+ A
A -
فلسطين- الوطن- أمين بركة
مثل غيرها من محافظات الضفة الغربية المحتلة، تعاني مدينة جنين من سرطان الاستيطان الذي أصبح يلتهمها شيئا فشيئا، ولعل آخر هذه المشاريع ما كشفه مجلس قروي ظهر العبد جنوب المدينة من توسع استيطاني ملحوظ في أراضي القرية.
وبحسب رئيس مجلس قروي ظهر العبد طارق عمارنة، فإن توسعا متدرجا يتم في أراضي خربة مسعود بقرية ظهر العبد، فقد بدأ الأمر بمستوطن أقام بؤرة استيطانية جديدة ولاحقا انضم إليه عشرات المستوطنين، ومن ثم تطور الأمر إلى الاعتداء على المواطنين الفلسطينيين والتنكيل بهم.. مشيرا إلى أن المستوطنين بدأوا بإحضار بيوت متنقلة وإقامة بنية تحتية في المنطقة.
وبحسب مركز «رؤية» للتنمية السياسية، فإن بلدات وقرى محافظة جنين تعاني من شبح الاستيطان الذي بات يلتهم أراضي الفلسطينيين، في وقت تنتهج سلطات الاحتلال سياسات تعسفية تهدف في المقام الأول إلى محاربة الوجود الفلسطيني في المنطقة.
وتقع محافظة جنين في أقصى شمال الضفة، عند النهايات الشمالية لمرتفعات نابلس، وفي العام 1948 تم احتلال المدينة من قبل العصابات الصهيونية، وتم تهجير أهلها. وتبلغ المساحة الكلية للمحافظة تبلغ حوالي 573 كم2، ويقطنها 325 ألف مواطن فلسطيني، وعدد القرى والبلدات الفلسطينية في المحافظة يصل إلى 80 تجمعا، إضافة إلى مخيم جنين للاجئين.
استيطان محموم
وتصل مساحة المستوطنات القائمة على أراضي المحافظة إلى 3.623 كم مربع من الأراضي، كما تبلغ المساحات التي يعزلها الجدار الفاصل من أراضي المحافظة حوالي 35 كم مربع، وتشكل ما نسبته 6% من مساحة المحافظة، ويبلغ عدد المستوطنين في المحافظة 3504 مستوطنين، وقد وصلت نسبة زيادة عدد المستوطنين إلى 33% خلال الأعوام 2013-2018.
وبالنسبة للتقسيم الجيوسياسي لمحافظة جنين، فإنها تقع في المنطقة «ج» الخاضعة أمنيا وإداريا للاحتلال، وتمثل هذه المنطقة ساحة الاستهداف الأساسية في جميع المشاريع الاستيطانية في المحافظة، حيث يسعى الاحتلال إلى ضمان السيطرة الكاملة على معظمها، وتفريغها من سكانها الفلسطينيين
وبدأ الاستيطان الإسرائيلي في محافظة جنين متأخرا نسبيا عن المحافظات الفلسطينية الأخرى، وقد أقامت سلطات الاحتلال 10 مستوطنات في المحافظة بدءا من العام 1977، وتم إخلاء بعضها ضمن خطة الانفصال من جانب واحد، التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية عام 2005، وبقيت ست مستوطنات منها لحد الآن.
كما أن هناك العديد من البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراضي المحافظة بمبادرة من الجماعات الاستيطانية بهدف إنشاء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة، ورغم أن الاحتلال يعتبر هذه البؤر غير شرعية، إلا أن الخدمات والبنية التحتية تصلها بشكل كامل، كما يؤمن لها جيش الاحتلال الحماية اللازمة، وهو ما يشير إلى أن حكومة الاحتلال تتعمد توسيع المستوطنات القائمة، وإقامة مستوطنات جديدة عبر توكيلها هذه المهمة للجمعيات الاستيطانية.
ويشير المركز إلى أن أكثر ما أعاق المخطط الاستيطاني في محافظة جنين هي الكثافة السكانية الفلسطينية، ثم طبيعة الانتشار الديمغرافي والجغرافي للمواطنين في معظم مناطق المحافظة، وقد دفع هذا السبب الاحتلال إلى إخلاء المستوطنات المعزولة نسبيا في المحافظة التي تحيطها القرى الفلسطينية بكثافة سكانية كبيرة، حيث اعتبر الاحتلال أن إمكانيات نمو هذه المستوطنات سيكون محدودا جدا، إضافة إلى صعوبة توفير الأمن للمستوطنين فيها.
في المقابل، فقد ركز المشروع الاستيطاني على السيطرة على المنطقة الغربية من محافظة جنين، وهي المنطقة المحاذية للخط الأخضر، قاصدا بذلك فصل المواطنين الفلسطينيين في الضفة جغرافيا وديمغرافيا عن إخوانهم من المواطنين في القرى الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948، كما أنه أراد بذلك السيطرة على المزيد من أراضي الضفة القريبة من الساحل الفلسطيني التي تشرف بحكم ارتفاعها على مدن الاحتلال ومستوطناته المقامة في المناطق المحتلة عام 48، محولا إياها بذلك إلى عمق جغرافي لكيانه.
وتسعى سلطات الاحتلال، إلى ترسيخ سيطرتها المطلقة على المنطقة الغربية من محافظة جنين، وهي المنطقة التي توجد بها 6 مستوطنات و4 بؤر استيطانية، المتكونة من جيب برطعة المعزول خلف الجدار الفاصل، ومحمية أم الريحان الطبيعية التي تبلغ مساحتها 3000 دونم، إضافة إلى مستوطنتي «حرميش» و«ميفودوتان» والمناطق المحيطة بهما، والتي يعتبرها الاحتلال منطقة نفوذ استيطاني، حيث تقوم سياسة الاحتلال في هذه المنطقة، المصنفة بأنها جزء من المنطقة «ج» حسب اتفاقيات أوسلو، على محورين أساسيين هما: تكثيف التواجد الاستيطاني، ومحاربة الوجود الفلسطيني من خلال عدم السماح بالبناء للمواطنين الفلسطينيين، وعبر هدم البيوت والمنشآت ومصادرة الأراضي.
محاربة الوجود الفلسطيني
ومن أبرز مظاهر سياسة محاربة الوجود الفلسطيني في المنطقة، اتباع سياسة هدم البيوت والمنشآت، كما أن منح رخصة لإقامة أي مبنى للمواطنين الفلسطينيين يمثل مسألة مستحيلة، حيث تمنع دوائر الاحتلال توسيع مساحة المخططات الهيكلية القديمة للقرى الفلسطينية، وهي مخططات مضى عليها عشرات السنوات، ولم تعد صالحة لاستيعاب مبان جديدة، وهدف الاحتلال يتلخص في جعل الأجيال المقبلة تغادر هذه المنطقة التي يمنع البناء فيها إلى مناطق «أ» أو «ب» التي تديرها السلطة الفلسطينية، وبالتالي إفراغها من أهلها وجعلها فريسة سهلة للمشروع الاستيطاني، وتقوم جرافات الاحتلال ومجنزراته بعمليات هدم طوال الوقت بحق أي مبنى فلسطيني لم يحصل ترخيص من الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال، وتمثل عمليات هدم البيوت والمنشآت التي يقوم بها جيش الاحتلال تطبيقا مباشرا لسياسة التطهير العرقي وللترانسفير التدريجي في مناطق «ج».
كما أن عمليات الهدم في مناطق «ج» في محافظة جنين لم تتوقف منذ سنوات ما بعد اتفاقيات أوسلو التي قسمت الضفة إلى مناطق «أ»، «ب»، «ج»، حيث تم هدم مئات المنازل والمنشآت التي اعتبرها الاحتلال غير مرخصة.
وتقوم سلطات الاحتلال أيضا بمصادرة أراضي المواطنين في المنطقة، فقد تم مصادرة مساحات كبيرة من أراضي المواطنين الفلسطينيين في المنطقة المستهدفة. وتعمل أيضا سلطات الاحتلال ببناء وحدات سكنية كثيفة في المستوطنات، حيث تقوم بشكل مستمر بتوسيع المنطقة الصناعية في مستوطنة «شاكيد»، كما قامت ببناء 411 وحدة استيطانية جديدة خلال الأعوام 2009-2018م.
ولعل من أخطر السياسيات الإسرائيلية في المحافظة، هي الطرق الالتفافية التي يقيمها الاحتلال لتأمين تنقّل المستوطنين بعيدًا عن البلدات الفلسطينية، وقد أقيمت على أراض تعود للمواطنين الفلسطينيين.
وبالنسبة للجدار الفاصل في محافظة جنين، فيمتد الجدار بطول69 كيلومترا على أراضي المحافظة، وقد أدى بناء الجدار الفاصل إلى خلق جيوب معزولة من الأراضي الفلسطينية باتت محصورة بين الجدار الرئيس وبين حدود عام 1967، وتبلغ مساحة هذا الجيوب 34475 دونما من الأراضي الفلسطينية في المحافظة جنين (5.9 % من المساحة الكلية لمحافظة جنين). كما أن هناك مئات العائلات من سكان التجمعات السكانية الفلسطينية التي تقع شرق الجدار الرئيس، تم فصلهم عن أراضيهم الزراعية التي باتت غرب الجدار الفاصل، ولم يعد ممكنا لهم الوصول إليها إلا فترات قصيرة جدا من العام، وعبر تصاريح من قوات الاحتلال، وهي تصاريح ليس من السهل الحصول عليها، وإضافة إلى هذه المساحات المعزولة، فقد خسر المواطنون مساحات أخرى من أراضيهم استولى الاحتلال عليها لصالح إقامة الجدار، وتبلغ مساحات هذه الأراضي 1384 دونما.
وتطرق تقرير مركز «رؤية» إلى حواجز الاحتلال الثابتة في محافظة جنين وهي خمسة حواجز، ولعل أخطرها هو حاجز «الجلمة» الذي يقع شمال جنين على الطرف الشمالي لقرية الجلمة، ويقع على الجدار الفاصل، ويشرف عليه جيش الاحتلال وشركات الحراسة الخاصة، يوجد في الحاجز منشآت عديدة بما يشبه معبر حدودي، يمنع عبور المواطنين الفلسطينيين باستثناء سكان شرقي القدس وحملة تصاريح الدخول إلى إسرائيل، وهؤلاء يسمح لهم العبور مشاة فقط، يستعمل الحاجز لعبور البضائع بين الضفة وكيان الاحتلال.
ولفتت التقرير إلى معسكرات وقواعد الاحتلال العسكرية في محافظة جنين، ومنها معسكر «سالم» الذي يحتوي على مقر الإدارة المدنية، ومقرات للجيش والشرطة ومخابرات الاحتلال، وبه محكمة عسكرية ومكتب تسجيل الأراضي، وحقل للرماية والتدريب، بالإضافة إلى معسكر «ميفودوتان» الذي يستخدم للتدريب ولحماية المستوطنات ونقطة انطلاق لمداهمة البلدات الفلسطينية في المنطقة.
copy short url   نسخ
27/06/2019
1156