+ A
A -
إن لله تعالى سننا في الكون، وفي المجتمعات، وفي حركة التاريخ.. وهذه السنن تعمل بإحكام متناه، وانتظام تام، وهي لا تتبدل ولا تتغير، كما أنها لا تحابي أحدا على أحد، ولا أمة على أمة؛ إذ هي نظام في الكون وضعه الله بانتظام هائل وإحكام تام، وعلم مطلق.
وهذه السنن تجعل من يفهمها يستطيع أن يفسر الأحداث ويفهم التحولات فهما دقيقا، ويتوقع حدوثها من خلال مقدماتها التي يعيشها ويدركها.
سنة التغيير
ومن هذه السنن التي وضعها الله في خلقه وبين عباده، سنة التغيير، والحديث عنها مبثوث ومنتشر في آيات القرآن الكريم، وفي سنة النبي الأمين، وقد ورد ذكر التغيير مباشرة في كتاب الله تعالى في آيتين:
الأولى: في سورة الأنفال، بعد أن ذكر الله قوم فرعون وما فعل بهم قال: «ذلِكَ بِأَنَّ للَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وأن الله سميع عليم» [الأنفال: 53].
والثانية: في سورة الرعد: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له». وفي الآيتين نوعان من التغيير: تغيير من القوم لما بأنفسهم... ثم تغيير من الله لما بالقوم.
والملاحظ في الآيتين أن تغيير الله لأحوال الناس، يأتي بعد أن يغير الناس ما بأنفسهم. سواء كان بالخير أو بالشر. يقول الشعراوي رحمه الله: «وطبقاً لهذا القانون الإلهي نجد أن تغير الناس من الإيمان إلى الكفر لابد أن يقابله تغيير من نعمة الله عليهم، وإلا لأصبح منهج الله بلا قيمة، وما دام الإنسان قد تغيَّر، فلا بد أن يغير الله النعمة إلى نقمة، ومن رحمته سبحانه أنه شاء أن يكون الإنسان هو البادئ، فالحق سبحانه منزّه أن يكون ظالما أو بادئا بالعقوبة، بل بدأ الإنسان بظلم نفسه» كما قال ابن جرير: يَقُول الله: (إِنَّ اللَّه لَا يُغَيِّر مَا بِقَوْمٍ مِنْ عَافِيَة وَنِعْمَة فَيُزِيل ذَلِكَ عَنْهُمْ وَيُهْلِكهُمْ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) مِنْ ذَلِكَ: بِظُلْمِ بَعْضهمْ بَعْضًا، وَاعْتِدَاء بَعْضهمْ عَلَى بَعْض، فَتَحِلّ بِهِمْ حِينَئِذٍ عُقُوبَته وَتَغْيِيره.
وأخرج ابن أبي حاتم أثرا عن إبراهيم قال: أوحى اللّه إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة اللّه فيتحولون منها إلى معصية اللّه إلا حوّل اللّه عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون، ثم قال: إن تصديق ذلك في كتاب اللّه: «إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»
حقائق حول التغيير:
وهذا الذي ذكرته الآيتان حول التغيير يقودنا إلى:
- أننا مسؤولون عن هذا الواقع الذي نعيشه، بمعنى أن الأمة إنما أوتيت من داخلها، «قل هو من عند أنفسكم».
- لن يتم التغيير إلا إذا غيَّرنا ما بأنفسنا من جهل وتخلف وأمية وتمزق وحروب وفساد وظلم، وبعد عن منهج الله.
- كل تغير في الأرض يسبقه تغيير في نفوس الناس، فيعمل الناس وفق ما في نفوسهم فيحصل التغيير إما للأحسن أو للأسوأ.
- التغيير ممكن، وإن ظن البعض أنه لا فائدة، أو أن الواقع يفرض نفسه. بل هذا الواقع يمكن تغييره حين يريد الناس، وحين يغيروا ما بأنفسهم.
- اليأس من التغيير هو استسلام للواقع أو تسويغ لما فيه، وهذا جريمة؛ لأنه تسويغ للانحراف، وحجر عثرة أمام كل إصلاح، وتسويغ الجرائم إنما هو جريمة أشد من جريمة القاعدين الناكثين.
وفي الختام نقول:
من أراد أن يبدل الله حاله إلى ما يحب، فعليه أن يغير نفسه ليكون لله على ما يحب. ومن الملاحظ أن الكل يحسن الكلام عن التغيير، ولكن قليلون هم الذين يبدؤون بتغيير أنفسهم قبل دعوة الآخرين للتغيير.
إن التحدي الحقيقي هو أن تغير نفسك قبل أن تطلب من الآخرين تغيير أنفسهم، فتصبح الشخص الذي يريده الله.
نقول للمنشغلين بالتنظير للتغيير، الغارقين في التحليلات والتوقعات، فكروا في تغيير أنفسكم فإن هذا هو التغيير الأهم والأكبر.
ونقول لليائسين المحبطين: أيها اليائسون من التغيير لا تيأسوا، فإن فأراً دمَّر سداً فأغرق قرية، وبعوضة قتلت عاتيا متمردا قويا، وطائرا أنقذ شعبا من الكفر، وطيراً أبابيل حطمت جيش أصحاب الفيل. فلا تحقرن ضعيفا فربما أتى التغيير من طريقه. نحن نحتاج إلى شجاعة لكي نغير ما يمكن تغييره، ونحتاج إلى صبر لكي نثبت ونتحمل ما لا يمكن تغييره، ونحتاج إلى حكمة لنعرف الفرق ما بين الاثنين.
copy short url   نسخ
17/06/2019
3920