+ A
A -
تسببت التفجيرات الغامضة التي شلَّت حركة ناقلتين تجاريتين في خليج عمان في ارتفاع أسعار النفط، وإطلاق الرئيس دونالد ترامب للتهديدات، ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة للتهدئة. وعلى الرغم من إخلاء كلتا السفينتين دون وقوع إصابات خطيرة، زادت هذه الحوادث التخوفات بشأن نشوب نزاع عسكري محتمل بين القوى الإقليمية المتنافسة.
وبحلول مساء يوم الخميس ذاك، ألقى مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، باللوم على إيران مما زاد التوترات بين واشنطن وطهران إلى أعلى مستوى لها في ثلاثة عقود. وتقول إيران إنَّها تتعرض لاتهاماتٍ مُلفقة.
إذن، لماذا تضع سفينتان معطلتان العالم على حافة الهاوية؟
تقول صحيفة The New York Times الأميركية، ربما تكون التفجيرات، التي وصفتها الولايات المتحدة بالهجمات المتعمدة من إيران، تهديداً ضمنياً لخنق أحد الشرايين الحيوية للاقتصاد العالمي. يقود خليج عُمان عبر مضيق هرمز البالغ عرضه حوالي 63 كم إلى الخليج العربي، ويمر حوالي ثلث إمدادات النفط الخام في العالم وحوالي خمس إمدادات الغاز الطبيعي عبر مياه المضيق.
لم يكن لأي من السفينتين المتجهتين إلى آسيا أي صلة بالولايات المتحدة. لكن واشنطن ملتزمة بضمان التصدير الآمن للنفط من الخليج منذ الحرب العالمية الثانية. ومنذ حرب الخليج الأولى عام 1990، زادت الولايات المتحدة هذا الالتزام من خلال التعزيزات العسكرية في المنطقة.
لذلك فإنَّ محاولة إغلاق مضيق هرمز أو تعريض تدفق النفط للخطر قد يشكل تهديداً خطيراً للمصالح الأميركية، حتى لو لم تكن تمر من هناك أي سفن أميركية.
علاوة على ذلك، أعطى الرئيس ترامب أولوية لمواجهة إيران، مردداً شكاوى إسرائيل ودول الخليج العربي من أنَّ أنشطة طهران، من وجهة نظرهم، تزعزع استقرار المنطقة. سحب ترامب في العام الماضي الولايات المتحدة من اتفاق عام 2015 الذي وعد إيران بمزايا اقتصادية مقابل تقليص برنامجها النووي.
أعاد ترامب فرض العقوبات القديمة على طهران، وأضاف عقوبات جديدة مُصممة بهدف شل قدرة إيران على تصدير النفط إلى أي مكان. وصنَّف جزء من الجيش الإيراني، وهو الحرس الثوري الإسلامي، باعتباره مجموعةً إرهابيةً، وهدد بالانتقام المدمر إذا اختارت إيران محاربة الولايات المتحدة، أو ما وصفه في تغريدة له على تويتر بـ «النهاية الرسمية لإيران».
ومع ذلك، كانت أهداف إدارة ترامب غير متسقة. ففي بعض الأحيان، طالب مسؤولوها بتغييرات شاملة في السياسة الإيرانية في المنطقة، حيث نشرت طهران نفوذها من خلال دعم الميليشيات المتحالفة معها في العراق ولبنان وسوريا وغزة واليمن (يتهم النقاد إيران بدعم المعارضين للحكومة في البحرين أيضاً).
وفي أوقات أخرى، بدا الرئيس ترامب مخففاً لهذه المطالب. لكنَّ الإدارة الأميركية قد تجد صعوبة في التراجع هذه المرة. في وقتٍ متأخر من ليلة الخميس، أصدر البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) مقطع فيديو مشوشاً قال مسؤولون إنَّه أظهر بحارة إيرانيين وهم يقومون بإزالة لغم غير منفجر من هيكل إحدى السفن، مما يشير إلى أنَّ الإيرانيين وضعوه هناك، وكانوا يحاولون إخفاء الدليل. قد يجعل مقطع الفيديو من الصعب على الإدارة تجنب المزيد من تصعيد في نهجها ضد إيران.
تنفي إيران مسؤوليتها.. فلماذا قد تنفذ إذن مثل هذا الهجوم؟
يشكك العديد من الخبراء في إدعاءات إدارة ترامب بمسؤولية إيران في ارتكاب هذه الحوادث. ومع ذلك، ظهر شبه إجماع بين مسؤولي الحكومات الغربية على أنَّ إيران نفذت هجوماً مماثلاً وإن كان أقل ضرراً في الشهر الماضي على أربع ناقلات في الممر المائي نفسه بالقرب من ميناء الفجيرة في الإمارات. يقول الخبراء إنَّ إيران ربما تبحث عن طرق للرد على واشنطن بينما تحفاظ على غموض كافٍ بشأن دورها لتجنب تعرضها لهجوم عسكري مضاد مباشر.
استهداف ناقلات النفط في الخليج يعاقب الولايات المتحدة برفع سعر النفط، ويمثل فائدة إضافية لإيران لزيادة عائداتها من مبيعات النفط. يلاحظ المسؤولون الأمريكيون السابقون أن إيران غالباً ما نجحت في شن هجمات بالكاد خفية أو غير مباشرة ضد الولايات المتحدة دون التعرض للعقوبات. أثناء الاحتلال الأميركي للعراق بعد غزو عام 2003، على سبيل المثال، عرفت واشنطن أنَّ إيران كانت تُدرِّب وتجهِّز الميليشيات الشيعية التي هاجمت وقتلت قوات أميركية بفعالية. لكنَّ الإيرانيين أكدوا أنَّ الميليشيات قد تصرفت من تلقاء نفسها. وتمكنت طهران من الهروب من الانتقام المباشر.
قال علي أنصاري، مدير معهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز في إسكتلندا: «الإنكار الظاهري هو جزء أساسي من أسلوب عمل إيران».
قد يكون للتنافس على السلطة داخل الحكومة الإيرانية دوراً أيضاً، إذ يمكن للحرس الثوري العمل بطريقة مستقلة عن القادة المدنيين المعتدلين نسبياً، من أمثال الرئيس حسن روحاني أو وزير الخارجية محمد جواد ظريف. وأيضاً، فقادة الحرس الثوري متحالفون مع السياسيين المتشددين، الذين قد يستفيدون في الانتخابات المقبلة من تصاعد موجة معاداة الولايات المتحدة الناجمة عن المواجهة مع واشنطن. لذا فإنَّ الحرس الثوري، إذا كان مسؤولاً، يمكن أن يهاجم الرئيس روحاني كذلك. وأضاف أنصاري: «ليس من المؤكد على الإطلاق أن يعرف ظريف أو روحاني ما كان يجري. يمكن لظريف أن ينهض وينكر ما حدث لأنَّه ربما لم يكن على علم به».
إذا كان هذا نوعاً من الأعمال الاستفزازية لإيران، فما الأمر المختلف هذه المرة؟
تحدث الأزمة الحالية في سياق أكثر تقلباً بسبب القيادة المتغيرة للدول العربية حول إيران، وتحديداً صعود ولي العهد محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية.
كان الحكام السعوديون السابقون حذرين بشكلٍ لافت. في عام 1996، على سبيل المثال، كان الملك عبد الله مذعوراً من نشوب صراع مباشر مع إيران لدرجة أنَّه سعى عن عمد لإخفاء الدور الإيراني في هجوم على مجمع سكني بالخُبر الذي أدى إلى مقتل 19 من أفراد سلاح الجو الأميركي. يقول مسؤولون أميركيون سابقون مطلعين إنَّ الملك كان قلقاً من أنَّ شن الولايات المتحدة هجوماً مضاداً قد يقحم المملكة في الصراع أيضاً.
بيد أنَّ صعود الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة حالياً، زاد من حدة الحرب الباردة الطويلة عبر مياه الخليج، بين إيران من جهة والممالك العربية من جهة أخرى.
قاتل الجانبان لسنوات من خلال قوات بالوكالة في البلدان المجاورة، بما في ذلك لبنان والعراق وسوريا والبحرين.
لكنَّ الأمير محمد صعَّد الآن الدعاية الوطنية والمناهضة لإيران داخل المملكة، بينما دعم للمرة الأولى التدخل المباشر للقوات السعودية وحلفائها من الإمارات في اليمن، حيث يسعون لسحق محاولة الحوثيين الاستيلاء على السلطة، وهم فصيل يمني متحالف مع إيران.
الآن، بينما تهدد الولايات المتحدة إيران، يبدو أنَّ حلفاءها الحوثيين يهاجمون السعوديين، إذ ضربت صواريخ الحوثيين خط أنابيب نفط سعودي. وأصاب صاروخ آخر مطاراً سعودياً هذا الأسبوع، مما أسفر عن إصابة 26 شخصاً، وقالت وسائل الإعلام السعودية يوم الجمعة 14 يونيو إنَّ المملكة اعترضت المزيد من صواريخ الحوثيين.
ضغطت السعودية والإمارات على الولايات المتحدة للتخلي عن الاتفاق النووي مع إيران، بحجة أنَّ على الولايات المتحدة أن تفعل المزيد لتقليل النفوذ الإيراني في المنطقة.
لكن في الوقت الذي ضغط فيه السعوديون والإماراتيون والإسرائيليون على واشنطن لاتباع نهد أكثر تشدداً مع إيران، يقول دبلوماسيون إنَّ لديهم أيضاً أسباباً لتمني ألا يصل تبادل التهديدات إلى حد الحرب المفتوحة التي تتشابك فيها بلدانهم، إذ تمثل الدول الثلاث أهدافاً رئيسية للهجمات الإيرانية المضادة في حال نشوب صراع عسكري. ويقول بول بيلار، الأستاذ بجامعة جورج تاون، والمسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي يدرس المنطقة: «الوضع المثالي من وجهة نظر السعوديين، والإماراتيين والإسرائيلين هو الإبقاء على إيران كبُعبع في المنطقة، لإلقاء اللوم عليها في كل الأحداث المشينة هناك، وبدون خطر نشوب حرب في جوارهم».
copy short url   نسخ
17/06/2019
408