن واستمرار الانقسام الفلسطيني، هو السيناريو المتوقع خلال السنوات القادمة، لعدم قدرة أطراف الانقسام على التوافق على اتفاقية الرزمة الشاملة وفقا لاتفاق القاهرة 2011، الذي دعا إلى الشراكة السياسية الكاملة بين حماس وفتح وتفعيل النظام السياسي ومنظمة التحرير، وأيضا عدم مقدرة الفصائل على تنفيذ «اتفاق التمكين» وفقا لاتفاق القاهرة 2017، الذي غابت عنه فكرة الشراكة السياسية، حيث اتهمت السلطة حماس بعدم تمكين الحكومة، في حين رفضت حركة حماس هذه الاتهامات، وهو ما أفشل الاتفاق.
وأوضح التلولي أن عدم الوصول إلى مصالحة حقيقية بين حركتي فتح وحماس، يفتح الباب أمام الحلول الإقليمية للقضية الفلسطينية من خلال الاجتماعات واللقاءات وورشات العمل الاقتصادية، التي تهتم بتقديم الدعم الإنساني للفلسطينيين، وتمكين إسرائيل من السيطرة على أنحاء الضفة الغربية، ومواصلة بناء المستوطنات، وتهديد سكانها بالضم بين الحين والآخر.
ضم الضفة
بدوره، أكد الباحث رازي نابلسي أهمية المصالحة الوطنية لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها صفقة القرن، مشيرا إلى وجود إجماع إسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية.
وقال نابلسي إنه في حال فوز نتانياهو في الانتخابات القادمة، من المتوقع أن تشهد فلسطين موجة ضم قانوني في الضفة الغربية أحادية الجانب إسرائيلية، ضمن صفقة أميركية - إسرائيلية، خاصة أن نتانياهو سيحتاج إلى تقديم وعود ائتلافية لائتلاف أحزاب اليمين. أما في حال فوز غانتس أو تشكيل حكومة وحدة وطنية، فستكون الضفة الغربية أمام ذات خطر الضم، ولكن من خلال اتفاقية دولة ومفاوضات لن تفضي إلى تحقيق أي من الحقوق القومية والوطنية الفلسطينية، ولكن من المرجح أن نكون أمام فتح مسار سياسي جديد، يفضي في نهايته إلى ضم بعض الكتل الاستيطانية.
copy short url   نسخ
13/07/2019
1581