+ A
A -
يلاحظ أَنَّ كثيرًا من المسلمين ممن كانوا يحافظون على أنواع كثيرة من الطاعات في رمضان كالذكر والصدقة والتبكير إلى الصلوات وغيرها، يهملون هذه الطاعات بعد انقضاء الشهر ولا يثبتون عليها، وهذا الأمر إِنْ استمر له خطورته على إيمان العبد وخاتمته وآخرته.
وقد أمرنا الله بالثبات على الطاعات حتى الممات في قوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) (الحجر:99)، كما أمرنا أَنْ نسأله عدة مرات في اليوم الواحد أَنْ يهدينا الصراط المستقيم.
وهذا الثبات له موانع وله عوامل. إِنْ تجنب الإنسان موانعه وأخذ بعوامله ثبت على الطاعة بإذن الله. وفي ما يلي بيان مختصر لأغلب هذه الموانع، لعل الله أَنْ ينفع بها قارئها وكاتبها.
المانع الأول: طُولُ الْأَمَل: وحقيقته: الحرص على الدنيا والانكباب عليها، والحب لها والإعراض عن الآخرة، وقد حَذَّرنَا الله مِنْ هذا المرض في قوله: (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيّ) أي طُولُ الْأَمَلِ، وبَيَّنَ سبحانه أَنَّهُ سبب قسوة القلب فقال: (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (الحديد:16)، كما بَيَّنَ أَنَّهُ سبب الانشغال عن هدف الإنسان من الحياة فقال: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الحجر:3)، وذَكَرَ أَنَّهُ سبب للانتكاس والسقوط فقال: «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (محمد: 25)، أي زَيَّنَ لهم الشيطان خطاياهم، ومَدَّ لهم في الأمل ووعدهم طول العمر.
وما ذاك إِلَّا لِأَنَّهُ - كما قال القرطبي- دَاءٌ عُضَالٌ ومرض مُزْمِنٌ، ومتى تَمَكَّنَ من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه، ولم يفارقه داء ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس مِنْ بُرْئِهِ الحكماء والعلماء.
وقال الحسن البصري: (ما أطال عَبْدٌ الْأَمَلَ إِلَّا أساء العمل). فالأمل يُكْسِلُ عن العمل ويورث التراخي والتواني، وَيُعْقِبُ التشاغل والتقاعس، وَيُخْلِدُ إلى الأرض وَيُمِيلُ إلى الهوى. وهذا أمر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ولا يطلب صاحبه ببرهان، كما أَنَّ قِصَرَ الأمل يبعث على العمل، ويحث على المسابقة).
المانع الثانى: التوسع في المباحات:
لا شك أَنَّ التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس ونحوها سبب في التفريط في بعض الطاعات وعدم الثبات عليها. فهذا التوسع يورث الركون والنوم والراحة والدَّعَةَ، بل قد يجر إلى الوقوع في المكروهات، لِأَنَّ المباحات باب الشهوات، وليس للشهوات حَدٌّ، لذا أمر الله بالأكل مِنْ الطَيِّبَاتِ ونهى عن الطغيان فيها قال تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ) (طه:81)، ولا يعني هذا تحريم ما أحل الله، فقد كان نَبِيُّنَا - وهو أصدق الزاهدين - يحب العسل والحلواء، ويأكل اللحم، ويقبل ما يقدم إليه إلا أن يَعَافَهُ - أي لا يرغب فيه. فاستعمال المباح لا حرج فيه، لَكِنَّ الآفة أَنْ يكون في ذاته هدفًا وغاية.
المانع الثالث: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية: مِنْ أصول عقيدتنا أَنَّ الإيمان يزيد وينقص، فيضعف ويضمحل إذا عَرَّضَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ لأجواء الإباحية والفجور والتبرج والسفور أو انشغل قلبه على الدوام بالدنيا وأهلها، لذا بَيَّنَ النبي الكريم أَنَّ أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغضها الأسواق، وما ذلك إلا لِأَنَّ المساجد بيوت الطاعات، ومحل نزول الرحمات، والأسواق محل الغش والخداع والأيمان الكاذبة وخُلْف الوعد وغير ذلك مما في معناه. وقد حث الشرع على مرافقة الصالحين وملازمتهم ليعتاد المسلم فعل الطاعات، وترك السيئات. ومما يؤكد أَنَّ البيئة تؤثر في ايمان العبد: جواب الْعَالِمِ لقاتل المائة حينما سأله: هل له من توبة؟ قال الْعَالِمُ: (نعم ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فَإِنَّ بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء).
copy short url   نسخ
18/06/2019
1823